فرنسا تريد التنسيق مع سورية… والمعلّم يعلن من موسكو العدّ التنازلي للإرهاب روسيا – تركيا: «تجاوز الخط الأحمر» و«اللعب بالنار»… وأردوغان بلا حلفاء
كتب المحرر السياسي
الأيام المتسارعة منذ تفجيرات باريس وإسقاط تركيا للطائرة الروسية وما بينهما وما بعدهما، وضعت الحرب على الإرهاب أولوية لا مفرّ منها عالمياً ولا مجال للمناورة في التعامل مع الجدية والمسؤولية التي تقتضيها بصفتها تحدياً للأمن الوطني لدول عظمى، تورّط بعضها كفرنسا في لعبة الاستخدام المزدوج للإرهاب وتوهّم القدرة على إبقائه تحت السيطرة، مطمئناً لوعود تركية ـــ سعودية ـــ قطرية، حتى صارت باريس مسرحاً مفتوحاً لمجموعات تحتاج سنوات لتتبّعها وتنظيف العاصمة الفرنسية منها، فربما تستعيد سورية أمنها قبل أن يتسنى ذلك لفرنسا، وبعض الدول كروسيا لا يقبل العبث بأمنه ويتصرف بلغة واحدة لا مجال للنفاق فيها، ولما استشعر أبعاد الحرب على سورية بما يتخطى حدود التنافس على قيادة الشرق الأوسط وخياراته، تخطت روسيا حدود الدور الذي اتخذته لنفسها دعماً للدولة السورية المستهدفة لخياراتها الاستقلالية، لتتصرّف بمعايير أمنها الوطني المهدّد من جماعات إرهابية تشكل الجماعات التي ضربت باريس توأماً لها، وأغلبها ينطلق من جمهوريات القوقاز ويقيم في سورية ومرشح دائم للعودة بمهمة تنفيذية إلى روسيا الاتحادية، قرّرت روسيا التحرك وتحرّكت.
ظهرت تركيا بقيادة رئيسها رجب أردوغان، بصفتها الدولة التي ترعى الحرب، وتتحمّل مسؤولية الدماء التي تنزف في باريس وكلّ مكان ضرب فيه الإرهاب، ونجح الرئيس الروسي رغم البروباغندا الأميركية بتظهير الدور التركي في دعم الإرهاب واحتضانه ورعايته، وأخذت موسكو على عاتقها وضع حدّ لهذا التمادي، فبدأت بتقديم الدعم الجوي للجيش السوري وحلفائه لتنظيف خط الحدود التركية السورية، وفي المقابل تولت استهداف القوافل المحمية من تركيا التي ينظمها «داعش» لنقل النفط المنهوب من سورية وبيعه في تركيا، واستهداف قوافل الإمداد التي تنقل عبرها الحكومة التركية تحت شعار المساعدات الإنسانية للجماعات المسلحة ما تحتاجه من سلاح ومؤن وعتاد، وجاءت الحرائق المشتعلة على خط الحدود لتقول إنّ شيئاً قد تغيّر وسيتغيّر وأنّ زمن العربدة التركي قد انتهى، وأنّ الكذبة المدنية والديمقراطية التركية يفضحها المشروع «الإخواني».
أسقطت تركيا الطائرة الروسية لتحمي جماعاتها، وتفرض معادلتها مجدّداً ووراءها دعم غربي وأميركي، ولما وقف الرئيس الروسي وأعلن المضيّ بوتيرة أسرع ودرجة أشدّ في حربه، انكفأ الغرب ووجد أردوغان نفسه بلا حلفاء وحيداً يستجدي موعداً مع الرئيس الروسي ورداً على اتصالاته الهاتفية.
عاد أردوغان للتصعيد وتحدّث عن اللعب بالنار من جانب روسيا، فردّ عليه وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف بوصف مواقف أردوغان بتخطي الخطوط الحمر، فيما المناطق الحدودية السورية مع تركيا تشهد حرباً حقيقية، لا تملك فيها تركيا سوى التفرّج على احتراق استثمارها في الإرهاب وهي تزبد وترعد، فتضطر للإعلان عن وقف حركة طيرانها فوق شمال سورية ضمن إطار وقف غاراتها المزعومة على «داعش»، والسبب أنه بعدما تمّ نشر منظومة «أس 400» صارت كلّ الطائرات التركية أهدافاً سهلة للصواريخ الروسية.
على إيقاع هذا التحوّل النوعي في مسار الحرب، اضطر حلفاء أردوغان إلى الاكتفاء بدور الوسيط لترطيب الأجواء ومراضاة خاطر الرئيس الروسي الغاضب أملاً بإقناعه بلقاء الرئيس التركي على هامش قمة المناخ في باريس الأسبوع المقبل، وما يستدعيه ذلك من الشدّ على فكّي أردوغان كي لا يتلفظ بحماقات تعقّد الأمر.
فرنسا التي تتولى الدور المتقدّم على هذا الصعيد تتصرّف على قاعدة التسليم بأنّ شيئاً كبيراً قد تغيّر، وفي فرنسا كما يؤكد المتابعون ثمة الكثير قد تغيّر بعد التفجيرات الأخيرة، ولم يعد بمقدور الرئيس الفرنسي صوغ السياسات وفقاً لرأيه ورؤيته غير آبه بما ينتظره منه الفرنسيون، ومحوره كيف ووفقاً لأيّ تحالفات وآليات سيخوض حرب حمايتهم من الإرهاب، خصوصاً كيف ستتغيّر سياسته في سورية بضوء ما شهدته باريس؟
أول التغيير التقرّب من موسكو وتأييد دورها في سورية كترجمة للشراكة في الحرب على الإرهاب، ومن نتاجه الكلام الجديد لوزير خارجية فرنسا عن التعاون مع الجيش السوري في إطار هذه الحرب.
وموسكو التي تتوسّط العقد الذي يحيط بمفردات الحرب مع الإرهاب، تستضيف وزير الخارجية السوري وليد المعلم ليعلن بدء العدّ التنازلي للإرهاب، مع الدور الذي تضطلع به روسيا في الحرب، ولكن ليس بعيداً عن تأديب التمادي التركي الذي يشكل مصدر العبث الأول بأمن واستقرار المنطقة والعالم.
تركيا التي تستشعر العزلة ويؤنس رئيسها جنون عظمته بتصريحاته النارية تتحرّك مخابراتها وتوعز إلى قطر وقيادة «جبهة النصرة» لتسريع عملية التفاوض لحلّ قضية العسكريين اللبنانيين المخطوفين، أملاً بإيصال رسالة حسن نيات تلطف المناخات المتوترة وتفتح كوّة في الجدران المسدودة سياسياً من البوابة الأمنية، سواء مع سورية أو إيران وحزب الله، من بوابة الأمن اللبناني الذي تلقف بشخص المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم الفرصة وسار بها حتى النهاية التي يبدو أنّ خواتيمها السعيدة تقترب وربما تبصر النور مع الفجر أو بعده بساعات.
صفقة تبادُل العسكريين احتمال تحريرهم أقرب
خَطَف ملف العسكريين اللبنانيين المخطوفين الأضواء بعد أن تردّدت معلومات تشير إلى إفراج قريب عن العسكريين المخطوفين لدى جبهة «النصرة» ضمن عملية تبادل، ما يضيف إذا ما تمّت الصفقة إنجازاً جديداً إلى سجل إنجازات جهاز الأمن العام ومديره العام اللواء عباس إبراهيم الذي بذل جهوداً كبيرة في هذا الملف.
وأكد مصدر وزاري مطلع لـ«البناء» أن «حظوظ نجاح صفقة التبادل مرتفعة أكثر من المرات السابقة»، وتوقع المصدر إنجاز الصفقة في الأيام القليلة المقبلة، وأبدى حذره من حصول أي طارئ في الساعات الأخيرة يحول دون إتمام الصفقة. وأكد المصدر الوزاري أن «الدور الأساس إذا ما تمّت الصفقة يعود أولاً للأمن العام وثانياً لوزارة الداخلية»، وشدّد المصدر على «أن صفقة التبادل لا تشمل العسكريين المخطوفين لدى تنظيم داعش»، مشيراً إلى «أن السجناء الذين ستشملهم الصفقة نقلوا من سجن رومية إلى مديرية الأمن العام في بيروت».
إبراهيم: لم تصل إلى خواتيمها بعد
وأكد اللواء عباس إبراهيم، بحسب ما نقل عنه أن «الأمور لم تصل بعد إلى خواتيمها في ما يخصّ ملف العسكريين الأسرى»، مشيراً إلى أنه «يريد سحب الملف من الإعلام وعدم إعطاء جرعات تفاؤل».
ولاحقاً أعلنت المديرية العامة للأمن العام في بيان أنه «في حال حصول أي تقدم له علاقة بمجريات الملف سيتم الإعلان عن ذلك رسمياً وفي حينه»، كما تمنّت «على وسائل الإعلام العودة إلى المراجع المختصة للحصول على معلوماتها، خصوصاً أن لهذا الملف بعداً إنسانياً مما يجعله غير قابل للتداول بهذه الطريقة وحتى لا يتم تعريض أهالي العسكريين لانتكاسة أو ضغوط».
أهالي العسكريين: لم نبلّغ رسمياً
وتحدّثت مصادر أهالي العسكريين المخطوفين لـ«البناء» عن تقدّم جدي في ملف العسكريين وتفاؤل حقيقي للإفراج عن أبنائهم المخطوفين لدى جبهة النصرة في الأيام القليلة المقبلة، لكنها أعربت عن خشيتها من مفاوضات ربع الساعة الأخير، ولفتت المصادر إلى أن «الأهالي تلقوا إيحاءات من جهات رسمية بقرب إنجاز الصفقة، لكن المصادر نفت إبلاغها رسمياً بالأمر».
وأثنت المصادر على الجهود التي بذلها اللواء عباس إبراهيم على هذا الصعيد والذي ترجمها بقرب الوصول إلى خواتيم سعيدة لهذا الملف في القريب العاجل،
وإذ أشارت المصادر إلى دور أساسي للوسيط القطري، أوضحت أن مضمون الصفقة هو تبادل سجناء «إسلاميين» لدى الدولة مقابل إطلاق 16 عسكرياً مخطوفاً لدى جبهة النصرة».
25 موقوفاً مقابل 16 عسكرياً
وفيما تحدّثت معلومات عن أن موكب للأمن العام يتألف من ٢٠ سيارة عاد من سورية وبحوزته عدداً من عناصر جبهة النصرة المسجونين لدى الدولة السورية، أكدت مصادر إسلامية لـ«البناء» أن عدداً من آليات الأمن العام نقلت ثمانية موقوفين من سجن رومية إلى مبنى الأمن العام في بيروت.
وإذ كشفت أن الصفقة باتت في خواتيمها، فضلت المصادر عدم ربط إتمام الصفقة بمواعيد محددة، ولفتت إلى أن تفاصيل الصفقة وتوقيتها يعلمها فقط اللواء إبراهيم، وتحدّثت عن أن مساعي وجهوداً بعيدة عن الأضواء تكثّفت في الآونة الأخيرة لإنهاء هذا الملف.
وعلمت «البناء» أن «السجناء الذين ستشملهم صفقة التبادل مقابل 16 عسكرياً يصل عددهم إلى 25 شخصاً بينهم ثمانية لبنانيين والآخرون سوريون ومن ضمنهم أيضاً 5 نساء لا سيما طليقة زعيم «داعش» أبي بكر البغدادي سجى الدليمي وزوجة الإرهابي أنس جركس علا جركس».
كما علمت «البناء» أن جميع السجناء المشمولين بالصفقة لم يرتكبوا عمليات إرهابية أو جرائم وليسوا خطرين.
ونفت مصادر عسكرية لـ«البناء» أي دور لحزب الله على خط صفقة التبادل بين الدولة اللبنانية و«النصرة». وشددت على أن الملفين منفصلان عن بعضهما، وكشفت أن «ملف التفاوض بين حزب الله والتنظيمات الإرهابية في سورية على تبادل الأسرى لدى الطرفين لم يُفتَح بعد، كما نفت وجود أي وسيط يعمل على هذا الملف».
قاتل الشهيد حمية في قبضة الجيش
أمنياً، وبعد العملية النوعية التي نفذتها المقاومة والجيش السوري في ريف حمص منذ أيام والتي قضت على المسؤول عن نقل انتحاريي برج البراجنة عبد السلام عبد الرزاق الهنداوي، الملقب بـ«أبو عبدو»، تمكنت مخابرات الجيش اللبناني من توقيف قاتل الجندي محمد حمية الإرهابي الخطر، السوري علي أحمد لقيس الملقّب بــ «أبو عائشة» لانتمائه إلى أحد التنظيمات الإرهابية.
وبيّنت التحقيقات مع الموقوف، أنه أقدم على قتل الجندي الشهيد محمد حميّة الذي خطف إثر معركة عرسال. وأدلى الموقوف بمعلومات حول عدد من الأشخاص المتورطين في ملف العسكريين المخطوفين، وفق ما جاء في بيان قيادة الجيش.
عقبات في مرحلة المناورات الرئاسية
رئاسياً، لا يزال لبنان في مرحلة المناورات ولم يدخل بعد في مرحلة البازارات، ولم تتبلور التسوية السياسية لا سلباً ولا إيجاباً حتى الساعة، وإن كانت سلسلة من العقبات بدأت تعترض المفاوضات الجارية.
وبانتظار إطلالة رئيس تيار المستقبل سعد الحريري التلفزيونية الخميس المقبل، وما سيقدمه لجهة الطرح الرئاسي وترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، يترأس رئيس اللقاء الديمقراطي النائب وليد جنبلاط عند الخامسة من عصر اليوم اجتماعاً لكتلته. وأكدت مصادر الحزب التقدمي الاشتراكي لـ«البناء» أن «الاجتماع سيناقش التطورات التي حصلت في ضوء التسوية المطروحة لرئاسة الجمهورية». ورفضت المصادر تأكيد أو نفي ترشيح النائب جنبلاط لفرنجية اليوم داعية إلى انتظار الاجتماع، لا سيما أن الأجواء الإيجابية التي برزت في الأيام الأولى من عودة فرنجية من باريس بددتها بعض التصريحات من مسيحيي 14 آذار». وتحدثت المصادر عن إجماع مسيحي ماروني رافض لترشيح فرنجية. برز هذا في تراجع حزب الكتائب عن موقفه المؤيد لترشيح رئيس تيار المردة وموقف رئيس حزب القوات سمير جعجع، ورفض رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون المطلق لقانون انتخاب على أساس الستين. وإذ تحدثت المصادر عن أن «الاتصالات بين وزير المال علي حسن خليل ووزير الخارجية جبران باسيل لم تكن إيجابية»، أشارت إلى إن «المفاوضات مستمرة».
الكتائب: لم نتبنَّ ترشيح فرنجية
وفي إطار الحركة التي تواكب المستجدات في الملف الرئاسي لا سيما على الصعيد المسيحي، حطّ وفد من حزب الكتائب ضمّ الوزير السابق سليم الصايغ وعضو المكتب السياسي البير كوستانيان في الرابية، حيث التقى رئيس تكتل «التغيير والإصلاح» النائب العماد ميشال عون، في حضور أمين سر التكتل النائب إبراهيم كنعان. وأكدت مصادر كتائبية لـ«البناء» أن «رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل لم يتبنّ ترشيح فرنجية ليتراجع، ولم يعارضه ليقبل به في ما بعد»، مشيرة إلى «أن العلاقة الجيدة بين النائبين فرنجية والجميل والصداقة التي تجمع بينهما بعيداً عن السياسة شيء، والانتخابات الرئاسية شيء آخر»، وشددت المصادر الكتائبية على «أن ما يتم التداول به من طرح رئاسي وفق تسوية معينة، يحتاج إلى مشاورات سياسية نقوم بها مع التيار الوطني الحر وحزب القوات»، مشيراً إلى أن وفداً من الكتائب سيلتقي اليوم رئيس حزب القوات سمير جعجع في معراب».
وفي سياق متصل، وفيما بقي حزب الله ملتزماً الصمت حيال ما يجري رافضاً التعليق بانتظار أن يتأكد من معالم التسوية، وهذا يسري أيضاً على العماد ميشال عون، أكدت مصادر نيابية في تيار المستقبل لـ«البناء»، أن «الأمور تسير باتجاه التراجع بعد موقف الأحزاب المسيحية»، لافتة إلى حديث وتلميحات عن «فرط عقد التسوية». وأشارت المصادر إلى «أن ما جرى بغضّ النظر عن نجاح التسوية من عدمه فهو هزّ التحالفات وربما سيعيدنا إلى ما قبل العام 1998».
وتخوّفت أوساط سياسية من أن تكون نية الرئيس سعد الحريري والنائب وليد جنبلاط حَرْق ورقة النائب فرنجية تمهيداً لترشيح الوزير جان عبيد»، مشيرة إلى أنه «إذا لم تصل الاتصالات إلى نتائج إيجابية قبل جلسة الحوار المقبلة في 14 كانون الأول، فهذا يعني أن الأمور عادت إلى نقطة الصفر».
وكان القائم بالأعمال الأميركي السفير ريتشارد جونز زار بنشعي والتقى الوزير سليمان فرنجية بحضور وزير الثقافة ريمون عريجي وطوني سليمان فرنجية وجان بطرس. ولم يدل جونز أي تصريح إثر الاجتماع.