الخطأ التركي … «كلمة سر أميركية» بين المعطيات والتداعيات!

فاديا مطر

على وقع الانعطافة التي أحدثتها روسيا بدخولها الحرب على «داعش» عسكرياً في سورية، والثقل الجوي في معركة الاستراتيجيات ضد التنظيم بعاصفة «السوخوي» التي أعادت روسيا إلى صدارة المشهد الدولي بصورة محرجة للولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين، فبعد تخوّف إدارة «أوباما» من نتائج الضربات الروسية في سورية، بدأ هذا الخوف يدبّ سريعاً في حلفاء «العم سام»، الذين يحاولون ضم روسيا إلى تحالف واشنطن رغم الخلافات، لكن التطور الأخير أول أمس، المتمثل بإسقاط تركيا لمقاتلة روسية من طراز «سو ـ 24» في الأجواء السورية أوضح مدى عمق خوف واشنطن من قدرة روسيا على تغيير المشهد الجيواستراتيجي على الحدود السورية، ليكون الرد الروسي سريعاً من دون تأخير عندما وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الحادثة بأنها «ضربة في الظهر سيكون لها عواقب وخيمة»، مشدداً على أن الطائرة الروسية أُسقطت داخل الأراضي السورية.

فقد أوضح «ديمتري بيسكوف» الناطق الصحافي باسم الرئيس الروسي أن روسيا تمتلك معلومات مؤكدة تدلّ على أن الطائرة «سو ـ 24» كانت ضمن الأجواء السورية حين أُسقطت، وهذا ما سجّلته وسائل المراقبة الألكترونية، فيما رجّح عدد من أعضاء الناتو أن تكون القاذفة الروسية قد تم استهدافها فوق الأراضي السورية، بحسب وكالة «نوفوستي» الروسية عن مصادر عسكرية ودبلوماسية مطلعة على الاجتماع الذي أجراه أعضاء حلف شمال الأطلسي في العاصمة اليونانية أثينا بطلب تركي، غير أن تركيا هي الوحيدة التي تُصر على اختراق القاذفة الروسية أجواءها.

لكن القيادة الروسية التي أعلنت عن مقتل أحد الطيارين الروس على يد الجماعات الإرهابية في ريف اللاذقية بواسطة نيران من الأرض أثناء هبوطه بالمظلة استطاعت عبر مجموعة «كوماندوس سورية» من إنقاذ الطيار الروسي الآخر بعملية دقيقة استمرت ست ساعات، ليصدر تحذير الأركان الروسية من أن جميع الأهداف التي ستمثل خطراً محتملاً على روسيا في الأجواء السورية سيتمّ تدميرها، مع تموضع الطراد «موسكو» الحامل منظومة صواريخ «فورت» المضادة للطائرات في ساحل اللاذقية، والإعلان عن منظومة دفاع جوي من طراز إس 400 ستتمركز في قاعدة «حميميم» العسكرية، وهي مرحلة جديدة تطرق أبواب الشرق الأوسط وتغيّر قواعد اللعبة في سورية، كما غيّرت الحادثة الفرنسية في 14 من الشهر الجاري مسار الحرب على الإرهاب بتغيير ضفة بعض الاصطفافات الغربية عما سبق.

الحادث يفتح صفحة أخرى في حرب حلف المقاومة ضد الإرهاب، والذي غيّر المشهد السياسي والعسكري في المنطقة بشكل متسارع على ما برز من فشل تحالف اميركي مزعوم أعلن الحرب على صنيعته «داعش» منذ تأسيسها في أيلول 2014، لأن النبرة الروسية الحازمة للرئيس بوتين تُشير للردّ، بعد تصريح وزارة الخارجية الروسية أول أمس بأنها «لا تعوّل على موضوعية الناتو بالحادثة»، وإفادة نائب سابق في هيئة الأركان الجوية الأميركية بأن «القاذفة الروسية لم تهاجم الأراضي التركية واستهدافها خطأ في غاية الخطورة»، فإسقاط الطائرة الروسية يأتي في أعقاب العمل العسكري الروسي الذي أحدث تطوراً على صعيد الحرب على الإرهاب وعلى صعيد المعادلة الميدانية العسكرية السورية، والاتحاد الروسي ـ الإيراني الاستراتيجي الذي تعزز بزيارة الرئيس بوتين إلى طهران الاثنين الماضي والرسائل التي أرسلها بطابع إقليمي ودولي في ظل الظروف الراهنة، لأن تركيا هي ضمن الدول التي ألمح لها الرئيس بوتين في مؤتمره الصحافي يوم 16 من الشهر الجاري بقمة العشرين في «أنطاليا التركية» بأن تمويل «داعش» يأتي من قبل أشخاص من 40 دولة بما فيها دول من «مجموعة العشرين»، وأنه قدّم لنظرائه معلومات عن قنوات تمويل الإرهاب وعرض عليهم صوراً فضائية تظهر أبعاد اتجار «داعش» بالنفط، وهو ما شكّل صفعة لتركيا بعد إعلان رئيس إدارة العمليات في هيئة الأركان العامة للقوات الروسية «أندري كارتا بولوف» في 18 من الشهر الجاري عن تدمير نحو 500 صهريج محمل بالنفط تابعة لداعش.

شكلت خسارة تجارة النفط مع داعش ضربة جسيمة لتركيا لكون الشاحنات تركية والشركات التي تدير العملية تركية ولم يعد بإمكانها القول إن التمويل يأتي من تجارة النفط، فالضربة التركية في الظهر الروسي تأتي بتنسيق أميركي ـ صهيوني لمحاولة وضع خطوط حمراء في الغارات الروسية، بخاصة بعد ظهور أن الغارات الروسية ليست للاستعراض، وإنما هي مصدر ضوء في نهاية نفق الإدعاءات الأميركية بمكافحة الإرهاب، وهي رسائل قوية تحمل حبر خطوط حرب مدروسة ضد الإرهاب وهو بدوره ما لا يُرضي أميركا وحلفاءها، لكن الحرب على الإرهاب دخلت مساراً جديداً يأخذ بيده المنطقة برمتها إلى خط سير جديد لا ينظر إلى ولاءات وانتماءات فصائل الإرهاب الإقليمية والدولية، فالرسالة الروسية الصارمة قد بدأت في مقابل كلمة السر «الترك ـ أميركية».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى