وحدة المشرق العربي في مواجهة الوعد «الداعشيّ»

علي البقاعي

لم يكن لتنظيم «داعش» وما يتفرع منه وعنه وجود إلاّ في مفكرة مبتكريه ومموّليه يوم أطلق الحزب السوري القومي الإجتماعي قبل أكثر من سنتين ندائه إلى قادة الكيانات التي تتشكل منها الأمة السورية، وكان نداءً وجدانياً يدعو إلى مجلس للتعاون المشرقي لحماية مقدرات الأمة من الأخطار الداهمة التي تستهدف جميع كياناتها والسير بالأمة نحو التطور والتقدم والرقي.

تواجه الأمة اليوم أشرس هجمة في تاريخها القديم والحديث، أشد فتكاً ودماراً من غزوات هولاكو وتيمورلنك، وأقسى من الحروب الصليبية، وأخطر من محاولات التتريك وطمس الهوية القومية التي حاول العثمانيون أجداد الطيب أردوغان تطبيقها طوال 400 سنة من استعمارهم لبلادنا. وقاوم تلك المحاولات وضحى بدمه لأجل عزتها وكرامتها أجداد فارس سعيد وسعد الحريري وسمير جعجع ووليد جنبلاط وسامي الجميل، جنباً إلى جنب مع أجداد بشار الأسد وأنطون سعاده وسليمان فرنجية وحسن نصرالله وميشال عون وطلال أرسلان.

مؤامرة على الأمة هي أكثر دماراً مما فعله الخبيثان سايكس وبيكو في اتفاقيتهما، والجنرالان كاترو وغورو في خلق لبنان الكبير، وأكثر فتكاً من بلفور في وعده بوطن قومي لليهود قبل حنحو قرن من الزمن. المؤامرة اليوم في أخطر مراحلها، وكيانات الأمة بمجملها، خاصة في سورية والعراق ولبنان، تواجه عدوّاً يريد مسح تاريخها وطمس حضارتها وتدمير ثقافتها وإعادتها إلى عصور الظلام باسم الإسلام وهو دين «رب العالمين، الرحمن الرحيم»، دين المعرفة والعقل والتسامح والرحمة، والذي لم يكن البتة دين الجهل والنحر والبغي والعدوان.

لم يفت الأوان بعد لتنفيذ هذه الحاجة القومية المهمة. المسميات كلها يمكن اعتمادها. الإتحاد أو المجلس أو التعاون أو التحالف أو الملتقى، تشكل الرد الوحيد على الغزوة الاستيطانية الجديدة القادمة بلبوس إسلامي يوازي في خطورته أعظم جريمة ارتكبت في حق وطن من الأوطان يوم سمحت دولة الاحتلال البريطاني لملايين اليهود، بناء على وعد وزير خارجيتها المجحف، بالقدوم من أصقاع الدنيا تنفيذاً لوعد توراتي بالعودة إلى «أرض الميعاد» في فلسطين. «الدواعشية» الجديدة تعمل على تنفيذ وعد استيطاني شبيه بالوعد التوراتي الكاذب لليهود إذ وعدت عشرات آلاف الإسلاميين المتشددين القادمين من مملكة آل سعود وباكستان وافغانستان والصومال وليبيا وتركمانستان والشيشان وكل مكان يجدون فيه من يؤيد فكرهم الجاهلي بمنحهم أرضاً ومسكناً لهم في «أرض المحشر» في العراق والشام.

الهجمة «الدواعشية» على كيانات الأمة هي وعد توراتي بلبوس إسلامي له من يسيّره ويدعمه ويموّله ويسلحه ويوجهه ويؤمن له التغطية الإعلامية اللازمة عبر قناتي الفتنة «العربية» والجزيرة» وتوابعهما في لبنان.

هذه الهجمة «الداعشية» تستهدف الجميع من دون استثناء وتهدف إلى إلغاء النظام وتغيير أسلوب الحياة في أي دولة من دول المشرق العربي يدخلون إليها، فيعملون على طمس تاريخها من دون تمييز بين نظام رئاسي أو جمهوري أو برلماني أو ملكي، ويطبقون أحكامهم الظلامية بالقتل والسبي والذبح والحرق والاستملاك والإغتصاب، ولن يتركوا مجال الخيار لأحد بمن فيهم من يؤيدهم من أبطال «ثورات الربيع العربي» الكاذب خاصة أبطال «ثورة الأرز» إذ ستكون «ديموئراطيتهم» اللبنانية أولى ضحايا السبي «الداعشي».

مجلس التعاون المشرقي أو الجبهة الشرقية بات ضرورة ملحة اليوم، قبل الغد، من لدرء الخطر القادم من صحارى العرب وتركيا أردوغان على أهلنا في حلب والموصل ودير الزور ودرعا وبغداد وبيروت وعمان ودمشق، ودحر حقد الأتراك وأطماع اليهود، ورد كيد أعراب آل سعود الأشد كذباً ونفاقاً.

المؤامرة على أمتنا تستهدف الجميع من دون إستثناء أو تمييز بين أبناء دين أو مذهب أو كيان، فالجميع سواسية أمام آلة القتل «الدواعشية». المؤامرة تستهدفنا جميعاً، تستهدف تاريخنا وحاضرنا ومستقبلنا بجميع مذاهبنا وانتماءاتنا الدينية والمناطقية والكيانية والحزبية. فلنكن موحدين ونواجه المؤامرة التي تشن علينا تحت راية «الدواعشية» لأن الإنتصار عليها سيكون انتصاراً لقيم المدنية المتمثلة بالحق والخير والجمال ضد قيم الهمجية المتمثلة بالغزو والقتل والسبي.

الوقت مناسب الآن لإقامة هذا الاتحاد أو الملتقى أو المجلس في سورية الطبيعية أو المشرق العربي أو بلاد الشام والعراق أو سوراقيا، وتعني كلها منطقة جغرافية واحدة متكاملة تحدث عنها الزعيم أنطون سعاده قبل أكثر من ثمانين عاماً والتي يمكن بمقوماتها المذهلة من ثروات بشرية وجغرافية ومائية ونفطية وفكرية وثقافية أن تغير وجه التاريخ إذا توحدت.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى