هل يتبنى الغرب خطة بوتين ضدّ الإرهاب؟
ميرنا قرعوني
بعد سيل التهديدات التي أطلقها «داعش» ضدّ أوروبا وروسيا جاءت عملية تفجير الطائرة الروسية في سيناء وهجمات باريس لتضع العالم بأسره أمام مخاطر وتحديات جديدة من حيث طريقة الاستهداف وحجم الضحايا الكبير منذ أحداث 11 أيلول، طبعاً باستثناء المذابح الجماعية التي نفذتها فصائل القاعدة وداعش وأوقعت الآلاف من الضحايا في العراق وسورية وليبيا واليمن ومصر ولبنان.
أعلنت روسيا الاتحادية بداية الأسبوع، على لسان رئيس جهاز الاستخبارات، أنّ «عملاً إرهابياً» تسبّب في تحطم طائرة «إيرباص» الروسية في سيناء والتي راح ضحيتها 224 قتيلاً فى 31 تشرين الأول، قنبلة وزنها كيلو غرام أسقطت الطائرة وبعد أكثر من أسبوعين من التحقيقات الروسية الخاصة.
أما في فرنسا فقد تبنى تنظيم «داعش» التفجيرات الدامية والهجمات الانتحارية التي أسفرت عن مقتل129 شخصاً وإصابة نحو 350 آخرين بجروح، ما دفع فرنسا الى إعلان حالة الطوارئ في البلاد وولد تداعيات واسعة أمنياً في سائر بلدان أوروبا فعلى سبيل المثال، في ألمانيا ألغيت مباراة كرة قدم كانت مقررة بين ألمانيا وهولندا لدواع أمنية بعد تهديدات بوجود قنبلة، وتلاحقت الإنذارات بوجود عبوات على متن طائرات الركاب في أكثر من بلد أوروبي ودخلت المطارات ومعابر الحدود في جو من التشدّد الأمني خوفاً من ضربات جديدة.
هذه التداعيات فرضت وتيرة جديدة في التعامل الغربي مع الدور الروسي النشط في مكافحة الإرهاب وانعكس ذلك على أجواء قمة أنطاليا والعلاقات الروسية ـ الأوروبية بصورة كبيرة فبدأ الحديث عن التنسيق مع موسكو في مكافحة الإرهاب بدلاً من موجة الاعتراضات الحادة التي صدرت عن العواصم الغربية بعد ما عرف بعاصفة السوخوي في سورية.
فقد اتفق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند في اتصال بينهما على التعاون العسكري بين البلدين في محاربة تنظيم «داعش»، وبينما حرّكت فرنسا أسطولها إلى حوض المتوسط لتكثيف طلعاتها الجوية ضدّ معاقل «داعش» أعلن الرئيس بوتين تكثيف الغارات الجوية في سورية، مشدداً على أن الضربات الروسية الموجهة ضدّ الإرهابيين في سورية يتعين أن تتواصل وتزداد كثافة وتوعد بالعثور على المسؤولين عن إسقاط الطائرة الروسية فى سيناء.
في هذا المناخ، دعا الرئيس فلاديمير بوتين الأسطول الروسي لمعاملة قطع البحرية الفرنسية كقوات صديقة ووجه أمراً لطاقم الطراد الروسي «موسكو» الموجود قبالة سواحل سورية بإقامة اتصالات مع حاملة الطائرات الفرنسية «شارل ديغول»، ونقلت وسائل الإعلام معلومات عن مباشرة القيادت العسكرية في البلدين تنسيقاً يشمل تبادل المعلومات والتعاون في ضرب الإرهاب على الأرض السورية.
تزامن ذلك مع إعلان الكرملين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيلتقي في موسكو بنظيره الفرنسي فرانسوا هولاند يوم الخميس 26 تشرين الثاني للتنسيق في مكافحة الإرهاب.
من جهة أخرى، قال رئيس الوزراء الفرنسي إن بلاده «ستقود جهوداً لحشد المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب وفي هذا السياق سيقوم الرئيس الفرنسي بزيارة إلى واشنطن وموسكو للقاء باراك أوباما وفلاديمير بوتين».
قبل هجمات داعش الاخيرة في سيناء وباريس لم يكن وارداً احتمال حدوث تقارب سريع بين باريس وموسكو في الحرب على الإرهاب وكان الموقف الفرنسي يعد الأكثر تشدداً في انتقاد المبادرة الروسية في سورية، بينما تشير الوقائع المستجدة الى بداية نوع من التحالف والعمل المشترك ضد الإرهاب بصورة قد تفتح الباب أمام استقطاب دولي جديد لمصلحة وجهة النظر التي أعلنها الرئيس بوتين منذ عملية «داعش» في الموصل قبل أكثر من سنة وبعد إعلان أوباما عن تحالف دولي لضرب داعش، حيث دعا الرئيس الروسي يومها الى إعلان الحرب على الإرهاب في مجلس الأمن الدولي وبشراكة كاملة مع الحكومتين الشرعيتين في سورية والعراق وهو الإطار الذي تحركت من خلاله المبادرة العسكرية الروسية منذ قمة بوتين ـ الأسد في موسكو.
قدمت روسيا بالتجربة وخلال بضعة أسابيع الدليل على إمكانية دحر الإرهاب منذ تحريك قواتها الجوية الى سورية بالتنسيق مع الجيش السوري وحلفائه في الميدان، فهل ستكون التحولات الأخيرة في المواقف الغربية مقدّمة لتعديل صيغة التحالف الدولي ضد الإرهاب وهل يحظى المشروع الروسي لقيادة هذه الحرب بمساندة الولايات المتحدة والحكومات الأوروبية تتقدّمها فرنسا؟