تكثيف الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب
ناديا شحادة
بعد خمس سنوات من الحرب على سورية لا يمكن إنكار حقيقة أن واشنطن وحلفاءها هم من دعموا الإرهاب بسورية دعماً تسليحياً ومالياً ولوجستياً كبيراً، بهدف ضرب منظومة صمود سورية وعقيدة الجيش واستنزاف قدراته اللوجستية والبشرية ومع عجز الدول الشريكة بالحرب على سورية عن اسقاط الرئيس الاسد، بدأت تلك الدول تعاني من ظاهرة عودة الإرهاب والإرهابيين الى اراضيها، فما جرى بباريس من احداث إرهابية هو أمر كان متوقعاً من غالبية المتابعين، فأحداث فرنسا التي شهدتها العاصمة باريس ليلة الجمعة الماضية والتي نفّذها داعش واعترف بمسؤوليته عنها لا تختلف تلك العمليات الإرهابية في مضمونها عن جميع العمليات الإرهابية التي ينفذها التنظيم نفسه في سورية والعراق وغيرها من البلاد العربية. وكانت دليلا جديدا على انتشار الإرهاب ووصوله إلى القارة العجوز..
يؤكد المراقبون على انه بعد تلك الأحداث، بالإضافة إلى حادثة إسقاط الطائرة الروسية في شبه جزية سينا باتت تلوح في الأفق ملامح تحالف عالمي جديد ضد الإرهاب يجمع في طياته أطرافاً كانت تختلف جذرياً حول محاربة هذا الإرهاب، وبدا الانتقام عامل توحيد بين موسكو وباريس اولاً في سورية وهو ما ترجمه البلدان في قصفهما المكثف اخيراً مواقع الإرهابيين، بالتنسيق مع الجيش السوري وتم الاتفاق بين الرئيس فلاديمير بوتين ونظيره فرانسوا هولاند على وضع خطة مشتركة لإجراء عملية مشتركة في سورية من البحر والجو ضد الإرهاب، وفي إطار هذا التعاون أمر بوتين البحرية الروسية في البحر المتوسط بالاتصال مع البحرية الفرنسية والعمل معاً كحليفين في الحملة ضد داعش.
جاء كلام بوتين مع كبار القادة العسكريين بعد أن أعلن هولاند أنه سيتم نشر حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول في مياه شرق المتوسط.
فدخول باريس في حلف مع موسكو لمحاربة الإرهاب يبدو تغيراً ملحوظاً في استراتيجية الحرب التي تنتهجها واشنطن وحلفاؤها تجاه سورية. فأحداث باريس الأخيرة بدأت تفرض واقعاً جديداً على واشنطن وحلفائها، فمن يتابع العملية العسكرية الفرنسية ضد مواقع الإرهابيين في محافظة الرقة وحديث الروس والفرنسيين عن مسار تحالفي جديد بين موسكو وفرنسا، بخصوص مشروع الحرب على الإرهاب، فسيجد بشكل ملحوظ تغيراً ملموساً برؤية حلفاء واشنطن لطبيعة الحل بسورية. فالمطالب بإسقاط الرئيس الأسد التي طالما ردّدها حلفاء الحرب ضد سورية سقطت عملياً وجاءت الحملة العسكرية الفرنسية ودخول شارل ديغول المتوسط للمشاركة من دون ضمانات تسليم بالتنسيق والعمل تحت راية موسكو، وهذا ما أكد عليه بعض المراقبين.
ومع تحذيرات السياسيين في اوروبا من أن هجمات باريس جزء من سلسلة ضربات لداعش في اوروبا كماما اشارت اليه وزير الداخلية الالمانية في 18 تشرين الثاني، بات تكثيف الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب حاجة اوروبية اكثر من أي وقت مضى فاحداث باريس الدامية ادت الى حدوث تعديل في مواقف بعض القوى الغربية، وان هذا التطور جاء بعد ثمن باهظ نتج عن هجمات إرهابية مروّعة، وهذا ما أكده وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف في 18 تشرين الثاني.
فالحديث عن تنحي الرئيس الأسد لم يعد من أولويات الحلف المعادي لسورية وأصبح إعطاء الأولوية لتركيز كل الامكانيات لمحاربة داعش، بعد ان وصل خطرها الى قلب العاصمة الفرنسية، بخاصة مع وجود تقارير تفيد بأن تفجيرات باريس قد تتكرر في عواصم او مدن اوروبية واميركية اخرى. وقد عبر عن ذلك سيرغي لافروف مهندس السياسة الخارجية الروسية عندما قال في 18 تشرين الثاني من غير المقبول بعد الآن فرض أي شروط مسبقة حول مصير الرئيس السوري.
فمع تخوف الدول الداعمة للإرهاب من ارتداده عليها، بدأت بمراجعة موقفها ورؤيتها لمستقبل ونتائج وتداعيات الحرب على سورية وبدأ واضحاً سقوط جميع رهانات واشنطن وحلفائها، لتبدأ بمرحلة الاستدارة والتحول في مواقفها، فبعد التحول الذي شهدناه في موقف باريس، جاء موقف واشنطن وانقرة والحديث عن إغلاق المعابر، حيث صرح وزير الخارجية الاميركي جون كيري في 18 تشرين الثاني، قائلاً بدأنا بإقفال الحدود بين سورية وتركيا بالتعاون مع انقرة.