ميادة الحناوي لـ«البناء»: الجمهور اللبناني ذوّاق ويعشق الفنّ الأصيل

حاورها: محمد أنور المصري

كثيرون جدّاً، أولئك الذين ما زالوا يطربون لصوتها الذي لا يشبه إلا نفسه، والذي لا يشوبه نشاز ولا حتّى تقطّع، لكأنك حين تسمعها تشدو، إنما تحلّق في عوالم خاصة اختارتها هي لك، لتذهب بعيداً بعيداً في تلك العوالم التي تشبه كلّ فردوس، وكلّ حق، وخير وجمال.

إنّها القديرة ميّادة الحنّاوي، التي علّمت العشاق كيف يتعاملون مع «نعمة النسيان»، وكيف يحبّون حتّى الاكتمال في «أنا بعشقك»، وكيف يتحدّون في «مهما يحاولوا يطفّوا الشمس». أغانٍ تطول قائمتها، وإبداعٌ لا ينتهي ولا يزول مهما مرّ غبار العولمة على هذه الأيام.

تعاملت الفنانة القديرة ميادة الحناوي خلال مسيرتها الفنية مع كبار الملحنين، على رأسهم الفنان الكبير محمد الموجي، الذي أطلقت معه أولى أغنياتها. كما تعاونت مع العبقريين محمد سلطان وحلمي بكر، بيد أنّ انطلاقتها الكبرى كانت مع الموسيقار بليغ حمدي.

غنّت ميادة الحناوي مع بليغ حمدي أروع أغانيها الطربية مثل «أنا بعشقك»، «الحب اللي كان»، «أنا اعمل إيه»، وسيدي أنا» وغيرها من أروع الأغاني التي حقّقت لها انتشاراً كبيراً في العالم العربي ووسط الجاليات العربية في أميركا وأوروبا وأستراليا. إذ كانت ترافقها عدسات كبريات المجلات العربية في حفلاتها، وعلى رأسها مجلة «الموعد» ممثّلةً بالكاتب الكبير محمد بديع سربيه، الذي غنّت ميادة أيضاً من أشعاره وقال عن نجاحها: «ميادة حققت في ثلاث سنوات ما حققته وردة في ثلاثين سنة».

«البناء» التقت الكبيرة ميادة الحنّاوي، وكان هذا الحوار:

بدايةً، نرحّب بكِ ضيفة عزيزةً وقديرة على صفحات «البناء».

أهلاً بكم، ويسعدني أن أكون ضيفة على صفحات هذه الجريدة التي أجلّها وأحترمها كثيراً، وأتابعها نظراً إلى ما تورده من مواضيع غنيّة ومتنوّعة.

يسأل كثيرون: أين هي ميادة الحناوي فنّياً اليوم؟

– أنا موجودة، وأتابع عملي باستمرار. قدّمت مؤخراً عدداً من الأغاني الوطنية لسورية، منها «قلب العروبة»، قصدة «الشهيد»، وأغنية «عيني». وأخيراً «هبّ الربيع». كما أحيت في الشهر الثامن من السنة الحالية فعاليات مهرجانات بعلبك الدولية في لبنان.

ولكن كما لاحظنا، هناك تقصير إعلامي محلياً في بثّ تلك الأغاني التي قدّمتِها مؤخراً.

– لاحظت ذلك أيضاً، هناك تقصير من القنوات الفضائية المحلية كافة… «سما» و«الدنيا» و«الفضائية الرسمية» وحتى القناة الإخبارية السورية. فأنا عندما قدّمت أغنية «قلب العروبة»، إنما قدّمتها لأن سورية ستبقى «قلب العروبة»، وعندما غنّيت للشهيد فلأن سورية تقدّم كلّ صباح شهداء كثيرين. وعندما غنّيت «هبّ الربيع»، فلأنني أريد أن أكشف للجميع أنّ ما يمر به الوطن العربي ليس «ربيعاً عربياً»، إنما إرهاب ممنهج… فهذه الأغاني تحمل معانٍ سامية كثيرة. أما لماذا هذا التقصير في عرضها؟ فيبقى السؤال موجّهاً إلى المعنيين في القنوات السورية المحلية.

كيف تنظرين إلى الوضع السوري اليوم؟

– الحمد لله، سورية بدأت تتعافى من هذه المؤامرة الكونية الخبيثة التي ساهمت فيها دول وامبراطوريات، مستخدمةً أصابع قذرة هي الجماعات التكفيرية، بغرض تركيع سورية وكسرها، أو فصلها عن محور الممانعة والمقاومة. ولكنّ تلك المؤامرة فشلت بفضل تضحيات الجيش السوري وتلاحمه مع القائد الشجاع الدكتور بشار الأسد.

بالعودة إلى مهرجانات بعلبك الدولية، كيف وجدتِ التفاعل بينك وبين الجمهور اللبناني؟

– الجمهور اللبناني ذوّاق ويعشق الفنّ الأصيل، تفاعل معي بطريقة رائعة جداً وطلب منّي أن أغني معظم الأغاني التي أحبّها على مدى هذه السنوات. الوقوف على مسرح مهرجانات بعلبك مهمّ جدّاً بالنسبة إليّ وإلى الفنانين جميعاً، نظراً إلى رهبة المكان، ورمزيّته الفنية التي تعود إلى عقود من الزمن.

كيف تقيّمين الأغنية العربية؟

– تمرّ الأغنية العربية اليوم في حالة أزمة بسبب تشابه الأصوات والوجوه وكثرتها، وبسبب الأغاني الصاخبة التي أساءت إلى الأغنية الجميلة التي قدّمها روّاد الفنّ الأصيل.

برأيك، هل هناك قطيعة بين جيل الروّاد وجيل الشباب؟

– جيل الشباب يبحث دائماً عن الانتشار السريع. واليوم، لعبت الفضائيات العربية دوراً كبيراً في انتشار المطربين الشباب، وأصبحوا يبحثون عن الموسيقى الصاخبة. ما أبعدهم عن الشعراء والملحنين الذين قدّموا قصائد وألحاناً لكبار الفنانين في الوطن العربي. لذا، ترى هؤلاء الشباب بعيدين أحياناً عن المطربين الرواد.

ما هو رأيك بالفنانين الشباب الذين يؤدّون أغانيك في برامج الهواة؟

– أستمع إلى كلّ هؤلاء، وإلى الذين يغنّون من أعمالي، وهم للأسف، لا يملكون سوى بعض الأداء الجيد في طريقة غنائهم. إنّهم مخدوعون من قبل المحطة الراعية، لجهة نوعية هذه البرنامج. تلمع النجومية في رؤوسهم بطريقة صاروخية، ولا يدرون أنّ ذلك هو الظلم بعينه. فهم يظلمون أنفسهم إن ظنّوا لوهلة أنّهم وصلوا إلى النجومية. هذا هو الخطأ الذي لم يدركه القائمون على هذا النوع من برامج الهواة.

ماذا عن قضية بيع أرشيفك الفني والبيانات الإعلامية التي نشرت هنا وهناك؟

– القضية أنّ مشروعاً فنّياً عرض عليّ بالتعاون مع جهة فنّية. وعرضوا عليّ إبرام اتفاقية عمل معهم تنصّ على إحياء بعض الحفلات والمهرجانات في عدد من الدول العربية، شرط أن أغني مجموعة من أعمالي القديمة. ففوجئت بأن تلك الجهة نشرت عبر الإعلام أخباراً تؤكد موافقتي على إبرام تلك الاتفاقية معهم، من دون الرجوع إليّ شخصياً. من المستحيل أن أبيع تراثي الفني لأيّ جهة كانت، لأنّ هذا التراث الفنّي ملك لجمهوري وللشركة التي أنتجت أعمالي وهي شركة «عالم الفنّ».

تحدّث كثيرون عن دخولك عالم التمثيل. هل من خطوة جدّية في هذا الموضوع؟

– طُلب منّي أكثر من مرة أن أكتب سيرتي الذاتية. وهذا ليس صعباً، إنما من المستبعد أن أمثّل «شخصيتي» في مسلسل يتحدّث عنّي. الحقيقة، أنه عرض عليّ التمثيل كثيراً في السينما، لكنني رفضت خوفاً من الفشل.

رُوّج عبر الإعلام مؤخراً عن علاقة جمعتك بالراحل نور الشريف. ما مدى صحّتها؟

– طوال حياتي لم ألتقِ نور الشريف سوى مرة واحدة في مهرجان سينمائيّ في الأردن، كما تربطني بزوجته بوسي علاقة «حلوة وبتجنّن». نور الشريف فنّان عظيم، وقبل أن يدفن بدأوا ينشرون أخباراً كاذبة عنه. ولم يختاروا سوى ميادة الحناوي كي يتحدثوا عن وجود علاقة عاطفية معه. «يا عيب الشوم»! هل أحبه ويحبني عن طريق المراسلة؟ منذ أكثر من سبع سنوات، لم أزر مصر، ما نشر لا يدلّ إلّا على «قلّة أدب وقلّة حياء».

قلتِ عن الدراما السورية إنها تراجعت كثيراً. لماذا؟

– نعم… لقد تراجعت الدراما السورية في الآونة الأخيرة لاعتمادها على نصوص الابتذال والإثارة. وكذلك بسبب الإصرار من قبل بعض الكتّاب على تقديم البيئة الشامية التي لا تمثل المجتمع السوري ولا تمتّ إليه بِصلة. هذه الأسباب كلّها لعبت دوراً كبيراً في تراجع الدراما السورية.

لم يتسنّ الوقت القصير لمزيدٍ من الأسئلة التي كانت في جعبتنا للمطربة السورية الأصيلة، التي لم تنسَ وطنها في محنته، فغنّت له وأنشدت، هي التي أطربت على مدى عقود أجيالاً ممن يفقهون قيمة الطرب الأصيل.

جديد ميادة الحناوي تحضّر له، وسيبزغ نوره قريباً، لتؤكّد ما قالته في بداية المقابلة، إنّ المؤامرة الكونية التي حاكها الأعداء لسورية، إلى أفول، وإنّ سورية تستحقّ الحياة لأنها ابنة الحياة، ولأن دمشق هي أقدم مدينة ما زالت مأهولة في التاريخ، ولأنّ سورية هي التي علّمت الدنيا الحرف والموسيقى.

انتهى الحوار، وانتهت الأسئلة والأجوبة، لكنّ الإبحار في عوالم ميادة الحناوي لا ينتهي، هي التي تتردّد أصداء أغانيها الخالدة كلّما اختلينا مع أنفسنا، وكلّما شعرنا أننا بحاجةٍ إلى مساحةٍ من العشق، والحبّ، والأمل.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى