«قوات سورية الديمقراطية»… مخطط أميركي لتقسيم سورية
غسان يوسف
في الحادي عشر من تشرين الأول 2015 تمّ تشكيل ما عُرف بـ قوات سورية الديمقراطية والتي تضمّ مقاتلين من أبناء المناطق الشمالية والشمالية الشرقية السورية من عرب وكرد وسريان، وجاء في البيان الذي أصدرته وحدات حماية الشعب وفصائل أخرى «إنّ المرحلة الحساسة التي تمرّ بلادنا بها على الساحتين العسكرية والسياسة تحتم أن تكون هناك قوة عسكرية وطنية موحدة لكلّ السوريين تجمع بين الكرد والعرب والسريان والمكوّنات الأخرى كافة على الجغرافية السورية».
البيان أكد أنّ القوة تهدف إلى إنشاء سورية ديمقراطية ليتمتع في ظلها المواطنون السوريون في الحرية والعدالة والكرامة ومن دون إقصاء لأحد وعلى هذا الأساس تمّ إعلان التشكيلات العسكرية التالية:
التحالف العربي السوري المتضمّن: «جيش الثوار غرفة عمليات بركان الفرات قوات الصناديد تجمع ألوية الجزيرة»، المجلس العسكري السرياني، وحدات حماية الشعب، وحدات حماية المرأة.
ما يجدر الانتباه إليه هو أن تشكيل «قوات سورية الديمقراطية» جاء بالتنسيق مع التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة تمهيداً للسيطرة على مدينة الرقة السورية، ومناطق أخرى في محافظات حلب والحسكة ودير الزور بعد الحملات التي تعرّضت لها وحدات حماية الشعب الكردية، حيث اتهمها البعض بالقيام بعمليات تطهير عرقي شملت العديد من القرى العربية في المحافظات المذكورة.
ومن هنا يمكن القول إنّ هذه القوات لن تستطيع أن تبسط سيطرتها بشكل كامل على الأرض السورية أو حتى أن تواصل تقدّمها في المحافظات التي ذكرناها، والسبب أنّ الأكراد لن يقاتلوا في مناطق لا تشكل بعداً قومياً لهم، وهم الذين يتطلعون لإقامة حكم ذاتي في المناطق الكردية على غرار كردستان العراق.
لكن حسين كوجر القيادي في وحدات حماية الشعب «YPG» التابعة لـ»الإدارة الذاتية» يؤكد أنه بات من الضروري تشكيل قوة عسكرية على أساس تحرير جميع الأراضي السورية والبدء بحملات عسكرية من أجل تغيير «النظام السوري المهترئ».
الخطير في تصريح كوجر أنه كشف عن مخطط معدّ سلفاً مع الإدارة الأميركية، خصوصاً أنه ذكر أنّ الكثير من الكتائب والجماعات حاربت إلى جانب وحدات حماية الشعب في عين العرب كوباني ، ولذا فمن الضروري لهذه القوات والكتائب أن تتكاتف لتحرير محافظة الحسكة بما فيها الريف… الأمر الذي يحتاج إلى التحاق جميع مكونات المنطقة بـ»قوات سورية الديمقراطية».
ويبدو أنّ كلام كوجر عن الحسكة ترافق مع بدء «قوات سورية الديمقراطية» سيطرتها على العديد من القرى والمزارع قرب بلدة الهول شرق الحسكة، بعد بدء حملتها العسكرية بمساندة التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، ما يؤكد أنّ ثمة مخططاً أميركياً للسيطرة على المنطقة الشرقية من سورية، أيّ الأراضي التي تقع تحت سيطرة «داعش»، وبالتالي يكون مخطط التقسيم قد أصبح واقعاً على الأرض حيث الجيش السوري يحقق تقدّماً في الشمال والغرب والجنوب مدعوماً من روسيا وإيران وحزب الله، في حين تعمد الولايات المتحدة إلى السيطرة على المنطقة الشمالية الشرقية والشرقية من البلاد.
السؤال: هل ستنجح الولايات المتحدة في مخططها التقسيمي هذا؟ قد يكون من الصعب الإجابة حالياً على هذا السؤال، لكن الولايات المتحدة التي وقفت إلى جانب وحدات حماية الشعب الكردي في معركة تحرير عين العرب ودعمتها لضمّ تل أبيض إلى الإدارة الذاتية لا تقول صراحة إنها تريد إنشاء «كانتون» كردي على غرار كردستان العراق. على الرغم من أنّ الأمر أصبح شبه مؤكد، لكن البعض يرى أنّ ذلك الدعم لن يتخطى المناطق الكردية على الرغم من أنّ الولايات المتحدة واستعداداً لتنفيذ مخططها قامت بأفعال استعراضية عدة حيث أعلنت قيادة القوات الأميركية في الشرق الأوسط سنتكوم أنّ الولايات المتحدة ألقت أسلحة من الجوّ في شمال سورية لمقاتلين من المعارضة السورية يتصدّون لتنظيم «الدولة الإسلامية ـ داعش»، بعد يوم من إعلان التشكيل الجديد.
المراقبون يؤكدون أنّ الولايات المتحدة بدأت بإجراء تغيير جزئي في أجندتها بُعيْد التدخل العسكري الروسي في سورية، والذي فرض وقائع جديدة على الأرض، لذا تحاول واشنطن استباق موسكو بإحراز نصر على «داعش» بغية استثماره سياسياً من جهة، والحيلولة دون خروج أراض سورية من تحت سيطرة عصابات «داعش» لصالح الجيش السوري في المستقبل، لذا فالخطة الأميركية تهدف في المرحلة الأولى إلى التوسّع في ريف الحسكة ومن ثم الاستيلاء على الرقة من دون تسليمها للأكراد وحدهم خشية من أن يؤدّي ذلك إلى توتر في العلاقات مع تركيا، لذا فهي تصرّح في أكثر من مناسبة أنّ الكيان الجديد يشكل خليطاً إثنياً واسعاً يحقق حالة من التوازن بين الأكراد والأتراك، كما أنها ترى بأنّ وجود قوات وعشائر عربية في التشكيل العسكري قوات الصناديد يطمئن أنقرة من أنّ منطقة الشمال السوري لن تكون ذات سيطرة كردية خالصة.
الدولة السورية تؤكد على لسان أكثر من مسؤول أنّ الخطوة الأميركية تصطدم برفض روسي حيث أعلن وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنّ جزءاً من «قوات سورية الديمقراطية» سبق لهم أن تعاونوا مع عصابات «داعش» كما أنّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أكد في أكثر من مناسبة وحدة وسيادة أراضي الدولة السورية.
وهذا ما أكده بيان لقاء فيينا الذي عقد في الحادي والثلاثين من تشرين الأول 2015 حيث اتفق المشاركون على الإبقاء على سورية موحدة، حتى أنّ وزير الخارجية السوري وليد المعلم قال إنّ سورية تعترف بأهمية عدد من النقاط التي جاءت في بيان فيينا.
أما إيران التي وصفها الرئيس الأسد بالشقيقة فقد وقفت إلى جانب الدولة السورية منذ إعلان الحرب عليها، وبالتالي لن تسمح بتمرير مخطط التقسيم.
المؤكد أنّ مشروع الولايات المتحدة سيفشل لأنّ من سيحسم الصراع على الأرض في النهاية سيكون الجيش العربي السوري المؤلف من جميع المكونات السورية والذي ما زال يسيطر على مراكز المدن في كلّ من الحسكة والقامشلي ودير الزور ما سيضع قوات «داعش» في الرقة بين فكي كماشة الجيش السوري، خصوصاً أن لا الولايات المتحدة، ولا الدول العربية كما يتشدّق عادل الجبير – ولا تركيا تستطيع أن تغامر وترسل قوات برية إلى الأرض السورية خوفاً من الاصطدام مع الجيش السوري المدعوم إيرانياً وروسياً، كما أنّ الشعب السوري سيعتبر ذلك احتلالاً وسيتوحّد مع النظام لمقاتلة الغزاة.
كاتب سوري