تقرير

يوماً بعد يوم، يتكشف أن هناك دوراً سياسياً تمارسه دولة الإمارات العربية المتحدة، يمثل انحيازاً واضحاً لأحد أطراف الصراع في ليبيا، ضمن الاتجاه العام للسلطات الإماراتية بدعم موجة الثورات المضادة لـ«الربيع العربي». وإن لم يكن هذا الدور معلناً، فإنه دائماً ما يظهر جلياً خلال المعلومات والوثائق والرسائل والمكالمات المسرّبة، وفي هذا التقرير نتتبع بالرصد والتحليل الدور الإماراتي في الداخل الليبي.

أطراف الصراع الرئيسة في ليبيا الآن

الطرف الأول يتمثل بحكومة طرابلس برئاسة خليفة محمد الغويل وبرلمانها المتمثل في المؤتمر الوطني العام والذي يسيطر عليه أعضاء «حزب العدالة والبناء»، وهو منبثق من جماعة «الإخوان المسلمين» في ليبيا، ويدعمه عدد من الفصائل الليبية المسلحة مثل جماعة «فجر ليبيا» المسلحة التي تسيطر على العاصمة الليبية طرابلس ولها صلة قوية بمدينة مصراتة، وهي من أبرز الفصائل الليبية المسلحة وأقواها، والتي ارتبط اسمها بالثورة التي قامت ضدّ الرئيس السابق معمر القذافي في 2011، إضافة إلى عدد من الجماعات والكتائب المسلّحة الأخرى: مثل «كتيبة 17 فبراير»، و«كتيبة أنصار الشريعة»، و«كتيبة راف الله السحاتي» وغيرها.

الطرف الثاني، هو برلمان طبرق المعترف به دولياً ولكنه غير معترف به محلياً بعدما أصدرت المحكمة العليا في طرابلس حكماً ينزع الشرعية منه، ويدعم هذا الطرف عسكرياً اللواء خليفة حفتر، الذي عيّنه برلمان طبرق وزيراً للدفاع، والذي قاد ما يسمى «عمليات الكرامة» في أيار 2014 ووصفها البعض بأنها تمثل انقلاباً عسكرياً ضدّ «الثورة الليبية».

الطرف الثالث يتمثل بأنصار تنظيم «داعش» الذي يقاتل طرفَي الصراع، فيهاجم قوات حفتر تارة، ويستهدف «ثوار فجر ليبيا» تارة أخرى، وهو دور مماثل لما يقوم به في سورية واليمن.

تفيد معلومات مسرّبة عن مساهمة الإمارات في تمويل تظاهرات جاء تحت اسم «جمعة إنقاذ بنغازي»، وعقدت في أيلول 2012 ضدّ كتائب «ثوار ليبيا» التي كانت مسؤولة عن أمن بنغازي والتي أدّت إلى تفكيك الكتائب ليعقبها عدد من الاغتيالات طاولت عدداً من القادة العسكريين والمدنيين الذين ينتمون لـ«ثورة فبراير» 2011.

«والله يا ريت يوم من أيام معمر القذافي»، هكذا يؤكد محمود جبريل رئيس «حزب تحالف القوى الوطنية» في خضمّ حديثه عن الخوف وعدم شعور المواطن الليبي بالأمان بسبب الجماعات المسلحة، ليعبّر بشكل واضح عن توجّهاته التي استقطبتها الإمارات باحتضانها له ولحزبه منذ تأسيسه. وتفيد تقارير صحافية بأن جبريل نجح في إقناع سفير ليبيا في الإمارات باتخاذ مواقف مناوئة للقوى الإسلامية في ليبيا، ولكنه لم ينجح من خلال حزبه في الوصول إلى مناصب قيادية في البلاد، لتدعم من هو أشدّ منه قوة وتأثيراً في الداخل الليبي، وهو اللواء المتقاعد خليفة حفتر.

منذ ظهور اللواء المتقاعد خليفة حفتر على الساحة في أيار 2014، أُثيرت الشكوك حول الدعم الإماراتي له سياسياً وعسكرياً ومادياً لكي يتمّ التخلص من «المؤتمر الوطني العام» والفصائل الإسلامية المسلحة، الشكوك أُثيرت منذ البداية عن طريق عدد من التقارير العربية والأجنبية.

إذ تحدّثت صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية في آب 2014، عن ضلوع كلٍّ من مصر والإمارات في اتفاق سرّي بينهما أدّى إلى شن غارة جوية في طرابلس كتصعيد عسكري ـ لم يكن معلناً آنذاك ـ ضدّ «المؤتمر الوطني العام» وما يدعمه من مجموعات مسلحة إسلامية. وتعدّى الأمر صحيفة «نيويورك تايمز» لتؤكد الولايات المتحدة، عبر تصريحات رسمية السنة الماضية، أن الإمارات ومصر شنّتا غارات جوّية على ليبيا ولكن الإمارات نفت ذلك.

