محفوظ: التفلّت لا يُضبط إلا بإرادة سياسية ومناقبية حدّدها القانون

تابع المركز الدولي لعلوم الإنسان في جبيل التابع لـ«اليونيسكو»، في قاعة مؤتمراته، مؤتمره الشبابي حول دور وسائل الاعلام حيال الواقع الطائفي في لبنان، فانعقدت الحلقة الثالثة بعنوان: «الاعلام ومساحات التقاء الاديان والثقافات الدينية»، وترأستها المحامية غادة ابراهيم، وحاضر فيها كل من مديرة الوكالة الوطنية للاعلام لور سليمان صعب، أمين عام لجنة الحوار الإسلامي ـ المسيحي وأحد مؤسّسيها الدكتور محمد السماك، والصحافي سعيد الغريب، بحضور حشد من المفكرين والأكاديميين والمحامين والجامعيين.

استهلت الجلسة بكلمة للمحامية ابراهيم، ثمّ تحدثت سليمان قائلةً: «استطاعت تكنولوجيا الاتصالات ووسائل الإعلام الحديثة، مثل الهواتف الجوالة والمواقع الإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي الشهيرة مثل «فايسبوك» و«تويتر» و«يوتيوب» وغيرها، أن تصبح منابر إعلامية جديدة، لإحداث تغييرات وتحولات جذرية كثيرة، خصوصاً في المجالات السياسية، في الكثير من المجتمعات والدول حول العالم، إذ تعدّ حالياً من أسرع وسائل الاتصال تطوراً ونمواً، لخلق تواصل فعال بين الكثير من الأفراد حول العالم، ويرجع ذلك للكثير من الخصائص والمميزات التي تتمتع بها هذه الوسائل الجديدة، وتكسبها دينامية حراك فريدة وجديدة. ولكن السؤال المهم المطروح، هو: كيف يمكن أن نستفيد بفعالية من الآفاق الواعدة لتكنولوجيا الاتصالات ووسائل الإعلام الجديدة في كل مجالات التنمية وجوانب الحياة، للنهوض بالأفراد والمجتمع؟ بمعنى آخر كيف يمكن الاستفادة من استخداماتها في المجالات السياسية، والانتقال بها لاستثمارها في كل المجالات التنموية في المجتمع، من علمية ودينية وأخلاقية وتربوية واجتماعية وأمنية ومرورية واقتصادية، على سبيل المثال، استخدامها في تغيير اتجاهات الأفراد ومفاهيمهم الخاطئة نحو موضوع ما أو قضية ما، أو تشجيع قيم إيجابية مثل التسامح والتصالح والإيثار والحب والإخاء والنظام والنظافة والتعاون والعمل بروح الفريق المتضامن…، وغيرها من قيم وأخلاقيات إنسانية واجتماعية نبيلة تساهم في مجموعها في تقدم الأفراد والمجتمع ونهوضهم».

وكانت مداخلة للسماك قال فيها: «إن الإعلام بكل فروعه وأنواعه، وسيلة من وسائل الاتصال والتواصل، لذلك فهو يقع في القلب من كل مجتمع. إن تأثيره على العقول بلغ شأناً عظيماً في المجتمعات الحديثة حتى انه يصعب بل يستحيل إنكار حقيقة أن الاعلام يؤثر في تحديد الخيارات الشعبية العامة، ويعيد ترتيب سلّم الأولويات الاجتماعية، ويصنع قناعات ويفرز معسكرات ويرسم مواقف متباينة داخل المجتمع الواحد».

أما غريب، فقال في مداخلته: «إن الإعلام اليوم في ثورة تخطت كل الحدود. فهو فضائي قادر على تجاوز الحدود الجغرافية كلها ونقل المفاهيم والآراء على تنوعها. وهو إلكتروني بمتناول الجميع بحيث بات كل الافراد إعلاميين قادرين على بث الاخبار والآراء والصور والافلام. لم يعودوا مجرد ملتقطين للرسالة من خلال المكتوب والمقروء والمسموع بل باتوا صناعاً لها ومتفاعلين معها. في ظل هذه المتغيرات تفلّت الاعلام من قواعد العمل المهني الصحيح ولم يعد خاضعاً لمصفاة تنقي من مواده الشوائب وفق مبادئ أخلاقية تردع أي تأثير مضر في المجتمع. لقد تخطت الساحة الاعلامية عتبة الحرية وها هي اليوم تسقط في الفوضى وتجر معها في ذلك الجماهير العريضة. لقد بات الهاجس اليوم تسليط الضوء على من يكسر مزراب العين وليس على من يجر قنوات المياه، وبات البحث عن الاثارة لاستجلاب المشاهدة والاهتمام بعناصر الاختلاف الحادة هو القاعدة التي يروج لها الاعلام للجماهير».

محفوظ

ثم انعقدت الجلسة الرابعة بعنوان: «دور المجلس الوطني في المساءلة والتصويب»، وترأس الجلسة المسؤول الاعلامي في الاتحاد الفلسفي العربي الدكتور مصطفى الحلوة، وحاضر فيها كل من رئيس المجلس الوطني للاعلام عبد الهادي محفوظ، الإعلامي كميل منسى والاعلامي ميشال معيكي.

وقال محفوظ: «إن فكرة الدولة القادرة والعادلة والقوية، ضمانة تطبيق القانون في ظلّ قرار سياسي واحد. فالخروج من التفلّت الإعلامي بأخطر وجوهه التحريض على الطوائفية ومعه التفلت الإعلاني بوجه الترويج لمزارع الطوائف أو الخروج عن القانون، لا يمكن محاصرته إلا بمناقبية إعلامية وإعلانية حدّدها القانون ومواثيق الشرف الإعلامية وبإرادة سياسية جامعة. وعندئذٍ يمكن للمجلس الوطني للإعلام الذي هو مرجعية الإعلام المرئي والمسموع أن يمارس صلاحياته وأن يضمن الالتزام بالمناقبية الإعلامية والإعلانية بعنوان لا للتفلت ولا للتزمت».

وقال: «هناك شكاوى كثيرة من برامج التوك شو ومن برامج النكات السخيفة أو التي تستخدم العبارات البذيئة. ومثل هذه البرامج كانت موقع شكوى من الناس ومن النخب الثقافية. وكان المجلس الوطني للإعلام قد رفع بها توصيات إلى الحكومات على اختلافها وبقيت طي الأدراج. كما لفت المجلس الإنتباه إلى المقدمات الإخبارية التي تتضمن آراء سياسية لا يسمح بها القانون المرئي والمسموع باعتبار أن المؤسسات المرئية تستخدم الفضاء الذي هو ملك عام يفترض دقة المعلومة وصحتها حرصا على حق المواطن في الإطلاع والإستطلاع. أخيراً، ثمة مخالفات جوهرية تتعلق بتأجير الموجات الإذاعية لمؤسسات أجنبية. هذا يفترض من الحكومة اتخاذ موقف عند تجديد التراخيص باعتبار أن الموجات هي ملك الدولة ويمكنها التحكم بها».

وختم: «هناك معالجات في مشروع قانون الإعلام الموحَّد الذي انتهت اللجنة البرلمانية الإعلامية من التوافق حول بنوده والذي يلحظ حلولاً تخرج متابعة الأداء الإعلامي المرئي والمسموع من الاستنساب السياسي والطوائفي، كما تعطي المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع صلاحية التقرير ومنح القطاع الخاص العربي والدولي إمكانية التوظيف المالي بنسب محددة تبقى فيها السيادة على الإعلام للبنانيين ما يتيح أن يكون لبنان عاصمة إعلامية للعالم العربي وللتواصل مع الخارج».

وتحدّث في الحلقة أيضاً الاعلامي منسى مشيراً إلى أنّ دور المجلس الوطني للاعلام المرئي والمسموع في المساءلة والتصويب في غاية الاهمية والصعوبة معاً، نظراً إلى استقواء بعض الافرقاء بمن يلوذون بهم على الدولة.

ووصف الإعلامي معيكي في مداخلته وضع الاعلام في لبنان بأنه انعكاس مباشر للواقع السياسي والاجتماعي، إذ سمح هذا الواقع للطوائف بإقامة غيتوات إعلامية تجاوزت كل ضوابط الدولة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى