نداء الى بقايا العرب والمسلمين… ومن بقي منهم شريفاً
راسم عبيدات ـ القدس المحتلة
نحن المقدسيون لا نريد استمراراً اجترار الكلمات والعبارات لنقول إن مبنى البريد المهدد بالاستيلاء الكامل من قبل الجمعيات الاستيطانية في قلب مدينة القدس، هو أحد المباني التي كانت تحت مسؤولية الحكومة الأردنية، فلا الأردن يحرك ساكناً ولا نحن الفلسطينيين كسلطة تتشدّق تصريحات وكلاماً وبلاغة وإنشاء بأن القدس عاصمة الدولة الفلسطينية، ولا أحزاباً ولا مؤسسات ولا رجال أعمال ولا وقفيات باسم القدس وفوق القدس وتحت القدس… لا تنقذ حجراً في القدس… ولا من تبقى من العرب والمسلمين بعد الفتن المذهبية والطائفية والتي تصيب إن شاء الله ما يسمى ويدعى بخير أمة أخرجت للناس بالانقراض على غرار الهنود الحمر… ليست لها علاقة بالأمم والشعوب، أمة تقتل نفسها بأموالها وتدمر وتنحر ذاتها لا تستحق الحياة… نجترّ فحسب عبارات وإسطوانات مشروخة وتزلفاً ونفاقاً عن النخوة والكرامة والشهامة والتسامح والوحدة والعروبة والإسلام ووحدة الهدف والمصير وأمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة، إلخ من الجناس والسجع والطباق والبلاغة والإنشاء، ونحن بعيدون عما ذكر بعد الأرض عن السماء. الاستيلاء على مبنى بريد القدس في قلب مدينة القدس يا أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسعادة والسماحة والنيافة ليس في حاجة الى تصريحات أو مؤتمرات صحافية، ففي ليلة سكر وعربدة لواحد منكم في أحضان غانية يدفع ثمن البريد بالكامل فهل هناك من هو عربي قح من نسل عدنان وقحطان وسعدان قادر على تنفيذ هذه العملية البطولية لكي نؤدي له التحية والسمع والطاعة. نحن المقدسيون نرفع صوره في مسيراتنا واحتفالاتنا، ونسبغ عليه من النجوم والنياشين، ما لم ينله مونتغمري قائد الحلفاء في معركة العلمين في الحرب العالمية الثانية!
لا أعرف أي أمة هذه وأي شعب نحن! نخسر معاركنا بامتياز ونغني ونطبل لانتصارات زائفة، والمشروع الصهيوني يتقدم على الصعد والميادين كافة ويحقق الانتصار تلو الانتصار، ونتبجح بأننا منتصرون. عشرون عاماً ونحن نخوض مفاوضات عبثية ودوران في الحلقة المفرغة نفسها مثل حمير الساقية، ونقول إن لا بديل ولا خيار سوى المفاوضات لتحقيق حقوقنا. يعطوننا دولة على الورق ولا يتركون لنا مكاناً في الضفة الغربية نقيم عليه قن دجاج أو حتى زريبة حيوانات، بسبب تمدد مشروعهم الاستيطاني وتواصله وتوسعه الذي يلتهم أرضنا، ونستمر في ترداد اللازمة نفسها والاسطوانة عينها عن فوائد هذا الخيار وخطر أي خيار آخر على مشروعنا الوطني كأننا نعشق تجريب المجرب، فحتى المعلقون والكتاب والصحافيـون الصهاينـة يقولون وبالفم الملآن: حتى لو قدم الرئيس عباس رأس قادة حماس وجميع الفصائل على طبق من ذهب لن يتوقف الاستيطان ولن تقام دولة فلسطينية، ونصـرّ علـى أن الثــور يستحلــب والعنــزة تطيــر!
يغرقوننا في الفتن المذهبية والطائفية ويضعون لنا الخطط والبرامج للتقسيم والتجزئة والتفكيك وإعادة تركيب المقسم والمجزأ من جغرافيتنا، خدمة لأهدافهم ومصالحهم والسيطرة على خيراتنا وثرواتنا، ونحن نرقص طرباً نقدم المال ونستقدم الرجال وندفع ثمن السلاح الذي نقتل فيه بعضنا البعض، ونشرع الجهاد في غير أماكنه ومواضعه ونفرغه من معانيه ومضمونه كي يدمّر بعضنا البعض الآخر ونخرب دولنا ونفكك جيوشنا.
