تقنيات وتجارب أميركية جديدة لاستفزاز روسيا والصين

كان الإعداد لجولة لقاء آخر في فيينا لبحث الأزمة السورية أحد المسائل ذات الاهتمام، دشنها إعلان وزارة الخارجية في وقت متأخر عن نية الوزير جون كيري إلقاء كلمة حول «الاستراتيجية الأميركية في سورية»، عشية مغادرته لفيينا. الخطاب لم يتضمّن أي إضافة أو إيضاح جوهري على السياسة وعناوينها القائمة، وربما يتمّ التطرق إليها الأسبوع المقبل.

سيتناول قسم التحليل تطور وتسخير «التقنية العالية» في خدمة الأمن القومي الأميركي، على ضوء إجراء تجارب أميركية غير معلنة على صاروخي «ترايدنت» بالقرب من شواطئ ولاية كاليفورنيا. ورجّح البعض أن يكون توقيت التجارب، رسالة تحذير مزدوجة لكلّ من الصين وروسيا في ظلّ استعراض القوة العسكرية في مياه بحر الصين الجنوبي، علاوة عن اختبار صلاحية النظم الإلكترونية المتطورة والتي باستطاعتها إرسال إنذار يحذر من إطلاق صاروخ قريب من الأراضي الأميركية من على متن سفينة تجارية. ويتضمن نظام «ترايدنت» أجهزة استشعار وإنذار تمهّد لإطلاق طائرة من دون طيار، باستطاعتها التصدي للصاروخ الوارد وإسقاطه باستخدام تقنية شعاع الليزر.

لقاء أوباما ـ نتنياهو

تشكل شبه إجماع أميركي على أنّ لقاء الرئيس أوباما رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو لم يسفر عن نتائج ملموسة، على خلفية تراجع الإدارة الأميركية، مسبقاً، بتهميش «الاتفاق النووي» كقضية ثانوية بينهما، ونفض يديها من صيغة «حلّ الدولتين».

وأوضح مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية أنّ الطرفين تحاشيا الخوض في مسألة «مركزية ـ إسرائيل وفلسطين»، محذراً من تداعيات ذلك وتجسيده في «استمرار موجات الغضب والقتل والقمع الشرس، التي أضحت ظواهر تُحدِّد معالم المستقبل بين الإسرائيليين والفلسطينيين وخياراً لا مفرّ منه». ومضى في تحذيره «من قتامة المستقبل وإطلاق العنان لسير الأمور على عواهنها ومفاقمة الأوضاع»، لافتاً نظر الساسة الأميركيين إلى السؤال الحاضر ومفاده «كم هو عدد المرات التي ستفشل فيها الجهود السلمية قبل التوصل إلى قناعة بأن لا أمل يُرتجى منها»؟

سورية

واعتبر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية «أنّ تدفق القوات العسكرية الأميركية للانخراط، مباشرة، في سورية نضج ببطء كثمرة لسلسلة انتقادات موجَّهة إلى سياسة الإدارة الأميركية»، موضحاً «أنّ الأدق توصيف تلك الاستراتيجية بالتزايد المحسوب، والتي لم تُفلح في تخفيض حدّة تنامي الانقسامات الداخلية، سواء في سورية أو العراق، بل تركت سورية فريسة للتدخل الروسي». ومضى في انتقاده، مُذكراً صُنّاع القرار بأنّ «تطور الأحداث سبق دوماً أي تزايد جديد في العمليات العسكرية الأميركية، وإن كان هناك من فضائل لسياسة التزايد المحسوب الزاحف، فإنها تنطوي على سلبيات بشكل عام».

