أردوغان يخوض حرب «داعش» و«النصرة»
ناصر قنديل
– لا يمكن إنكار أنّ الفريق الوحيد الذي شكل وقوفه في رأس قائمة الحرب على سورية فرصة لتسويق هذه الحرب بصفتها دعماً لمعارضة ديمقراطية تريد إصلاح نظام الحكم، هو النظام الحاكم في تركيا، فتركيا بين الدول غير العربية التي وقفت في صفّ الحرب على سورية تشكل الدولة الإسلامية الوحيدة، والدولة التي سبق أن كانت بأفضل العلاقات مع سورية ورئيسها، والتي كانت قد سجلت مواقف تصادمية مع «إسرائيل» على خلفية التضامن مع فلسطين والسعي إلى كسر الحصار على غزة، وبالتالي بين مجموعة دول ذات مصالح وتاريخ استعماري ومليء بالأسباب العدائية نحو سورية المتمسكة باستقلالها وحقوقها في الصراع مع «إسرائيل»، كانت تركيا الدولة الوحيدة التي تستمدّ منها سائر الدول مصداقية موقفها الذي تدّعيه نافية أن تكون حربها استهدافاً للاستقلال السوري، أو لممانعتها في وجه المشاريع «الإسرائيلية»، وكان السؤال الذي تملكه هذه الدول في جيبها، ها هي تركيا الإسلامية الصديقة لسورية والتي تخوض مواجهات مع «إسرائيل» تتخذ الموقف ذاته، أما بالنسبة للدول الإسلامية والعربية منها خصوصاً فكانت تركيا الوحيدة التي يمكن تصديق مزاعمها بدعم ديمقراطية في سورية عملاً بقاعدة أنّ فاقد الشيء لا يعطيه، فكلّ الدول العربية المنخرطة في الحرب على سورية لا تزال بلا دساتير وتحكمها أنظمة متخلّفة لا مجال لمقارنتها بما تدّعيه من حرص على قيام نظام ديمقراطي عصري في سورية التي تتخطاهم بأشواط وأشواط في مستوى مدنية وتمدّن الدولة فيها، بينما كانت تستطيع تركيا حتى ما قبل الانتخابات الأخيرة ومشروع تعديل الدستور الذي دعا إليه رئيسها رجب أردوغان، التباهي بأنّ نظام حكمها هو نموذج للديمقراطية يمنح مواقفه المتصلة بها قدراً عالياً من المصداقية.
– شكل ظهور «داعش» وتبلور صورة دور الجماعات الإرهابية، والكلام الذي حفلت به الصحافة الغربية، وبعض الكلام الصادر عن مسؤولين أميركيين، حول حضانة تركيا للإرهاب وتأمين الملاذ لتنظيماته وتوفير خطوط الإمداد بالمال والسلاح، بدايات هامة لانكشاف أكذوبة المصداقية التركية، كما شكل المشروع الإخواني الذي جاهرت به تركيا على لسان رئيسها رجب أردوغان، ومن ثم تهاوي هذا المشروع في المنطقة، وخصوصاً في مصر والموقف التركي من الانتخابات المصرية ومن الرئيس المنتخَب عبد الفتاح السيسي، مزيداً من الوضوح في صورة الموقع الحقيقي لتركيا والحزب الحاكم فيها، من مشروع هيمنة ضمني تسمّيه العثمانية الجديدة يتصرّف بموجبه رئيسها ورئيس وزرائه داوود أوغلو كبابٍ عالٍ وصدرٍ أعظم، تجاه مصائر شعوب المنطقة ودولها. وجاءت الانتخابات النيابية الأخيرة في تركيا وما رافقها من مواقف أوروبية تنعى مكانة الديمقراطية التركية، وتدعو إلى وقف مفاوضات ضمّ تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، ومثلها مساعي تعديل الدستور والدعوات المعلنة للرئيس التركي ورئيس وزرائه لقيام حكم الحزب الواحد في تركيا لتسقط ورقة التوت عن عورة الكذبة الديمقراطية التي تنتحلها حكومة «الإخوان المسلمين» في تركيا.
– كلّ ذلك وضع الصورة في دائرة التساؤلات، لكنه لم يحسم رأياً عاماً لمصلحة سورية والحرب الظالمة التي تشنّ عليها، رغم التحوّلات التي صنعتها الهجمات الإرهابية التي استهدفت أوروبا، ووضوح الدعم الذي تلقاه التنظيمات الإرهابية علناً في تركيا، فجاءت الأزمة الراهنة المفتعلة مع روسيا، كالقشة التي تقصم ظهر البعير، فلا أحد يصدّق رواية تركيا أنّ الأمر تفسّره حكاية طائرة تقول تركيا إنها خرقت المجال الجوي، ولم تقل روسيا إنها كانت تنوي شنّ أعمال عدائية ضدّ أهداف تركية، وبالتالي كان ممكناً اللجوء لما هو دون إطلاق النار، بشكوى لمجلس الأمن الدولي، وبطلب مراقبين دوليين وتحقيق في الانتهاكات الروسية التي تدّعي تركيا حدوثها لأجوائها، لكن إطلاق النار يحتاج أسباباً أكبر بكثير لم تدع تركيا مجالاً للاجتهاد لفهمها فكشفتها علناً بالربط بين إطلاق النار وحديثها عن منطقة عازلة على طول الحدود التركية السورية، وبحديثها عن تمسكها بالجماعات الإرهابية التي تحتضنها، وبسعيها للحفاظ على موطأ قدم يُعيد تشكيل سورية عرقياً وطائفياً من بوابة ادّعاء المسؤولية عن التركمان في سورية، وبالتالي تقول تركيا للذين كانوا لا يزالون يبحثون عن تفسير للموقف التركي إنها علناً تخوض حرب تسليم سورية لتنظيم «القاعدة» بجناحيه «داعش» و«النصرة»، اللذين تشنّ روسيا حرباً عليهما، واللذين لكلّ منهما خطوط إمداد وملاذات آمنة في تركيا، واللذين لم تقبل تركيا الانخراط في التحالف الذي أعلنه حلفاؤها في الغرب للحرب على إحداهما، «داعش»، وبقيت تسعى لإقناع هذا الغرب الحليف بشطب اسم الثاني، «النصرة»، عن لوائح الإرهاب، وجاءت تركيا تطلق النار على روسيا دفاعاً عنهما، وحيث لا يملكان قدرة إطلاق النار، فالنار التركية حماية أكيدة لـ«داعش» و«النصرة»، وغطاء جوي لقواتهما المنهارة أمام الجيش السوري وحلفائه تحت الغطاء الجوي الروسي، وتركيا تلعب ورقتها الأخيرة وتقول، الحرب تدور بين الجيش السوري من جهة و«داعش» و«النصرة» من جهة مقابلة، والجيش السوري يتفوّق بقوة الغطاء الناري الروسي، وتركيا لن تسمح لهذا التفوّق أن يحسم مجرى الحرب وهي مستعدّة لفعل ما يجب لوقف هذا الغطاء الجوي الروسي وتقديم مثله لـ«داعش» و«النصرة» إذا اقتضى الأمر، فهل بقي مجال للشكوك؟
– المهم أنّ الصورة توضّحت ومن لا يزال يتساءل لا يريد أن يعرف أو أنه يعرف ولا يريد أن يعترف، الأهمّ هو أنّ تركيا تكتشف أنها أعجز من البقاء على الموقف، فقد ربط أردوغان مصيره بمصير «داعش» و«النصرة».