موّلنا «القاعدة» في أفغانستان وأرسلنا «المجاهدين» العرب لتحريرها من «الروس الكفرة» ليس لإعلاء كلمة الله والإسلام، بل لكون أميركا أمرتنا وطلبت منا، في حين كانت فلسطين وغيرها من الأقطار العربية في حاجة الى أموالنا ورجالنا، ولكننا لم نمتلك القرار ولا الإرادة بإرسالها الى حيث يجب أن تكون، وطبلنا وزمرنا ورددنا العبارات التي حفظها لنا الأميركيون والغرب الاستعماري عن ظهر قلب أكثر من حفظنا للقرآن الكريم، بأن «القاعدة» وطالبان يناضلون لأجل الحرية، وعندما انتهى دورهم ومهمتهم بقدرة قادر وبعد حوادث البرجين وحتى قبلها أضحت جماعات إرهابية يجب القضاء عليها، وعدنا نمول وندفع ثمن السلاح للقضاء على تلك الجماعات التي مولناها سابقاً باسم «الحرية» و«الديمقراطية»! ومع سقوط الإمبراطورية الشيوعية، خلقت لنا أميركا عدواً آخر هو «القاعدة» وتوابعها، ثم إيران وحلفاؤها، وأخذت تزرع في أذهاننا وعقولنا أن الخطر على العرب والمسلمين، ليس «إسرائيل» التي تحتل وتغتصب أرضنا ومقدساتنا وتقتل شعبنا، بل إيران التي اكتشفنا فجأة بعد رحيل الشاه الموالي وصنيعة أميركا والغرب وقيام الثورة الخمينية بأنها شيعية، ويا سبحان الله في زمن الشاه كانت سنية! وبعد الثورة أصبحت الخطر الداهم على العرب والمسلمين! واستجبنا لأميركا التي تريد أن تحرف الصراع عن أساسه من صراع عربي ـ صهيوني إلى صراع عربي ـ فارسي، وأصبح جلّ اهتمامنا وجوهر خطابنا مهاجمة إيران وشيطنتها وقطع العلاقات معها، ولم نُبقِ الصراع في إطاره الرسمي، بل مثلما طلبت أميركا، نقلناه الى مستوياته الشعبية لكي تحدث الفتن المذهبية سني ـ شيعي في المعسكر الإسلامي. وفجأة بعد ما يسمى بـ«الثورات العربية» أو «الربيع العربي» ووفق المخططات التي رسمت في مطابخ البنتاغون والـ»سي آي إيه» وغيرها من المطابخ والدوائر الاستعمارية، رأت أميركا أن مشروعها للفوضى الخلاقة وتعميم الفتن المذهبية والطائفية يستدعي التحالف مع الإسلام السني الإخوان المسلمين وسيطرته على الحكم في أكثر من بلد عربي، وسرنا مثل القطيع بحسب ما خططت لنا أميركا والغرب، وأرسلنا المال وبعتنا الرجال وشغّلنا مصانع الغرب بالسلاح، وحوّلنا الكثير من دولنا الى خراب وأغرقناها في الفتن المذهبية والطائفية، ودخل العديد منها، كليبيا والعراق، في حروب وصراعات مذهبية وطائفية تحصد الأرواح يومياً وتدمر وتخرب وتعيد دولنا مئات الأعوام الى الوراء، واستعصت سورية رغم القتل والدمار الذي حل بها وبقيت هي الأمل والعنوان لنهوض عربي يحفظ لأمتنا كرامتها وعزتها.
نعرف اليوم أننا أمة مثخنة بالجروح، لا قيمة ولا وزن لها ولا قدرة على الفعل والتأثير، ليس في القضايا الإقليمية والدولية، بل حتى في القضايا المتعلقة بمصيرها ووجودها، وإنما هذا لا يمنعنا نحن المقدسيين وعلى أبواب رمضان، شهر الخير والبركة، أن نوجه نداءنا الى من تبقى من العرب والمسلمين وبقي حراً شريفاً، أن يهبّ الى نصرة القدس مسرى الرسول محمد صلعم ، ولا نريد أن تنصرونا بالسلاح ولا بالرجال، ولا حتى بالأموال، بل ما نريده منكم هو الحفاظ على العقارات والمنازل التي يتهدّدها خطر الضياع والاستيلاء من قبل حكومة الاحتلال وجمعياته الاستيطانية، والمبادرة إلى شرائها ووقفها لأبناء هذه الأمة.
هل هذا الطلب كبير يا امة غثاء السيل؟! أمة المليار ونصف مليار التي لا تستطيع أن تنقذ في القدس عقاراً؟! يا له من عار!