مواقف بان كي مون واستمرار النظام الأحاديّ
حميدي العبدالله
في إحاطة قدمها الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون إلى مجلس الأمن يوم الجمعة الماضي، تطرّق إلى الوضع في سورية والعراق، وعكست الإحاطة هذه تطابقاً كاملاً بين مواقف الأمين العام للأمم المتحدة ورؤيته ورؤية الإدارة الأميركية والحكومات الغربية التي تدور في فلكها.
قبل ذلك أطلق بان كي مون سلسلة مواقف حول ما يحدث في أوكرانيا، وكانت مواقفه أيضاً متقاطعة ومتطابقة تماماً مع مواقف الإدارة الأميركية والحكومات الغربية، علماً أنّ روسيا هي الطرف الأساسي هذه المرة في الأزمة القائمة في أوكرانيا، وهي الدولة التي استهدفتها العقوبات الغربية وعضو دائم في مجلس الأمن.
عكست مواقف بان كي مون هذه، المتماهية مع مواقف الحكومات الغربية، لا سيما الإدارة الأميركية، حقيقتين:
ـ الحقيقة الأولى أنّ الأمين العام للأمم المتحدة لا يعبّر في مواقفه التي تعلن باسم هذه المنظمة الدولية عن احترام لعمل مؤسسات هذه المنظمة، وتحديداً مجلس الأمن. فأيّ مقاربة لأيّ قضية دولية لا تحوز إجماع أعضاء مجلس الأمن هي مقاربة تعبّر عن رؤية الدول التي تطرحها أو تتبناها ومصالحها، وعلى الأمين العام للأمم المتحدة الابتعاد عن هذه الرؤية بمعزل عن رأيه الشخصي في شأنها، إذ يعبّر في تصريحاته عن موقفه الرسمي كأمين عام للأمم المتحدة، وما لم يجمع عليه مجلس الأمن لا يعبّر عن مواقف وإرادة الأمم المتحدة، على الأقلّ من الناحية القانونية.
ـ الحقيقة الثانية أنّ روسيا والصين ودول البريكس، التي تمثل غالبية سكان الكرة الأرضية ونصف المجتمع الدولي، ولا يجوز للغرب أو الأمين العام للأمم المتحدة، التحدث باسم المجتمع الدولي إذا كانت القضايا التي يتحدث عنها لا تحظى بموافقة هذه الدول وتقتصر على رؤية الدول الغربية.
بناءً على هذه الحقائق، فإنّ تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة ومواقفه التي أعلنها باسم الأمم المتحدة وباسم المجتمع الدولي تعبّر عن موقف الحكومات الغربية، خصوصاً الإدارة الأميركية، ولا تعبّر عن إرادة المجتمع الدولي أو مجلس الأمن.
بهذا المعنى، يؤكد بان كي مون في مواقفه هذه أيضاً حقيقتين:
ـ الأولى أن مؤسسات الأمم المتحدة لا تزال تعمل وفق النظام الدولي الأحادي الذي تتربّع على عرشه الولايات المتحدة بدعم من الحكومات الغربية، وليس هناك الآن أيّ وجود حقيقي للنظام الدولي متعدّد القطب، فمن أبرز مؤشرات النظام الدولي متعدّد القطب أن يتصرف المسؤولون في الأمم المتحدة، من الأمين العام إلى أدنى مرتبة، بناء على ذلك، أيّ أنّ أيّ قضية لا تحظى بإجماع مجلس الأمن لا يمكنها أن تكون تعبيراً عن إرادة المجلس والمجتمع الدولي، ولا يحق لموظفي الأمم المتحدة التصرف بانحياز إلى جانب هذا الطرف أو ذاك.
ـ الثانية أنّ المعارضة الروسية والصينية لهيمنة الغرب مؤسسات الأمم المتحدة، واستخدامها الفيتو أكثر من مرة حول قضايا عديدة، هي معارضة للنظام الأحادي، ولم تصل بعد إلى مرحلة فرض النظام المتعدّد القطب، ولا يمكن الوصول إلى هذه المرحلة إلاّ بعد إعادة تشكيل جميع مؤسسات الأمم المتحدة، بما في ذلك الأمانة العامة، على قاعدة أنها ممثلة للجميع وليس للدول الغربية وحدها، وهذا ما لم يحصل حتى الآن.