يأتي ذلك في وقت أفادت تقارير صحافية أن محمد دحلان مستشار وليّ عهد إمارة أبو ظبي محمد بن زايد آل نهيان، يمثل رأس الحربة للإمارات في الداخل الليبي، ويساعده في ذلك محمد إسماعيل المستشار الأمني الأسبق لنجل معمر القذافي سيف الإسلام، وما أكد دور دحلان في ليبيا تسريب لمكتب السيسي الذي ظهر في شباط 2015 ويرجع إلى شباط 2014 ويتحدث عن مساعٍ مصرية للوقوف ضد «المؤتمر الليبي العام» بالاستعانة بأحمد قذاف الدم لدعم التحرك على الأرض في ليبيا. وتطرّق التسريب في الإطار نفسه إلى زيارة سرّية قام بها محمد دحلان ومحمد إسماعيل وغيرهما إلى مصر. وأكد فيها مدير مكتب السيسي عباس كامل على ضرورة خروج ذلك الفوج من المطار سرّاً.

«لا أعمل على خطة سياسية من شأنها أن تشمل الجميع وتعامل كل الأطراف بشكل متساوٍ… وأعمل وفق خطة استراتيجية لنزع الشرعية تماماً عن المؤتمر الوطني العام».

هكذا أكد ليوناردينو ليون، المبعوث الأممي السابق للسلام في ليبيا، في رسالة بريدية مسرّبة بينه وبين الخارجية الإماراتية لتكشف بكل صراحة ووضوح انحياز ليون لأحد أطراف الصراع وفقاً لما يتسق مع الرغبات الإماراتية، مضيفاً: «خطتي تهدف إلى كسر تحالف خطير جداً بين التجار الأثرياء من مصراتة والإسلاميين الذين يحافظون على قوة المؤتمر الوطني العام، وتعزيز الحكومة المعترف بها دولياً والمدعومة من الإمارات ومصر».

وحصلت صحيفة «ميدل إيست آي» على هذا البريد المسرّب في 4 تشرين الثاني الجاري، وكان مؤرخاً بتاريخ 31 كانون الثاني 2014 أي بعد استلام ليون مهامه بخمسة أشهر. وانتدب ليون بالأساس إلى ليبيا للتوفيق بين الأطراف الليبية المتصارعة للخروج بحل للأزمة ولكنه تحدث بشكل واضح عن انحيازه لمجلس نواب طبرق واللواء خليفة حفتر والسعي إلى حصول دعم دولي له، وإزالة «المؤتمر الوطني العام»، وقد تخلى عن دوره الأممي يوم الجمعة 12 تشرين الثاني من دون الوصول إلى اتفاق نهائي في ليبيا.

في 4 تشرين الثاني، كشفت صحيفة «غارديان» البريطانية أن ليون أمضى صيفه في التفاوض مع دولة الإمارات على وظيفة براتب 35 ألف جنيه استرليني شهرياً 53 ألف دولار ، يشغل بموجبها منصب مدير عام «أكاديمية الإمارات الدبلوماسية»، التي تهدف إلى تطوير علاقات الإمارات مع العالم، والترويج لسياساتها الخارجية، إضافة إلى تدريب الكادر العامل في السلك الدبلوماسي.

ويرى محللون أن وظيفة ليون الأخيرة تُعدّ مكافأة إماراتية له على الدور الذي لعبه في ليبيا، وتحفيزاً له على الدور الذي سيلعبه لاحقاً للدبلوماسية الإماراتية، خصوصاً أن الراتب ضخم ويتعدّى راتب الرئيس الأميركي باراك أوباما بحسب تقارير أميركية. وقالت «غارديان» إن ليون أرسل بريداً إلكترونياً إلى الخارجية الإماراتية في آب الماضي قال فيه إنه بصدد الحصول على نقلة مرموقة في الأمم المتحدة، ليكون مستشاراً رفيع المستوى لجميع وسطاء الأمم المتحدة، وهو ما يساعد الدبلوماسيين الإماراتيين في المستقبل للتفاعل مع الوسطاء الأكثر أهمية في العالم.

«حقيقة الأمر أن الإمارات العربية المتحدة انتهكت قرار مجلس الأمن الخاص بليبيا، وهي مستمرّة في انتهاكه».

هكذا أكّد أحمد القاسمي، وهو دبلوماسيّ إماراتيّ رفيع المستوى، في رسالة عبر البريد الإلكتروني، سرّبتها «نيويورك تايمز» في 13 تشرين الثاني ويعود تاريخها إلى الرابع من آب الماضي، كتبها إلى لانا نسيبة، سفيرة دولة الإمارات في الأمم المتحدة، متحدّثاً عن انتهاك قرار الحظر الدولي للسلاح وشحن أسلحة لحلفاء الإمارات في ليبيا، وأوضح القاسمي: «الإجابة على الأسئلة والالتزام بالإجراءات التي وضعتها الأمم المتحدة سيكشف مدى تورطنا في ليبيا، علينا أن نحاول توفير غطاء ليخفّف من الأضرار الناتجة».

وفي الصدد ذاته، يبدو أن الدور الإماراتي لم يقتصر على توريد الأسلحة بخلاف قرار مجلس الأمن الدولي. فوفقاً لمسؤولين في حكومة طرابلس، ألقي القبض على جنديّ إماراتي في ليبيا يدعى يوسف مبارك واتّهم بالتجسّس. وكشفت التحقيقات التي لا تزال جارية معه أن الاستخبارات كشفت أنشطته وأظهرت معلومات على جهاز الكومبيوتر المحمول الخاص به عن معلومات ووثائق تفيد أن مبارك كان يتجسّس لمصلحة بلد أجنبي. هذا وقد نفت شرطة دبي أي علاقة لها بالمقبوض عليه في ليبيا.

ساسة بوست

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى