محنة أوباما… استنزاف العراق وتهديده بالتقسيم ووقف تمدّد «داعش»
انهيار الجيش العراقي واندفاعة «داعش» شكّلا صدارة اهتمامات مراكز الأبحاث الاميركية، ولا تزال الاوضاع غير مستقرة بسبب اندلاع معارك متجددة هناك.
يستعرض قسم التحليل الأزمة العراقية والخيارات المتاحة أمام الولايات المتحدة في مواجهة عزم «داعش» التوجه والسيطرة على بغداد، والسيناريوات المتعددة للتدخل أو عدمه، والاحتمالات المرجحة التي تنبئ بتقسيم العراق على قاعدة «الأمر الواقع».
ملخص دراسات ونشاطات مراكز الأبحاث
العراق
اعتبرت مؤسسة «راند» أن تردّد الولايات المتحدة والدول الغربية باتخاذ قرار للتدخل العسكري في كل من سورية والعراق ساهم مباشرة في الانتصارات الميدانية لتنظيم «داعش»، ووفر المناخ الملائم لسيطرته على أراضٍ شاسعة في الشرق من سورية وغرب العراق، وتوسيع الفجوة الطائفية بين السنة والشيعة في عموم المنطقة». وأضاف أن ارتدادات الجولة الحالية «وصل صداها إلى لبنان والأردن والسعودية ودول الخليج العربي وقلق الأخيرة من اضطرابات محتملة من مواطنيها الشيعة…». وحذرت المؤسسة من «استمرار موجة تسليح المعارضة السورية، فالخيار العسكري ليس الحلّ المنشود » لافتاً نظر المؤسسة الحاكمة الأميركية الى أنّ «الحلّ قد يكمن في مفاوضات تسوية تضمّ التفاوض مع الرئيس السوري بشار الأسد… مهما بدا ذلك غير مستساغ للغرب»، خاصة أن الأزمة السورية «باتت تمثل خطراً جاداً لاستقرار كل من لبنان والأردن وتركيا ومنطقة الخليج العربي، الى جانب مصالح الغرب النفطية» في عموم المنطقة.
رحب مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بفحوى خطاب الرئيس أوباما حول العراق «وقراره إرسال نحو 300 عنصر كمستشارين عسكريين، فمن شأن ذلك أن يضمن وجوداً أميركياً ملموساً الى جانب الوجود الايراني…»، موضحاً أن القرار الأميركي «سيبقي الضغط قائماً على نوري المالكي او من سيخلفه للتصدي للتهديدات الحقيقية من المتشدّدين، فضلاً عن توفير الضمانة لكلّ من الحلفاء في الأردن والسعودية والإمارات بأنّ الولايات المتحدة لم توفر للمالكي حرية الحركة».
في المقابل، رفض معهد «كاتو» التدخل العسكري الأميركي في العراق محذّراً من أنّ «القصف الأميركي لمواقع «داعش» نيابة عن الحكومة العراقية قد لا يغيّر في ميزان القوى القائم في العراق، ومن المرجح أن يدوم تدخلنا هناك لفترة طويلة وقد يؤجل تحقيق الإصلاحات السياسية المطلوبة».
خصص معهد «كارنيغي» جزءاً كبيراً من اهتماماته للنظر في «السبل والتدابير التي من شأنها إلحاق الهزيمة بـ»داعش» وحلفائه، وضرورة تسليط الأضواء على ممارساته القبيحة والمذمومة بجزّ جماعي للأعناق وصلب الضحايا وسياسته الثابتة في ابتزاز المواطنين. لذا، ناشد المعهد «الأطراف العراقية والإيرانية والأميركية بلورة صيغة مواجهة تأخذ في الاعتبار استغلال الانقسامات والتناقضات داخل التنظيم والتحالف الذي انشأه». وحضّ المعهد السلطات العراقية على تطبيق اللامركزية «ونقل جزء كبير من السلطات الإدارية من بغداد الى المحافظات الأخرى».
انعكاسات الأزمة العراقية على أسواق النفط الدولية كانت ضمن اهتمامات مركز الدرسات الاستراتيجية والدولية، فمعظم مناطق استخراج النفط تقع خارج ساحات القتال، وبلغ معدل الإنتاج الشهر الفائت 3.4 مليون برميل يومياً، استخرج نحو 75 في المئة منه من المناطق الشيعية في الجنوب، بيد أن التقرير يحذر من التهديدات الأمنية وأعمال التخريب ضدّ خطوط إمدادات النفط.
كذلك أصدر معهد كارنيغي دراسة مطولة حول العراق تناول فيها الظروف والتطورات التي أدّت الى انفجار الصراع مجدّداً، مذكّراً بأن «عدداً كبيراً من قادة السنة، منذ كانون الأول 2013، ضاقوا ذرعاً بممارسات التنظيم الجهادي «داعش» في مناطقهم، وأبدوا دعمهم علناً للحملة العسكرية التي شنّتها الحكومة المركزية في العراق ضدّ قواعد التنظيم»، واتهم نوري المالكي بتبديد الفرصة «للعمل مع هؤلاء من قادة العشائر ورجال الدين لمكافحة الإرهاب». وحذر المعهد من تبسيط الوسائل الإعلامية كافة في توصيف التمرّد، واعتبارها لتنظيم الدولة الاسلامية القوة الوحيدة التي تقف خلف السيطرة على عدد من المدن التي يقطنها السنة شمال بغداد، لا سيما أن ديناميات تلك المناطق لا تزال شديدة التعقيد، وانضمّت إلى «داعش» ست مجموعات أخرى على الأقلّ أدت دوراً مهماً في القتال.
حول المشاركة في الانتخابات الأخيرة، أوضح المعهد ان «العراقيين من السنّة الراغبين في المشاركة في العملية السياسية يشكلون الأكثرية»، محذراً أيضاً من تقارب التعاون الأميركي ـ الإيراني في العراق على ضوء التطورات الأخيرة، لأنّ «واشنطن ترتكب خطأً آخر للحصول على مساعدة إيران في محاربة تنظيم داعش».
الأردن
انفرد معهد واشنطن بين أقرانه من مراكز الأبحاث بالتحذير من استهداف وشيك للأردن من قبل «داعش»، بالتزامن مع تنامي قلق الدول الغربية من ارتداد المقاتلين الأجانب وعودتهم إلى بلدانهم. وأضاف: «إنّ تمدّد داعش في العراق عزز نواة قلق الدول الغربية وحلفائها الإقليميين من المجموعات السنية الإسلامية المتشددة». وأردف أن الأردن «يعاني من تنامي التهديد الذي يعززه تجذّر قوى الجهاد السلفية التي أرسلت مقاتليها الى سورية ويخشى عودتهم…».
شاطره الرأي معهد «ستراتفور» الاستخباري قائلاً: «إنّ داعش عازم على التمدد في الأردن «البوابة الوحيدة المطلّة على البحر للدولة الإسلامية في العراق والشام… رغم جملة قيود وعقبات ميدانية تعترض مساره»، مستنداً بذلك الى قاعدة دعم «مهمّة من السلفيين والجهاديين تمكّنه من شنّ هجمات في الأردن متى شاء، مقارنة بدول أخرى، إذ لا يستطيع الانتشار في تركيا، أو التوجه إلى لبنان».
أشار المعهد الى أنّ طموح «داعش» للتمركز في ميناء بحري يضاعف من أهمية ميناء العقبة بالنسبة إلى التنظيم، وقراره تنفيذ ذلك مرهون بجملة عوامل، بينها تبيان استراتيجيته المقبلة بعد «انتصاراته في العراق، وضرورة عدم انجراره إلى تأليب سنة العراق ضدّه الذين يتخذون من الأردن ملاذاً آمناً لتحركاتهم…».
سورية
أعرب مجلس السياسة الخارجية الأميركية عن اعتقاده أن تردد الرئيس أوباما في التدخل المباشر هو إحدى حلقات سياساته الخاطئة «وربما أضفت صدقية على زعم مؤيديه بعد توافر حلول جيدة للأزمة السورية بعد استنفاذ وتبديد النفوذ القوي الذي كان متاحاً في مرحلة بدء الصراع قبل ثلاثة أعوام». ومضى في انتقاده سياسات الإدارة الأميركية التي كان في إمكانها التحرك بحزم وربما إبعاد، أو التخفيف من حدة الكارثة الإنسانية التي تشكلت لاحقاً.
التحليل
ادعى بعض الدوائر الأميركية أنه فوجئ من بسرعة تمدد تنظيم «داعش»، ما حفز الدعوات المطالبة بما يتعيّن القيام به أميركياً، وحسم الرئيس أوباما الجدال سريعاً بقطع الطريق على دعاة الانخراط الواسع في الحرب، مكتفياً بإرسال معونات استخبارية معززة بنحو 300 عنصر من القوات الخاصة ومشاة البحرية، المارينز، لإحكام طوق الحماية الأمنية حول السفارة الأميركية الأضخم في العالم والعمل «خلف خطوط» الاشتباك بمهمّات تدريبية واستشارية تقدم إلى القوات العراقية. وأوضح أوباما أن بلاده على استعداد لإنشاء غرف عمليات مشتركة مع العراق في بغداد وشمال العراق وأرسل وزير خارجيته جون كيري إلى المنطقة للتشاور مع «الحلفاء» الإقليميين والأوروبيين. سبق إعلان نشر قطع بحرية في مياه الخليج العربي، بينها حاملة طائرات تعمل بالطاقة النووية «جورج إتش دبليو بوش» الأب ، وسفينة قتال برمائية تتأهّب للتدخل وإخلاء الرعايا وحماية المصالح الأميركية عند الحاجة.
لم ينته الجدال في واشنطن واستعراض سبل التدخل، وأعرب عدد من أقطاب معسكر الحرب عن خيبة أمله لضعف الوجود العسكري الاميركي، مجدداً مطالبه النظر في خيارات عسكرية أخرى بينما تتجه بعض دول الخليج العربي إلى البحث عن حلول سياسية وديبلوماسية للأزمة. وقبل الدخول في هذا المسعى من المفيد استعراض «استراتيجية داعش» في الاقليم.
يجمع الخبراء العسكريون على أنّ تنظيم «داعش» يطبّق قوانين حرب العصابات بحذافيرها، ويبدو اليوم في المرحلة الأخيرة من مخططه للإطباق على مراكز الدولة المركزية والاشتباك مع قوات الجيش العراقي التقليدية بمجموعات ووحدات عسكرية صغيرة لتحقيق ذلك. التقديرات المتداولة حول حجم الجسم العسكري لـ»داعش» تتراوح بين 5،000 و20،000 عنصر، مدرّبين جيداً رغم ضآلة عددهم مقارنة بعديد الجيش العراقي الذي أشرفت القوات الأميركية على تدريبه وتجهيزه.
تفكك وحدات الجيش العراقي وانحلاله في بداية هجوم «داعش» تسبب بتراجعه، ما استدعى «داعش» إلى التريث وتعزيز إنجازاته الميدانية. وسارعت وحدات الجيش العراقي إلى ملء الفراغ السابق وتوطيد خططها الدفاعية. في هذا الصدد، يزعم البعض أن إيران أرسلت نحو 2،000 مقاتل من قوات فيلق القدس لحماية بغداد، الأمر الذي نفته التصريحات الأميركية الرسمية.
«داعش» ماضٍ في تصريحاته المهدّدة بالاستيلاء على بغداد، ويتعذر حتى الآن امتلاك القدرة على تحقيق ذلك، مع استمرار القتال في المناطق الأخرى شمال العاصمة. بل لم يستطع التنظيم الاستيلاء على مصفاة بيجي، أكبر مصافي النفط العراقية الواقعة على مسافة قريبة الى الشمال من بغداد، رغم الحشود الكبيرة التي خصصها لتلك المهمة.
الأوضاع الميدانية في محيط بغداد غير مستتبّة لتنظيم «داعش» ما اضطره الى الدفاع عن مواقعه السابقة عوضاً عن دخول العاصمة مثلما أعلن، واضطراره إلى تحريك بعض وحداته لشن هجمات على الطريق الرئيس بين بغداد وسامراء ويزهو بسيطرته الراهنة على مدن تقع غربي العاصمة، كرمة والفلوجة، وما توفره له من فرص لنصب الكمائن أو شن هجوم وهجوم مضادّ انطلاقاً من تلك المواقع.
تستند استراتيجية تنظيم «داعش» وحلفائه، من واقع تجربته السابقة في العراق، الى تفادي الاشتباكات الدموية في شوارع العاصمة واستنزاف القوى المدافعة عبر شنّ هجمات خاطفة عليها. وقعت تفاصيل تلك الاستراتيجية في أيدي القوات الأميركية عقب اغتيالها أبو مصعب الزرقاوي عام 2006، وكان يحمل خريطة بدائية لمسرح العمليات ونشرت القوات الأميركية تفاصيل خطة «أحزمة بغداد» إبان ذروة اشتباكها مع تنظيم «القاعدة» و»الدولة الاسلامية» في العراق عامي 2007 و 2008. اقتضت خطة الزرقاوي الاستيلاء والتحكم في المحافظات البعيدة و»أحزمة بغداد»، أو المناطق الأساسية المحيطة بالعاصمة. ومن ثم تستخدم الدولة الإسلامية في العراق مواقعها الجديدة للتحكم في طرق الوصول الى بغداد وتوزيع الأموال والأسلحة وتجهيز السيارات المفخخة وإدخال المقاتلين إلى المدينة. كما تشير الخطة الى نشر قواذف وصواريخ محمولة مضادة للطائرات تستهدف إسقاط الطائرات المروحية الأميركية المحلّقة في سماء بغداد.
خيارات أميركا
توالت الاتهامات تباعاً ضدّ الرئيس أوباما والريبة في امتلاكه العزيمة السياسية المطلوبة لاتخاذ قرار بالتدخل بينما يدرك وطاقمه الاستشاري تنامي معارضة الشارع الأميركي للتدخل مرة أخرى في العراق، وهذا ما كان يعارضه أوباما سابقاً أيضاً. أما حقيقة الأمر فتدل على نسب مرتفعة من المراهنات أمام صناع القرار والخشية من ارتداد الغضب العام ضدّ الرئيس وتحميله مسؤولية تدهور الأوضاع.
تشير المعطيات المتوافرة الى أنّ «الدولة الإسلامية في العراق والشام» تتأهب لخوض صراع كبير، ربما يشبه الأوضاع السائدة عام 2007 التي استدعت الرئيس السابق جورج بوش الابن الى إرسال وحدات قتالية إضافية إلى العراق لإخماد شعلة المقاومة. للتذكير، تطلّب الأمر انخراط ما يزيد على 130،000 جندي أميركي يعززهم بضع مئات الآلاف من قوى الأمن العراقية التي بالكاد استعادت السيطرة على محافظات الأنبار وصلاح الدين وديالى ونينوى وبغداد، وما اصطلح على تسميته بـ «مثلث الموت». استغرقت المواجهة الجديدة ما يزيد على سنة بدعم مباشر من سلاح الجو الأميركي والطائرات المقاتلة في سلاح البر وشن غارات مداهمة استهدفت مواقع القيادة والتحكم ومراكز التدريب والقواعد التابعة للدولة الإسلامية في العراق.
الاحتواء كان آنئذ، أما الآن فالعراق يخلو من وجود قوات أميركية مهمة، بل لو توافر قرار نشرها لاستغراق تموضعها وقتاً قد يطول. تستطيع الولايات المتحدة الاعتماد على نحو 500 عنصر من قوات مشاة سلاح البحرية، المارينز، المرابطة على متن السفن الحربية في مياه الخليج العربي، بيد أنّ تلك القوة مهما بلغت درجات تعزيزها لن يكون في وسعها تحقيق أي تقدم في عراق مترامي الأطراف، أو توفير الحماية لبغداد، فما بالك بالتصدي لـ»داعش» وفرض تراجع عليه؟!
كما يسع الولايات المتحدة حشد قوات محمولة جواً على عجل من الفرقتين 82 و 101 وقادرة على الانتشار خلال أيام معدودة. بيد أن تلك القوات تعتمد على تسليح خفيف للمشاة أما معداتها الثقيلة فستستغرق مدة أطول للوصول الى العراق، فضلاً عن التحديات والمعوقات اللوجستية. الأهمّ أنّ إرسال قوات للعراق سيتطلب موافقة الكونغرس على المهمة، وهذا ما تجنّبه أوباما بحنكة خشية تكرار أخطاء قرار الانخراط في السابق.
الخيار الآخر المتداول هو قيام الولايات المتحدة بشن غارات جوية مكثفة بالطائرات القاذفة العملاقة ب-52 و ب-2، تستهدف التشكيلات القتالية لـ»داعش» ومقراته الرئيسة وخطوط إمداده. نظرياً، في وسع القدرة النارية المدمّرة والهائلة وقف تقدم تجمّعات «داعش» على بغداد غير أنّ حقيقة الأمر تشير الى أنّ استخدام السلاح المذكور لن يؤتي ثماره إلا مع تشكيلات قتالية كلاسيكية وأهداف تقليدية ثابتة. وعلى افتراض دخول القاذفات المعركة، فإنّ أقصى ما تستطيع تحقيقه هو إبطاء تقدم «داعش» وليس إلحاق الهزيمة به.
كما يسع القوات الأميركية أيضاً شنّ غارات جوية استئصالية واستخدام صواريخ «كروز» وطائرات من دون طيار «درونز»، والتي من شأنها تخفيف التداعيات والاحتجاجات الداخلية وتقليص الكلفة العسكرية. تدرك القيادة العسكرية الأميركية أنّ تجاربها السابقة في باكستان وافغانستان واليمن والصومال ومناطق أخرى أنّ استخدام سلاح الطيران لا يجوز الاعتماد عليه كبديل من إدخال قوات برية لتحديد أدقّ للأهداف ترسل إحداثياتها إلى الطيران. الصواريخ المحمولة المضادة للطائرات التي استولت عليها «داعش» من مخازن الجيش العراقي ستشكل عقبة أمام استخدام الطيران والمروحي خاصة.
تواجه الولايات المتحدة أيضاً عقبات سياسية في المنطقة إنْ لجأت الى إدخال بعض مواردها العسكرية من دون القوات البرية الى الساحة الملتهبة، ما سيضاعف اعتمادها على إيران ونفوذها في العراق كقوة أساسية مهمّة لإعادة الاستقرار هناك. وعبّر وزير الخارجية الأميركي جون كيري عن رغبة الإدارة بذلك قائلاً: «إن واشنطن منفتحة على إجراء محادثات مع طهران إنْ رغبت إيران في المساهمة لإنهاء موجة العنف واستعادة ثقة الحكومة العراقية. وترك كيري الباب مفتوحاً أمام نشر قوات عسكرية أو إجراء مشاورات مع إيران قائلاً إنه لا يستثني أيّاً من الخيارات البناءة».
يخشى صقور الحرب في أميركا أن تؤدي الغارات الجوية الأميركية، من دون مرافقتها بقوات خاصة على الأرض، الى أن يصبح سلاح الجو جزءاً من القوات العسكرية لإيران، كما يزعمون.
الحلّ الوسط بالنسبة إلى بعض القادة العسكريين الأميركيين يكمن في تعزيز العمليات الجوية وإدخال أعداد محدودة من وحدات القوات الخاصة في العراق لتنسيق الغارات الجوية وتدريب القوات العراقية والقيام بعمليات سرية. ويصرّ هؤلاء على خضوع تلك القوات للقيادة العسكرية لا لوزارة الخارجية، عبر السفارة التي تشرف حالياً على إدارة المصالح الأميركية هناك، وتوسيع نطاق مهماتها وعدم حصرها بمهمة دعم الحكومة العراقية بل استخدامها لدعم الأكراد، تعبيراً عن الوفاء لما قدموه إلى القوات الخاصة الأميركية من تسهيلات في العدوان الأميركي على العراق عام 2003. تطبيق هذا التصور يفرض على قيادة «داعش» تحويل بعض قواته من نطاق عمليات بغداد الى حماية الجبهة مع الأكراد.
يناشد بعض ضباط الاستخبارات الأميركية المتقاعدين الإدارة شن غارات هجومية على الفور تستهدف تدمير الآليات والعربات المدرعة الأميركية التي غنمها «داعش» من القوات العراقية «ما يعود بالفائدة على جبهتي سورية والعراق».
يستطرد هؤلاء قائلين إنه يتعيّن على الإدارة الأميركية تغيير سياستها نحو سورية والتصدي لـ»داعش» الذي ينمو بسرعة ويستطيع السيطرة على مساحة كبيرة ممتدة من بغداد الى الحدود مع السعودية وشاطئ المتوسط أيضاً.
الأردن والسعودية قلقتان من إمكان تمدد «داعش» ووصوله الى حدودهما المشتركة، وما يترتب عليهما من تدابير يتخذانها لمواجهته عسكرياً وسياسياً، وربما تعديل بوصلة سياستهما الداعمة للمعارضة المسلحة في سورية. السعودية قلقة أيضاً من تدهور الأوضاع الأمنية في المنطقة الشرقية المطلة على الخليج العربي والغنية بالنفط نتيجة سياساتها المعادية لطموحات شعب الجزيرة العربية.
رغم الانجازات التي حققها «داعش» إلا أنه من غير المرجح أن يستطيع السيطرة على بغداد أو الاحتفاظ بالمساحات الشاسعة لفترة طويلة، علماً أنه يدرك عمق الخلافات العقائدية بينه وبين بعض حلفائه من «المقاتلين السنة،» ما يؤشر على وضع يسود فيه الجمود لمدة طويلة. بل قد تشتعل اشتباكات داخل أطرافها على أسس عرقية وطائفية، واندلاع مواجهات شاملة في العراق على تلك الخلفية مع سعي «القوات السنية والشيعية» تطهير مناطقها من الطرف الآخر. ولم تترك «داعش» فرصة إلاّ ووثقت فيها عمليات اغتيال وقتل جماعي ضدّ أناس خارج طائفتها في المناطق التي سيطرت عليها.
تجمع الدوائر الغربية المختلفة، لا سيما الأجهزة الاستخبارية، على أن «الأكراد على أبواب أفضل فرصة تاريخية لتشكيل دولة خاصة بهم، آخذين في الاعتبار تدني قدرة كلّ من العراق وسورية لإفشالها «بل إن كردستان قوية تشكل تهديداً لـ»داعش»، تركيا ستناهض المشروع لكن سعيها لوأده سيواجه عقبات عدة ، علماً أنها أكبر مستثمر أجنبي في المناطق الكردية في العراق، وهدّدت سابقا بغزو كردستان إن أعلنت استقلالها، وربما عدلت عن ذلك».
القوات الكردية المسلحة، البيشمركة، لا تعاني عبء انتشارها على مساحات جغرافية واسعة، وسارعت إلى التقدم والسيطرة على المناطق التي أخلاها الجيش العراقي قبل وصول «داعش» وبعضها متنازع عليها، لا سيما مدينة كركوك والمناطق المحيطة بها الغنية بالنفط.
الجدير ذكره، أن القوات الكردية أحجمت عن الوقوف في وجه قوات «داعش» المتجهة جنوباً انطلاقاً من أراضيها، إذ تتموقع القوات الكردية قرب شبكة الطرق المؤدية من الموصل الى بغداد، وكان في إمكانها قطع وسائل اتصال قوات «داعش» ووقف توجهه الى بغداد.
الخلاصة
اعتادت الولايات المتحدة أن تبسط نفوذها وتستخدم قوتها واعتبرت لاعباً أساسياً في الإقليم. في المقابل يبدو الرئيس أوباما منفصلاً في عزلة، ويتهمه خصومه بأنه على غير استعداد للنظر في مساعدة حكومة المالكي بقوة عسكرية تكفي لهزيمة «داعش» أو مواجهته في سورية أو العراق.
أوباما غير راغب في توفير سبل دعم تعزز استقلال العراق وسيادته، والأرجح أنه سيخصص عدداً محدوداً من القوات لاستعادة استقرار البلاد، ما يؤشر على نيته أو عدم اعتراضه الجدي على تقسيم العراق نتيجة «أمر واقع» في المدى القريب على الأقل.