واعتبر معهد «كاتو» الدعوات المطالبة بإنشاء منطقة حظر للطيران في سورية «حمقاء»، محذراً من تداعياتها والتعقيدات المرافقة لها نظراً «لطبيعة اقتراحات إنشاء مناطق حظر الطيران، والتي عادة تتسم بالتهوّر الشديد». وأشار إلى دخول سلاح الجو الروسي «بفعالية» على المشهد الميداني وما قد ينجم عنه من «خطورة وقوع اشتباكات مباشرة، ما يستدعي ردّ موسكو بالمثل». وأضاف: «حتى لو قرّرت موسكو عدم التعرّض مباشرة للولايات المتحدة هناك فلديها خيارات أخرى للردّ ضدّ الجهود الأميركية لإذلال الكرملين». ومن بين الخيارات، التي تناولها المركز، «إقدام الرئيس الروسي على مضاعفة جهود بلاده العسكرية في أوكرانيا، وارتفاع حدّة الصراع، بل يبقى أمامه خيار التحرك عسكرياً ضدّ جمهوريات بحر البلطيق الضعيفة، وما سينجم عنه من أزمة مصداقية لحلف ناتو».

الأردن

إرهاصات الساحة الأردنية كانت من بين اهتمامات معهد كارنيغي، الذي أشار إلى «تململ داخل القوات العسكرية الأردنية نظراً لخطط العاهل الأردني تخفيض عدد قوات الجيش، وتكليفه القيام بمهمّات أمنية في القطاع التجاري بشكل رئيسي، ومهمّات حفظ السلام، والحروب غير المتماثلة»، موضحاً أنّ هناك وجهة نظر تنتشر بين صفوف قيادات الجيش تُحمِّل الملحقات السرية لاتفاقية «وادي عربة» مسؤولية تخفيض عديد القوات العسكرية، وتعرب عن خشيتها من تداعيات ذلك على قدرات الجيش الأردني على ردع أي محاولات معادية على طول الحدود مع إسرائيل». وأضاف: «إنّ تلك التفسيرات القلقة انتعشت في ظلّ عهد الملك عبد الله، وبروز بنية عسكرية من مستويين، أحدهما طبقة متخمة بالامتيازات تشمل المستويات العليا من شريحة الضباط وقيادة العمليات الخاصة، والثانية تضمّ ما تبقى من هيكلية تشمل سلاحي المدفعية والمدرعات، ومعظم الرتب الأخرى».

سُعار حرب باردة 2

استعادت طبول الحرب الباردة نشاطها بقوة، مؤخراً، عبّر عنها بامتياز وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، في تصريح أكد فيه تصميم بلاده على «الردّ على روسيا، أحد مصادر الاضطرابات اليوم، وصعود الصين التي تقود تحولات في المحيط الهاديء الآسيوي، في 7 تشرين الثاني الجاري».

في مساء اليوم عينه، شاهد العامة بريق ضوء متوهج أقرب إلى اللون الأخضر في سماء كاليفورنيا، نجم عن تجربة عسكرية لسلاح البحرية بالقرب من جزيرة كاتالينا، مصدره صاروخ أُطلق من قاعدة «إدواردز» الجوية في صحراء كاليفورنيا، بحسب الرواية الرسمية لخفر السواحل الأميركية.

وأوضحت مصادر عسكرية أخرى أنّ صاروخاً باليستياً أُطلق من على متن غواصة حربية مع غروب شمس كاليفورنيا، ويُعتقد أنّ البنتاغون تعمّد إطلاق الصاروخ ليشاهده أكبر عدد من الجمهور والمراقبين، على السواء، لاختبار قدرته وفعاليته النووية الحرارية، بحيث يصل مداه إلى 4000 ميل، وباستطاعته تهديد بكين.

شبكة «بي بي سي» الإخبارية علقت بتاريخ 8 تشرين الثاني الحالي بالقول: «وميض متوهج غامض في السماء روّع كاليفورنيا، ورجحت أن يكون مصدره قذيفة نووية حرارية شوهدت على شواطئ مدينة لوس أنجلوس «ثاني كبريات المدن الأميركية» من حيث الكثافة السكانية.

جدير بالذكر، أنّ موقع إطلاق تجربة الصاروخ كان محيط مبنى مكتبة رونالد ريغان، معقل المحافظين الجدد في كاليفورنيا وربما أراد «البنتاغون» عبره إرسال رسالة بينة إلى كلّ من روسيا والصين، والتهديد بالمضي في إشعال حرب كونية غير آبهة بتداعياتها، لإبعاد شبهة الاعتقاد السائد بأفول نفوذ واشنطن، كقوة عظمى وحيدة أمام بروز عالم مُتعدِّد الأقطاب.

وكرّر «البنتاغون» إطلاق تجربة ثانية لصاروخ من الطراز عينه بعد يومين أي في 9 تشرين الثاني، في وضح النهار، فسّره بعض المراقبين بأنه محاولة من القوات العسكرية الأميركية اختبار تقنية شبح متطورة واستخلاص الدروس المطلوبة.

وكرّس وزير الدفاع آشتون كارتر، المحسوب على معسكر دعاة الحرب والمحافظين الجدد، تهديده بالحرب النووية بموافقته على نشر نحو 200 رأس نووي في بلدان أوروبية تتبع حلف «ناتو» لكنها لا تمتلك التقنية النووية، لموقعها الحسّاس بالقرب من الحدود الروسية.

قبل أسبوعين من التجارب المذكورة أرسلت البحرية الأميركية إحدى سفنها المدمرة «لاسين» إلى بحر الصين الجنوبي، على بعد 12 ميلاً من المياه الإقليمية للجزر الصينية المستحدثة للتحرُّش، ما أثار غضب بكين التي اتهمت واشنطن بانتهاك حرمة أراضيها، وهددت بردّ عسكري على البحرية الأميركية، في المرة المقبلة.

تجدر الإشارة إلى تقرير أحد أهم المراكز البحثية في الشؤون العسكرية، وهو المجلس البريطاني ـ الأميركي للمعلومات الأمنية، مقرّه في لندن وواشنطن، نهاية عام 2001، حثّ فيه البرلمان البريطاني على استعادة وممارسة صلاحياته الرقابية الخاصة بالاستراتيجية النووية كاملة، وفكّ طلاسم السرية المحيطة بها، خشية من مخاطر «تبعية بريطانيا للولايات المتحدة في تطوير أسلحة نووية والاحتفاظ بحقّ تسديد أول ضربة وقائية»، موضحاً حجم تبعية لندن واعتمادها على واشنطن «لتوريد وصيانة الصواريخ الباليستية العابرة للقارات من طراز ترايدنت ـ دي5، والتي دخلت الخدمة في الغواصات النووية التابعة لسلاح البحرية الملكية».

المحافظون الجدد أحياء يُرزقون

وبالعودة إلى خطاب آشتون كارتر في السابع من الشهر الجاري، فقد تضمّن تهديداً واضحاً لروسيا التي «تُعرِّض النظام العالمي للخطر»، مجدّداً الاستشهاد بحقبة الرئيس الأسبق رونالد ريغان منوهاً بقدرته على اتخاذ «مواقف جريئة ومبتكرة» لتعزيز الأمن القومي الأميركي في مواجهة الاتحاد السوفياتي آنذاك، وتكريسه استثمار ميزانيات عالية في تطوير برنامج حرب النجوم، ووضعه حداً لتقدم النفوذ السوفياتي، وفي الوقت نفسه، إبقاء باب الحوار مع الكرملين مفتوحاً. واستطرد كارتر بالقول: «إنّ إدارة الرئيس أوباما ملتزمة بالحفاظ على القوة العسكرية الأميركية».

استحضار حقبة ريغان من قبل وزير الدفاع أمام «منتدى ريغان للدفاع الوطني» له دلالاته، وقد مهّد لكارتر مواصلة السير في نهج التهويل من «الخطر الروسي»، مستشهداً بالأزمة الأوكرانية وتصاعد تصريحات القادة الروس حول الترسانة النووية. كما نبه جمهوره إلى عزم مؤسسة الدفاع الأميركية على البحث عن «حلول مبتكرة لردع العدوان الروسي وحماية حلفاء الولايات المتحدة».

الصين أيضاً كانت حاضرة، بقوة، في خطاب كارتر أمام حشد من خبراء الأمن القومي ومسؤولين في وزارة الدفاع، حيث أعرب عن قلق بلاده من «تمدُّد النفوذ الصيني وتنامي قدرات قواتها العسكرية»، بيد أنّ أقسى مفرداته كان من نصيب روسيا.

طغت لهجة التهديد على خطاب كارتر، متوعداً خصوم أميركا بالويل والثبور وعظائم الأمور، في عالم يعاني، على امتداده، من «تنامي عدم الاستقرار». واتهم «بعض اللاعبين بالعزم على تفتيت تلك المبادئ وإضعاف النظام الدولي، وبالطبع ليس باستطاعة روسيا أو الصين إسقاط ذلك النظام، لكنّ كليهما يمثل تحديات مختلفة عليه».

الحلّ في رأي ممثل الصناعات العسكرية، يكمن في تأجيج خطاب المواجهة والتحدي بتطوير التقنية العسكرية الأميركية متعهداً قيامه «بالاستثمار في تقنيات تحاكي استفزازات روسيا بشكل خاص، مثل النظم الجديدة المسيرة عن بعد، وقاذفات طويلة الأمد، وابتكار تقنيات مثل البندقية الكهرومغناطيسية، أسلحة الليزر ونظم جديدة للحرب الإلكترونية والفضاء الخارجي، تتضمن بعض النظم المدهشة التي لا أستطيع التحدث عنها بالتفصيل» في هذا اللقاء.

تزامنت تصريحات كارتر عن الأسلحة المتطورة مع إطلاق صاروخ باليستي من على متن غواصة نووية، من طراز «ترايدنت»، بالقرب من شواطيء مدينة لوس أنجلوس مساء ذلك اليوم. وفي اليوم التالي أطلق سلاح البحرية صاروخاً ثانياً من الطراز ذاته، أرفقه بإصدار بيان يؤكد فيه إطلاق تجربة على صاروخ ترايدنت2 ـ دي5، في وضح النهار سقط في قاعدة للتجارب العسكرية على الصواريخ في جزيرة «كوايالين» المرجانية، ضمن مجموعة جزر مارشال عند خط الاستواء في المحيط الهادئ.

الإعلان الرسمي لسلاح البحرية الأميركية أمر غير مألوف، ما يعزِّز فرضية المغزى السياسي لكلّ من يهمه الأمر. يبلغ طول صاروخ ترايدنت 44 قدماً 13 متراً بمدى أقصاه 4000 ميلاً 6400 كلم ، وأُجريت تجارب ميدانية عليه نحو 157 مرة منذ العام 1989، حسبما أفادت شركة «لوكهيدمارتن» المُصنِّعة.

بيد أنّ التجربة الأخيرة هي الأولى من نوعها التي يعلن عنها ببعض التفاصيل وأريد تحديد «توقيت مثالي يتيح مشاهدتها لأكبر عدد ممكن من المواطنين، ميزه أجواء مسائية بالغة الصفاء يواكبها غروب الشمس في الأفق»، بحسب ما صرح مسؤول الشؤون الإعلامية للبرامج والنظم الاستراتيجية في سلاح البحرية، جون دانيالز. وشاهد التجربة الصاروخية سكان مناطق شاسعة امتدت من مدينة سان فرانسيسكو شمالاً إلى ولاية أريزونا جنوباً.

«الأطراف المعنية بالأمر» أوضحها أستاذ مادة الاستراتيجية النووية في جامعة جورج تاون، لورين تومسون، قائلاً: «ربما كانت رسالة تهديد واضحة لروسيا والصين مفادها أنّ الولايات المتحدة لا يزال لديها سلاح ردع قوي».

وأشار تومسون إلى مزايا الصاروخ المتطور ترايدنت قائلاً: «بصراحة إنّ صاروخ دي ـ5 ربما له الفضل الأكبر في عدم اندلاع حرب عالمية ثالثة. إنّ إنشاء منظومة دفاعية فعالة ضدّ هجوم نووي كبير الحجم أمر صعب للغاية، ولهذا اعتمدت الولايات المتحدة على التهديد بالردّ، بغية ردع دول أخرى من شنّ تلك الهجمات».

عزّز الرئيس الروسي فلاديمير بوتين النظرية عينها بتصريحه في العاشر من الشهر الحالي بأنّ بلاده مُنكبّة على تطوير نظم هجومية بالأسلحة النووية باستطاعتها اختراق درع الدفاع الصاروخي الذي ينوي حلف «ناتو» نشره بمحاذاة الأراضي الروسية.

تجارب دفاعية ضدّ صواريخ مارقة

أحجم كارتر عن الإدلاء بتفاصيل مغزاه حول الأسلحة الجاري تطويرها، عن سبق إصرار كما أوضح، ويرجح مركز الدراسات بأن يكون هدف إجراء التجربة الصاروخية اختبار قدرة نظام محمول على متن «ترايدنت ـ 2» باستطاعته الاستشعار والتصدي لصواريخ موجهة من قبل «دول مارقة» أو مجموعات إرهابية بالغة التطور في أساليبها التقنية.

الإجابة الجاهزة في الأوساط السياسية الأميركية هي رصد ميزانيات إضافية للإنفاق على التسلح والتساوق مع مطالب القيادات العسكرية بالإعداد للتصدي لتهديدات مصدرها السفن التجارية التي تبحر على مقربة من الشواطئ الأميركية باستطاعتها إطلاق صاروخ من طراز «سكود» محمل برأس نووي، يستهدف المدن الكبرى الحساسة، نيويورك وواشنطن. ويعتقد خبراء التقنية النووية أنّ التدمير الأكبر سينجم عن تفجير نووي في الغلاف الجوي، ما يُمهد لانتشار غيمة من النبض الكهرومغناطيسي. ويضيفون: على سبيل المثال، من شأن تفجير رأس نووي يطلق في غلاف ولايتي نبراسكا أو كانساس أن يؤدي إلى شلّ معظم شبكة التوزيع الكهربائي في الولايات المتحدة، وصهر معظم الأجهزة الإلكترونية في محيطه، ما سيؤدي إلى اضطرابات مدنية واسعة قد تستغلها دولة مارقة بيسر.

معسكر صقور الحرب الأميركي جاهز في إطلاق تهديداته لإمكانية استغلال إيران أو كوريا الشمالية أجواء الهجوم لمصلحتهما، والبعض الآخر يُعرب عن قلقه من جاهزية الدولة الإسلامية «داعش» التفكير بهذا الاتجاه، وهي التي تزهو وتبتهج للاستيلاء على صواريخ سكود السورية، على الرغم من تسيد الاعتقاد بأنها عديمة الفعالية. حقيقة الأمر نسبة اقتناء الدولة الإسلامية رأساً نووياً ضئيلة للغاية، بيد أنّ الولايات المتحدة تأخذه بأقصى الجدية، في إطار خطط الطوارئ والفرضيات.

من ميزات نجاح التجربة المذكورة، القدرة على تفادي شبكات الرادار المنصوبة والمخصَّصة لاستشعار الصواريخ الباليستية القادمة من روسيا والصين أو كوريا الشمالية. وعليه، تطالب القوى الأميركية المعنية تطوير نظام استشعار إضافي مُخصَّص لتعقُّب «صواريخ مارقة» تُطلق بالقرب من السواحل الأميركية.

تجدر الإشارة إلى أنّ توقيت تجربة ترايدنت ـ 2 في وضح النهار أخذت في الحسبان تهيئة وإعداد الأسلحة المختلفة المنتشرة في الأجواء وعلى طول السواحل الأميركية للكشف السريع عن صاروخ «مارق» موجه والتعرف على التدابير والإجراءات التي يتعين اتخاذها وتطبيقها.

التجربة الأولى أُطلقت بعد غروب الشمس وسماء صافية شكلت مناخاً مثالياً لالتقاط ما تخلفه الأشعة تحت الحمراء المنبعثة من احتراق الصاروخ، وكذلك لأجهزة استشعارها المتوفرة في الترسانة الأميركية للكشف وتعقب الصاروخ «المارق» والتكهُّن بخط سيره.

من بين النظم المستخدمة للكشف عن الصواريخ، جهاز «فانتوم آي» لشركة بوينغ، الذي يعتمد على وقود الهيدروجين السائل لتزويد الطاقة لطائرات مسيرة لجمع المعلومات والمراقبة ومهمّات الاستطلاع. باستطاعة النظام المذكور التحليق المتواصل على علو ثابت لمدى أربعة أيام بحمولة تصل إلى 450 رطل. الحمولة العادية قد تشمل أجهزة استشعار الأشعة تحت الحمراء لتتبُّع إطلاق الصواريخ.

باستطاعة النظام المذكور تقديم إنذار في المرحلة الأولى، والتي قد تمتد لدقيقتين، لكنها كافية لقيام البنتاغون بتنبيه قواتها للردع الاستراتيجي. وقد يكون باستطاعتها في مرحلة متقدمة فصل بعض مكونات شبكة توليد الطاقة الكهربائية للحدّ من الأضرار التي ستلحق بالمولدات.

للتذكير، فقد أشار مركز الدراسات في السابق إلى انخراط الولايات المتحدة و«إسرائيل» بقوة لتطوير تقنية الليزر وتمكينها من تدمير الصواريخ الموجهة. يُشار أيضاً إلى إلغاء العمل بأجزاء البرنامج المعلنة، بينما تستمر جهود التطوير وقد استطاعت أميركا بناء نظام لليزر باستطاعة سيارة عادية حمله أو تحميله على متن طائرة مسيّرة.

وتشير المعلومات التقنية المتوفرة إلى تصميم تلك النظم خصيصاً لتدمير النماذج المختلفة من صواريخ سكود، المستخدمة بكثرة في ترسانات إيران وكوريا الشمالية. واستطاعت الولايات المتحدة الاستيلاء سراً على مخزون من صواريخ سكود المعدة للتدمير في بلدان أوروبا الشرقية، ووظفتها في التجارب الجارية على الأراضي الأميركية.

وأوضحت هيئة الدفاع الصاروخي، في البنتاغون، انتهاء جهودها لتحميل سلاح ليزري محمول جواً ويخضع للاختبار، في وقت مبكر من الصيف الماضي لحشد من خبراء الصواريخ والأسلحة الدفاعية. مدير الهيئة، جيمس سايرنغ، أبلغ الحضور بأنه يجري اعتماد «نظام مختلف جذرياً عما اعتدنا عليه في السابق المتمثل بالقفز إلى تبنّي نموذج معين واستثمار كلّ ما توفر لدينا من إمكانيات».

من مواصفات النظام المحمول جواً القدرة على الطيران والتحليق لعدة أيام متواصلة، واستخدام أجهزة الاستشعار للكشف عن انبعاثات للأشعة تحت الحمراء لصاروخ «مارق» وإطلاق سلاح الليزر لتدميره وهو في مرحلة الإطلاق الأولى. وأكد نائب الأميرال سايرنغ للحضور أنّ التجارب على نظام «فانتوم آي» أسفرت عن استجابته للمواصفات المطلوبة، الاستشعار لمديات طويلة وتطوير قدرات التتبع، مؤكداً تصدُّر الهيئة التي يرأسها جهود تطوير التطبيقات العسكرية لتقنية الليزر، ومشيراً إلى عزم المؤسسة على التغلب على العقبات التقنية التي تعترض إسقاط الصاروخ الموجه في مرحلة الإطلاق الأولى وما يتطلبه من «طاقة حرارية أعلى، ومدى أوسع وجودة الشعاع، بل تستدعي أداءً أعلى من مثيلاتها في نظم الليزر المحمولة جواً يقودها طيارون».

من شأن جهود دمج تقنيات الطائرات المسيرة ومنظومة أشعة الليزر المحمولة جواً التي تمّ التوصل إليها أن تحدث قفزة نوعية لإدخالها الخدمة الفعلية. وتطمح المؤسسة العسكرية إلى التوصل إلى إنتاج شعاع ليزري قوته ميغاوات واحد خلال خمس سنوات يتم تحميله على متن طائرة مسيّرة باستطاعتها التحليق المتواصل لمدة 24 ساعة أو أكثر، وتزويدها بالوقود جواً لإطالة أمدها. وأوجز نائب الأميرال سايرنغ التحديات الماثلة بالقول: «لو كان الأمر يسيراً لقمنا بتطبيقه. عند الأخذ بعين الاعتبار التطورات التي طرأت على تقنية الليزر للآن، فالقفزة لن تكون ضخمة».

جدير بالذكر، أنّ المواصفات التقنية لنظام «فانتوم آي» تطمح إلى إبقاء الطائرة المسيرة عالياً في الجو لمدة 10 أيام متواصلة بحمولة 2000 رطل، ما يمكنها من تنفيذ هجمات بأشعة الليزر والتي تجاوزت فترة الاختبار العملي بنجاح.

وأوضح مدير برنامج «فانتوم» في شركة «بوينغ» داريل ديفيس، خلال مؤتمر صحافي عقده في الثامن عشر من أيار 2015 أنّ طموح العلماء يقضي بتطوير مركبة غير مأهولة باستطاعتها التحليق في الفضاء الخارجي تحمل على متنها مولدات ليزرية تُنتج الكترونياً، وتتمتع بمولدات للطاقة تمكنها من القيام ببعض مهمّات الدفاع الصاروخي».

وسبق لشركة «بوينغ» إنتاج سلاح ليزري محمول على طائرة يقودها طيار استطاع إسقاط صاروخ باليستي عام 2010، عماده مركب اليود المؤكسد نُصب على متن طائرة بوينغ من طراز 747. وتستمر الأبحاث والتجارب على تسخير أشعة الليزر للأغراض العسكرية.

التصريحات المتتالية للمسؤولين الأميركيين وشركات الأسلحة لا تخفي أغراضها من تطبيق تقنية الليزر في أماكن بعيدة عن الأراضي الأميركية، وتسخيرها لاعتراض صواريخ باليستية في مرحلة الإطلاق الأولى من دول يُعتقد أنّ لديها النية باستهداف أميركا، منها إيران وكوريا الشمالية، وروسيا والصين كما يُروج معسكر أنصار الحروب.

فعالية أشعة الليزر، في التطبيقات العسكرية، تُعدّ مثالية في التصدي لصواريخ باليستية عابرة للقارات تسير ببطء نسبي في مرحلة إطلاقها الأولى، بيد أنها تشهد تراجعاً ملحوظاً في التصدي وتدمير رأس حربي يسير بسرعة عالية في الثواني الأخيرة قبل وصوله إلى الهدف.

تصريح وزير الدفاع كارتر سالف الذكر يحمل في طياته عدد من الإشارات والتلميحات إلى توصُّل بلاده ابتكار أسلحة ليزر فعّالة «لا يستطيع البوح بها»، في إطار المؤتمر العلني، بعيداً عن التفسير بأنه ربما خدعة.

فشل أمني فرنسي بامتياز

عندما تكون الأجهزة الأمنية بكامل يقظتها واستعدادها المفترض وتتمكن مجموعة إرهابية من شنّ هجمات منسقة متزامنة على طريقة التشكيلات القتالية في قلب العاصمة الفرنسية وهي مدجّجة بالأسلحة والقنابل والأحزمة الناسفة والمتفجرات، ذهب ضحيتها مقتل ما ينوف عن 128 فرداً و200 جريح على الأقل.

الهجمات الإرهابية ليست بفعل «ذئاب منفردة» بل خلايا مدرّبة ربما تكون عائدة من مسرح عملياتها في سورية والعراق بعد أن سهّلت لها قيادة بلدها الالتحاق بالمنظمات الإرهابية، لعبت ولا تزال قيادة «الإليزيه» وغيرها من أعداء الشعب السوري مع الثعابين الإرهابية وعادت لتلدغها وتزهق أرواح الأبرياء بالعشرات.

ربما تكون هذه المأساة في قلب أوروبا درساً قاسياً وحاسماً لقادتها ولقادة البيت الأبيض وتركيا ودول خليجية بأن تتوقف عن اللعب مع الثعابين وأن ترتدع عن تعطيل وقف النزيف في سورية، وتتفاهم مع القيادة الروسية لمحاربة الجماعات الإرهابية التكفيرية فعلاً وأن تسير في خط إنهاء الأزمة في سورية وتمكين الشعب السوري، بكلّ فئاته الوطنية، من الوصول إلى برّ الأمن والأمان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى