أسرى القدس المحرّرون المختطفون

راسم عبيدات ـ القدس المحتلّة

تحرّروا في صفقة الوفاء للأسرى صفقة شاليط في تشرين الأول 2011. هم أسرى الداخل الفلسطيني 48 الذين طال انتظارهم ولم يُفرج عنهم لا في صفقات إفراج أوسلو ولا في ما يسمّى بإفراجات حسن النوايا، إذ استطاعت حكومة الاحتلال أن تفرض على السلطة الفلسطينية عدم التحدث باسمهم بكونهم «إسرائيليي» الهوية القدس والجنسية عرب الداخل ، ونتيجة لذلك أضحت لديهم قناعة تامة بأن تحررهم من الأسر غير ممكن من دون صفقات التبادل. وتوافرت لهم الفرصة في صفقة «الوفاء للأسرى» لكي يعانقوا الحرية. عانقوا الحرية، وسابقوا الزمن لتعويض ما فاتهم، استقراراً وعيشاً في كنف أسرهم، غير نادمين على ما دفعوه ثمناً على المستويات الشخصية والاجتماعية والوطنية. جزء منهم ودّع حياة العزوبية القسرية بفعل الأسر. تزوج وأنجب أو هو على طريق الإنجاب الأسرى ناصر عبد ربه وعلاء البازيان وعدنان مراغه ، وجزء آخر منهم كان يريد تعويض الزوجة والأبناء والأهل عن الحب والحنان المفقود بفعل الأسر الطويل.

لم ينعموا بالحرية ولم يشتمّوا نسائم عليلها طويلاً، حتى عاد الاحتلال ليطاردهم مجدداً وينغّص عليهم فرحتهم، فالاحتلال خبير ومتخصص في سرقة الفرحة من شعبنا، من الطفل والمرأة والشيخ والعجوز، فهو لا يريد لأطفالنا ولنا أن ننعم بوطن حر نعيش فيه بحرية وكرامة مثل باقي بني البشر، بل يريد استعبادنا وإذلالنا في حين تغادر البشرية في القرن الحادي والعشرين الاحتلال والعبودية.

وافق الاحتلال على تحرّرهم من المعتقلات الصهيونية صاغراً، وكان يتحيّن الفرصة لكي يعيدهم مجدّداً إلى المعتقلات، فهو يريد لأسرانا فحسب أن يخرجوا من معتقلاته على ظهورهم وفي أكياس بلاستيكية سوداء، إذ سنّ تشريعات وقوانين تمنع الإفراج الباكر عن الأسرى المحكومين بأحكام عالية أو بالسجن المؤبد من أسرى شعبنا، ويريد منا كشعب وفصائل وأهالي أن نستقبل هذا القرار بالورد والرياحين والزغاريد! أي احتلال هذا؟ وأي عنجهية وبربرية لم يعرفها التاريخ القديم ولا الحديث؟!

حصلت عملية اختفاء الصهاينة الثلاثة في منطقة الخليل، واتهامات «إسرائيل» وأجهزة أمنها لحركة حماس بأسرهم، فوجد الاحتلال وأجهزة أمنه الفرصة مواتية، لينفذوا مخططاتهم في حق الأسرى المحررين في «صفقة الوفاء»، إذ عمدت تلك الأجهزة الى إعادة اعتقال معظم الذين تحرروا في الصفقة من أسرى الضفة الغربية والقدس، في عملية قرصنة وبلطجة غير مسبوقة، انتقاماً فحسب وليقولوا لفصائلنا وشعبنا إن لا مجال لحرية أسراكم لا بالسلام والمفاوضات ولا بالأسر والخطف!، فكل من يقاوم أو يرفض الاحتلال مصيره القتل والاغتيال أو السجن حتى الموت.

في إطار تسويغ المبرّرات لما قامت به حكومة الاحتلال من إعادة اعتقال الأسرى المحررين، وفي توقيت غير بريء، أعلن جهاز الأمن العام «الإسرائيلي» الشاباك ، أن من قتل ضابط استخباراته قبل شهرين في عملية ترقوميا باروخ مزراحي هو الأسير المحرر في صفقة «الوفاء للأسرى» زياد عواد من أذنا، ولذلك يجب أن يعاد اعتقال هؤلاء الأسرى المحررين لأنهم ضالعون في أنشطة وفعاليات وأعمال مقاومة ضد الاحتلال، ولا يجوز أن يبقوا أحراراً!

الأسرى المقدسيون الذين اختطفتهم أجهزة الأمن «الإسرائيلية» بعد اختفاء ثلاثة مستوطنين في الخليل، والمأسورين الافتراضيين من قبل حركة حماس، على حد زعم «إسرائيل»، هم الأسير الكفيف علاء البازيان وناصر عبد ربه وإبراهيم مشعل وإسماعيل حجازي وعدنان مراغه ورجب الطحان وجمال أبو صالح، ولحق بهم بالأمس الأسير المحرر سامر العيساوي. صاحب أطول إضراب مفتوح عن الطعام.

الاحتلال وأجهزة استخباراته يدركون تماماً أن هؤلاء الأسرى وغيرهم من الأسرى المحررين في صفقة الوفاء غير منخرطين في أعمال نضالية وكفاحية ضد الاحتلال، غير أن عملية إعادة اعتقالهم تستهدف كسر إرادة شعبنا وإفهام فصائلنا أنه لن تكون حرية للأسرى عن طريق الخطف والأسر، فزمن صفقات التبادل ولّى، ولن تكون حرية لهم أيضاً عن طريق المفاوضات، وكذلك لإرضاء مجتمعهم المتطرف.

بلطجة وعنجهية غير مسبوقتين، و«تفرعن» لم يلق من يردّه أو يردعه، بسبب انقسامنا وضعفنا وعدم توحدنا وانشغالنا بعضنا في بعضنا الآخر، وفي التصريحات التي يهمّها التركيز على المستوطنين الثلاثة ومصيرهم وليس على مصير أكثر من 5200 من أسرانا في سجون الاحتلال يتعرضون لعمليات قمع منظمة وممنهجة، فضلاً عن الأسرى الإداريين الـ180 المضربين عن الطعام منذ أكثر من 62 يوماً ويتهددهم خطر الموت، والمعتقلين من دون أي محاكمات وفي تعارض صارخ مع جميع القوانين والإتفاقيات والمواثيق الدولية، ولا يتحرك ضمير العالم الإنساني ومؤسسات حقوق الإنسان، والمتشدقون بالحرية وحقوق الإنسان من الأميركيين والغرب الاستعماري الذين سارعوا الى إدانة عملية خطف «أسر» المستوطنين الثلاثة والمطالبة بإطلاق سراحهم في «تعهير» وازدواجية معايير للقوانين الدولية.

هذا العالم المدّعي الحضارة والإنسانية والدفاع عن حقوق الإنسان لا تهمّه سوى مصالحه وهو مستعدّ في سبيلها، ليس للمساواة بين الضحية والجلاد فحسب، بل لمناصرة الجلاد على الضحية، والطلب من الضحية أن تعتذر للجلاد! إنه زمن الانحطاط العربي والضعف الفلسطيني، يوصلنا إلى مثل هذه الحالة من الذل والهوان.

أسرانا من قضايا شعبنا المركزية التي تهمّ كل بيت وأسرة وعائلة فلسطينية. أن تبقى حاضرة في مختلف مناسباتنا وفعالياتنا وأنشطتنا، ويجب أن تصل الى كل محفل ومؤسسة وهيئة دولية، بما فيها التوجه الى محكمة الجنايات الدولية لجلب قادة الاحتلال إليها ومحاكمتهم على ما يرتكبونه من جرائم حرب في حق أسرانا الذين يتعرضون في سجون الاحتلال وزنازينه للموت البطيء. وليتشكل فريق عمل ولجان متخصصة من قانونيين فلسطينيين وعرب ودوليين لطرح قضية أسرانا المحررين الذين أُعيد اعتقالهم، أمام المحافل الدولية، وليتم الضغط على النظام المصري ليتحمل مسؤولياته في هذه القضية باعتباره راعي هذه «الصفقة» والمشرف عليها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى