محاربو الصحراء لاستعادة أمجاد مونديال إسبانيا 1982

وتبقى الفرحة والمفاجأة الأكبر بوصول المنتخب الجزائري إلى الدور الثاني بعد أن تربّع على وصافة المجموعة السابعة متفوقاً على روسيا وكوريا الجنوبية، ويعتبر تأهل المنتخب الأخضر للمرة الأولى في تاريخه أحد أبرز وأهم الأحداث التي شغلت بال المتابعين.

ويستحق أداء المحاربين الإشادة بعد أن حطموا عقدة الدور الأول وقدموا مستوى يليق بالكرة العالمية في ظل وجود جيل رائع يضم مواهب بالجملة بقيمة إسلام سليماني وفيغولي وغابو وبن طالب وغيلاس، ورسموا أيضاً حلم أفريقيا ببلوغ إنجاز تاريخي مع نيجيريا رغم تحديات الدور الثاني الصعبة حيث تواجه الجزائر المانشافت في إعادةٍ للموقعة التاريخية التي جرت بين الطرفين في مونديال 1982 في إسبانيا، إذ اعتبرتها الصحف الأوروبية من أفضل 100 مباراة في المونديال، لأن تلك المباراة ستبقى راسخة في أذهان الجزائريين والألمان معاً.

لقد سبق المباراة كم من التعليقات الساخرة من جانب الألمان الذين هزئوا بالمنتخب المغمور الآتي من الجنوب، وجزم أبطال أوروبا آنذاك أنهم يمتلكون القدرة على دهس الجزائر. ووعد لاعبو المانشافت بمن فيهم مدربهم دورفال الجماهير الألمانية بتسجيل أثقل نتيجة في المونديال. ومما قاله كارل هانز رومينيغه: «سأحرز العديد من الأهداف وسأهدي هدفاً لزوجتي والآخر لكلبي». فيما قال المدرب دورفال: «إذا خسرت لقاء الجزائر سأمتطي أول قطار من مدريد إلى ألمانيا».

أما المدافع القوي المخضرم بول برايتنر صاحب اللحية الشهيرة فقد أطلق عبارته الشهيرة: «إذا خسرنا أمام هذا المنتخب المغمور سأضطر إلى حلق لحيتي». وقد فعلتها الجزائر وأطاحت بأبطال أوروبا، لكن برايتنر حافظ على لحيته الحمراء وساهم في ترتيب اللقاء الثالث مع النمسا الذي شابته مؤامرةً لإسقاط الجزائر، وانتظر 15 سنة كاملة بعد ذلك التصريح ليحلق لحيته مقابل 10 آلاف دولار.

كانت الهزيمة التي ألحقها الخضر بالألمان مثار إعجاب العالم بأسره. لأنها كانت نتاج أداء بطولي تاريخي وكرة رائعة وجميلة لخصها المعلق الجزائري الشهير محمد صلاح بعبارته الشهيرة: «يا للروعة يا للجمال، بلومي ماجر والهدف الأول للجزائر»، وذلك عندما هز ماجر حصون الألمان بالهدف بلقطة فنية جميلة جداً إثر كرة مرتدة من الحارس العملاق شوماخر.

وزاد إتقان الخضر للعبة والكرة الجميلة عندما أسقطوا نظراءهم الألمان بالضربة القاضية من خلال إحراز الهدف الثاني، الذي جاء بعد دقيقة فقط من هدف التعادل للألمان 68 ، وبعد 11 تمريرة بين لاعبي الجزائر انتهت الكرة عند الجناح الطائر عصاد الذي مرر كرة عرضية لبلومي الذي لم يتوانَ عن إيداعها مرمى شوماخر وسط دهشة الأخير ومن ورائه كل الألمان!

ومثلما فعلها المعلق صلاح في المرة الأولى، فعلها في الهدف الثاني وردد عبارته الشهيرة التي لا يزال يحفظها الجزائريون إلى اليوم: «يا سلام يا سلام روعة بلومي عصاد بلومي عصاد» ويعيش الرجل، ومعه كل الجزائريين، فرحة هيستيرية ازدادت حدتها بعد إطلاق الحكم البيروفي صافرة النهاية. عاشت الجزائر تلك الليلة أفراحاً لم تشهد لها مثيلاً منذ الاستقلال عام 1962!

ويأمل المنتخب الأخضر أن يعود بذاكرة محبيه إلى ذلك العام الذي خرج به من الدور الأول بشرف بعد مؤامرةٍ حيكت بين ألمانيا والنمسا، لإسقاط المحاربين بعد إذلالهم للمانشافت. فمنذ 32 عاماً تآمر النمسويون والألمان لإخراج الخضر، والآن شاء القدر منح الجزائريين فرصة «الثأر الرياضي» وللميدان رجاله والإنجاز ممكن، فالجميع يدرك أن اللاعب الجزائري يملك روحاً قتالية يقل نظيرها في العالم، أما جديده فارتقاء المنتخب فنياً وتكتيكياً وبدنياً ارتقاءً عالمياً مع لاعبين تعرف خطواتهم كل المستطيلات الخضراء في أوروبا. وما ذكره الداهية خليلودزيتش أن الفوز المونديالي قديم العهد لن يغيّر في المعادلة كثيراً، فإن لم يتوقف زمن المانشافت هناك، فكذلك زمن الأخضر أماماً يسير. فهل يفعلها المحاربون؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى