همزة وصل مقامرة تركية
نظام مارديني
لم يأت إسقاط الطائرة الروسية «سوخوي» بصاروخ من الطائرات الحربية التركية إلا كخطوة مدروسة بتمعُّن، وهذا التطور الخطير من الجانب التركي جاء:
1 – عشية اللقاء التاريخي الذي جمع بين مرشد الثورة الإيرانية السيد علي الخامنئي والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في طهران.
2 – تصريح الرئيس الأميركي بارك أوباما في قمة «آسيان» من أن «روسيا ليست ملتزمة بعد برحيل الأسد عن السلطة»، ما يعني أن موسكو تعرقل المشروع الأميركي في سورية، وكان لا بد من توجيه رسالة إلى بوتين عبر تركيا.
3 – رداً على الانتصارات التي يحققها الجيش السوري في الجبهات وأهمها تلك التي تتصل بالحدود مع تركيا، حيث يسعى السلجوقي أردوغان إلى إقامة «المنطقة الآمنة» بهدف تجميع فلول الإرهابيين فيها وتهديد العاصمة الصناعية حلب.
هي إذاً، طعنة غدر أصابت بوتين من أعوان الإرهاب، وهي ستدفع أكثر إلى فتح الجبهات وتوسيعها بحيث يشكل الفضاء والأرض حضناً ميدانياً واحداً ينتزع من أميركا مفتاح المراوغة المعتاد بالمؤتمرات الدولية كـ «فيينا 1» و«فيينا 2»، وهذا الميدان سيبدأ من حيث العقدة التركية ومداجن التأهيل الإرهابي من التركمان، بحيث سيكشف المسرح السوري المزيد من عمليات تنظيف المنطقة من الإرهاب وتقطيع «الماء» التركي عن الجريان في الاراضي السورية، فلا يسمح لتركيا بأن تذهب بعيداً بعد إسقاط الطائرة في تصعيد موقفها، لأن بوتين سيظهر ردة فعل في حدها الأدنى تجعل الأتراك يعرفون مدى حدودهم، ويضعون حداً لتدفق الإرهابيين، وإلا هناك خيارات روسية ـ إيرانية ـ سورية.
بين التهليل الأميركي والمراوغة التركية، وبين التسليم بتهويل الأول والتسليم بمراوغة الثانية ثمة مداورة على الزوايا الحادة التي تحكم قرارهما وتوجّههما، ولا مسافة من الفارق السياسي الذي يقتضي في الحدّ الأدنى تبايناً في قراءة التهويل والمراوغة، حالها في ذلك حال الواقع الذي يدفع بهما إلى المقارنة بين «فضائل» التهويل الأميركي وبين «محاسن» المراوغة التركية.
إن الذريعة التي بررت بها حكومة أنقرة أسباب إسقاطها للطائرة الروسية لا تقلّ حماقة عن التبرير الأميركي ذاته للسلوك التركي الأرعن من أن أنقرة وجهت عشرة إنذارات للطائرة الروسية التي كانت تحلّق في الأراضي السورية، بدليل أن الخيارات التركية التي انتهت إلى حيث هي الآن تفتح الباب على مصراعيه أمام الأسئلة حول الدوافع الأميركية للتصعيد ضد روسيا، في وقت تتبدّل فيه خيارات الميدان العسكري لمصلحة الجيش السوري، وترسم ظلالاً من الشك في حصيلة أربع سنوات ونيّف من العمل الاستخباري المغلّف بعناوين تضليلية، أميركية وتركية وخليجية ضد سورية.
أردوغان فتح أبواب جهنم، لكن إقفالها روسي سوري مفتوح!