واشنطن وإعادة تعويم ملف التدخل العسكري في سورية
عامر نعيم الياس
تستمر اندفاعة داعش في العراق في إثارة الانقسامات والنقاشات وردود الفعل المتباينة وسط النخب الأميركية حول الأسلوب الأمثل لمعالجة الوضع الجديد، بين من يدفع إلى ضرورة التدخل العسكري المباشر في العراق لمنع تمدد داعش إلى حلفاء الولايات المتحدة خصوصاً أنه وصل إلى حدود الأردن، وبين من يؤيد تعامل إدارة أوباما مع الوضع العراقي ومحاولة انتزاع مكاسب سياسية قبل التدخل العسكري الجوي وتنفيذ عقود التسليح، من دون التورط بتدخل عسكري مباشر، وأخيراً هناك فريق يدعو إلى التدخل العسكري في سورية كمدخل لحل الأزمة العراقية وذلك خوفاً من تداعيات الأزمة العراقية سواء على صعيد العلاقة الأميركية مع إيران، أو حتى على صعيد العلاقات الأميركية والغربية مع الدولة السورية التي تواجه والعالم أجمع هذا العدو الإرهابي المتطرف، وهنا كتب دينيس روس في صحيفة «لوس أنجليس تايمز» قائلاً: «للتخلص من التهديد الذي يمثله داعش في العراق، لا بد من اتخاذ خطوات في سورية لحرمانها من الملاذ وقاعدة التجنيد. وينبغي أن يكون الرد على الأزمة الراهنة في العراق مرتكزاً إلى استراتيجية أوسع تجاه المنطقة. وفي ما يتعلق بسورية، على رغم رفضنا أن يتخذ داعش ملاذاً فيها، لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون شريكاً مع نظام الأسد، الذي يعتبر استمرار وجوده في السلطة، نقطة جذب للجهاديين كافة من جميع أنحاء العالم للانضمام إلى حرب مقدسة ضده». أما صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية وتحت عنوان «خسائر داعش في العراق تدفع الولايات المتحدة على إعادة النظر في سورية»، فقالت: «في وقت تناقش إدارة أوباما توجيه ضربات إلى معاقل المتمردين السنة على جانبي الحدود، يحذر الجيش الأميركي من رد فعل سلبي. وإن تقدم المسلحين السنة في العراق قد جعل إدارة أوباما تفتح جدالاً حول سياستها تجاه سورية، وزيادة الضغط على الرئيس ليتصرف بقوة كبيرة ضد التهديد الإقليمي المتزايد، وذلك وفقاً لمسؤولين حكوميين حاليين وسابقين»، عناوين متعددة تطرح تساؤلاً حول إمكان إحياء خيار التدخل العسكري في سورية بعد التطورات الأخيرة في العراق؟
بدايةً تحاول النخب الأميركية التحذير من مخاطر التدخل العسكري الأميركي في العراق متحججةً بعامل تهديد المصالح الأميركية من جانب داعش، ومهاجمته خطوط الإمداد الخاصة بالقواعد الأميركية في الخليج في حال حصل التدخل العسكري الأميركي في العراق، فهل هذا هو السبب الحقيقي؟ وإذا كان السبب ما سبق، كيف لا يجري التدخل في سورية لمواجهة المد القاعدي الداعشي ذي الآثار على المصالح الأميركية في المنطقة، ولماذا يصر بعض النخب على إعادة تعويم ملف التدخل العسكري في سورية كلما سنحت الفرصة لذلك؟
الواضح أن النخبة الأميركية عموماً والمحافظين الجدد ومن يلف لفهم من مريدي «إسرائيل» في الإدارة الأميركية خصوصاً، متفقون حول العراق ومختلفون حول سورية، بالنسبة إلى العراق فالإجماع على عدم الانخراط العسكري الأميركي المباشر يهدف إلى تحقيق الآتي:
عدم التأثير في توازن القوى الحالي في سورية، فالإدارة الأميركية تعي جيداً أن القوة الضاربة في سورية للمتطرفين السلفيين التكفيريين ـ خصوصاً داعش ـ، وأي محاولة لتصفيتها في العراق ستؤدي إلى انهيارها في سورية كون العراق يشكل الخزان البشري والعمق الجغرافي الاستراتيجي لدولة البغدادي.
استنزاف قدرات إيران في العراق، فالولايات المتحدة تعمل دائماً على إلهاء خصومها بمشاكل داخلية، وإن لم تستطع ذلك تقوم بافتعال أزمة في الدول المحيطة وإدارة حروب بالوكالة تهدف بالأساس إلى الاستنزاف وتحسين شروط التفاوض مع الخصم.
التغيير السياسي في العراق، عبر الإيحاء بأن الحل الأمني في العراق يمر عبر السياسة وضمان تمثيل المصالح الأميركية في الحكومة العراقية المقبلة بعد انقلاب نوري المالكي على سياسات الولايات المتحدة نهاية عام 2010.
أما بالنسبة إلى سورية فإن نزوع النخب المتصهينة داخل الإدارة وخارجها، هدفه إسقاط الدولة السورية وليس محاربة التنظيمات الإرهابية المتطرفة التي أُرسلت إلى سورية بإيعاز من مراكز القرار في واشنطن، والتي تعتبر الورقة الأهم في استمرار نزيف الدم السوري، ومنع إعلان الدولة السورية انتصارها النهائي على الحرب الكونية التي تستهدفها. لكن على رغم ذلك، هل تغيّر شيء في المعادلة حتى تستجيب إدارة أوباما للضغوط الخاصة بتغيير الاستراتيجية الأميركية في سورية؟
خطاب الرئيس الأميركي باراك أوباما في أكاديمية وست بوينت العسكرية حمل معه نهاية عصر التدخل العسكري المباشر كعقيدة ناظمة للسياسة الخارجية الأميركية والدفاع عن مصالح الإمبريالية الأميركية العالمية، هذا أولاً. وثانياً، الكونغرس الأميركي لم يحصل فيه أي تغيير حتى يصادق على قرار التدخل العسكري في سورية، والرئيس أوباما الذي حوّل قرار ضرب سورية إلى الكونغرس عام 2013 يدرك جيداً هذه النقطة ومعه غالبية النخب الأميركية. أما ثالثاً فهو الوضع الميداني في سورية الذي تحسّن بشكل واضح كما كان عليه عام 2013 خصوصاً لجهة انتشار القوات السورية في مناطق استراتيجية من البلاد كانت قد استعادتها على مدى عام من المجموعات الإرهابية التي احتلتها، فضلاً عن أن الحلف المقاوم ما زال قائماً وأقدر من السابق على مواجهة أي تهديد. ورابعاً وهو الأهم يتعلق بالموقف الروسي من الوضع في سورية بعد الأزمة الأوكرانية، والذي ازداد تماسكاً وصلابةً في مواجهة الاستراتيجية الأميركية الخاصة بسورية.
إن استبعاد التدخل العسكري الأميركي في سورية ناتج من عوامل منطقية بعضها يستند إلى مقومات صمود سورية وحلفائها، وبعض آخر يستند إلى السياسة الأميركية في المنطقة، لكن في السياسة لا يمكن الاكتفاء بسيناريو واحد لا سيما أن المغامرات الأميركية في الإقليم خلال العقدين الأخيرين لم تحمل في طياتها أي منطق وكانت منفلتة من أي ضابط.
كاتب سوري