محافظة روسية أم سوفياتية أم زبَّال في نيويورك؟
ناصر قنديل
– على طريقته يقيم النائب وليد جنبلاط معادلات السياسة بطرافة تربط الموقف السياسي بالسخرية لمنحه قدراً أعلى من النفاذ إلى القلوب فيسهل على العقول التعامل معه لكونه في الأصل يعلم المسافة التي تفصل مضمون موقفه عن تقبّل أيّ عقل راجح، فهو صاحب نظرية زبّال في نيويورك يوم أراد مصالحة الأميركيين اعتذاراً عن دعائه وتمنيه بأن يصيب الصاروخ الذي استهدف فندق الرشيد في بغداد نائب وزير الدفاع الأميركي آنذاك بول وولفوفيتز الذي كان نزيلاً في الفندق نفسه في فترة الاحتلال وحماسة جنبلاط ضدّ بول بريمير والسياسة الأميركية في العراق وما خلّفته من خراب. ولأنّ الاعتذار سيكون إضعافاً وذلاً لمكانة جنبلاط الذي حُرم يومها من دخول الولايات المتحدة الأميركية، انتقى جنبلاط جملته الشهيرة زبّال في نيويورك انتقاداً للواقع اللبناني، وهي ضمناً مديح لا يُضاهى لمكانة الإنسان في القوانين الأميركية وفي ظلّ حكم الأجهزة الأمنية الأميركية، وهو يقارنها بما صار يسمّيه لاحقاً بالنظام الأمني اللبناني السوري المشترك، ليختار الثانية بين العيش زعيماً في لبنان أو زبالاً في نيويورك.
– سبق لجنبلاط في زمن الاتحاد السوفياتي أن استخدم ممجداً تشبيه مواقع خاض معاركه العسكرية فيها بستالينغراد، كملحمة بطولية مجيدة للجيش والشعب في الاتحاد السوفياتي في ظل الحرب العالمية الثانية، وسبق له أن عرض على اللبنانيين في إطار حملته على المقاومة وسلاحها، الاختيار بين نموذَجي هونغ كونغ أو هانوي، وهو ضمناً في الفترة السوفياتية مطلع الثمانينيات وحرب الجبل التي صنعت زعامته ومكانته في الجغرافيا السياسية اللبنانية ولا تزال ظلالها تورف خيمته، كان يفضل أن يكون لبنان حياً سوفياتياً، على أن يكون سويسرا الشرق، أو باريس العرب، طالما كان الغرب وقتها بقواته المتعددة الجنسيات، داعماً لنظام الحكم الذي أعلن جنبلاط الحرب عليه، وتموضع لهذه الغاية في حلف شكلت دمشق ونظامها وأجهزة الأمن فيها وحزبها الحاكم ورئيسها، الموئل والملاذ والداعم والظهير والسند. وكذلك في زمن شهر العسل مع حزب الله بعد اتفاق الدوحة وقبل الأزمة السورية كانت هانوي مصدر الفخر، وصارت هونغ كونغ بعد بدء الحرب على سورية القدوة والمثال.
– لا فنّ للفنّ في قاموس جنبلاط، ولا سخرية للسخرية، فالرسالة ذات مغزى دائماً. وهو اليوم في موقع الاحتجاج على الدور الروسي الذي جعل كلّ غبار المشروع السعودي في سورية هباءً منثوراً وفرض دينامية باتت نتائجها معلومة تفرض إيقاعها على دول الغرب الوازنة من واشنطن إلى باريس وتمنح موسكو سلطة معنوية لدورها المحوري في الحرب على الإرهاب مهابة لا تتيح مواجهتها، وتجعل طلباتها لا تردّ، وروسيا الماضية بلا توقف وبلا تردّد في حربها ومعها حليف في البرّ لا يتوقف عن تحقيق الانتصارات هو الرئيس السوري والجيش الذي يتولى قيادته، لا تعطي فرصاً لجوائز ترضية تخفض سقوف الحرب على الإرهاب وبعدما رفضت وساطة جنبلاط ومسعى السعودية ومن بعدهما تركيا و«إسرائيل» وأميركا لتبييض صفحة «جبهة النصرة» وضمّها للعملية السياسية، ترفض اليوم منح «جيش الإسلام» الذي تتبناه السعودية و«أحرار الشام» الذين تتبناهم تركيا فرصة الحصول على مقعد سياسي وتحييدهما من حربها المستمرة، في ريفي حلب ودمشق ضدّ مواقع الطرفين، قبيل الدعوة السعودية لمؤتمر يضمّ الفريقين مع سائر أطراف المعارضة، تحت عنوان توحيد الصفوف وصياغة موقف موحد من الحلّ السياسي.
– غضبت السعودية، فانتظر جنبلاط سبباً لبنانياً، وتكلم، والسبب اللبناني أصغر بكثير من حجم التعليق الجنبلاطي. فالطلب الروسي بتحييد خطوط الطيران اللبنانية بسبب إجراء مناورات عسكرية روسية في البحر الأبيض المتوسط إجراء روتيني في الحالات المشابهة، وتكبير حجمه مفتعل لإيصال رسالة الغضب السعودية حول «جيش الإسلام» و«أحرار الشام» إلى روسيا بواسطة صنوق البريد الجنبلاطي، والرسالة وصلت بالبريد المضمون ولا دخل للبنان بالأمر. فليتابع اللبنانيون حياتهم بصورة طبيعية وكأنّ شيئاً لم يكن.