مَن أخطأ فرنجية أم عون؟
ناصر قنديل
– يصرّ بعض الحريصين في قوى الثامن من آذار على التعاطي مع قضية تداول اسم النائب والزعيم السياسي سليمان فرنجية كمرشح رئاسي جدّي من زاوية الإجابة عن سؤال هو، مَن الذي أخطأ النائب سليمان فرنجية بقبول طرح اسمه في التداول، بينما العماد ميشال عون هو المرشح الذي يؤكد فرنجية تمسّك فريقه وحلفائه وتمسكه شخصياً بدعم ترشيحه، أم العماد عون هو المخطئ لأنه لم يعلن مباركته للترشيح ومبادلته لفرنجية الوفاء بالوفاء، طالما أنّ المهمّ هو أن تكون الرئاسة لمن تنطبق عليه مواصفات الزعيم المسيحي القوي، وفرنجية أحد الأربعة المسيحيين الكبار، كما جرى التعارف على تسميتهم، فكيف وهو الحليف الأقرب والمنتمي للثوابت المسيحية والوطنية ذاتها، ويقول هؤلاء إنْ كان الأمر جدياً فهذا ما يجب أن يكون عليه الحال، إما أن يرفض فرنجية أو أن يرحب عون وإنْ كان مناورة فهكذا يجب أن تُقطع المناورة برفض فرنجية وترحيب عون.
– مشكلة هذا الطرح أنه بعيد عن الواقعية ثلاث مرات، الأولى أنه ينفي عن ترشيح فرنجية السمة الأولى الأهمّ فيه، وهي التي يجب أن يتوقف عندها كلّ أطراف الثامن من آذار من كونها، وفقاً لوصف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، إعلان انهزام لفريق قاتل ترشيح عون لأسباب تتصل بخياراته الإقليمية وتحالفه مع المقاومة وتمسكه بسلاحها ودفاعه عن قتالها في سورية، فإذ به بعدما صارت مشكلته شكل التحدّي بترشيح عون لا يستطيع أن يجد حلاً وسطاً إلا تبني ترشيح من هو أشدّ تجذّراً في الخيارات التي تمّ رفض عون بسببها. ويكفي أن يأتي ترشيح فرنجية الذي يوصف بأنه الصديق الشخصي للرئيس السوري بشار الأسد من الحليف الأقرب للسعودية التي تعتبر قضية قضاياها الحرب التي تخوضها ضدّ الرئيس الأسد، وفي لبنان لا يجد حلفاؤها من يتبنّون ترشيحه لإنجاز الاستحقاق الرئاسي إلا الصديق الأقرب للأسد. وهذا يعني أنّ الفريق الذي تبنّى ترشيح العماد عون، وفرنجية في قلب هذا الفريق، ربح المعركة عندما تقاس بصفتها معركة خيارات سواء كان ترشيح فرنجية جدياً أم مناورة.
– المشكلة الثانية في بُعد الطرح الاعتراضي عن الواقعية، أنه ينزع من أيدي أطراف الثامن من آذار حقوقهم وواجباتهم في أصول إدارة اللعبة السياسية. فعندما يظهر خصمُك التابع حتى نخاعه الشوكي أنه صاحب قرار مستقلّ وقادر على تحمّل مسؤولية قول قناعات لا تعجب حلفاءه الإقليميّين والمحليّين، كما حاول الحريري الإيحاء، لا تصبح مطالبة فرنجية بالظهور بما هو أقلّ في مكانها، وعندما يُظهر الخصم الرغبة في لعبة الغموض لا يجوز الذهاب إلى لعبة كشف الأوراق، وعندما يظهر الخصم طرحه كمشروع جدّي، لكنه غير مكتمل ويحتاج إلى المزيد كي ينضج ومن ثمّ إلى التسويق، يصير من غير الجائز أن يتصرّف فريق تشكل المقاومة صمام الأمان لعلاقته وهي اللاعب الإقليمي الأبرز، وكأنه عاجز عن المبادلة بالمثل بالقول، فلنُنْضِجْهُ إذن وننتظر التسويق. لكن فلتكن الخطوة الأولى منكم. كذلك من اللاواقعية حصر الأمر بالثوابت والخيارات الكبرى وحرمان القادة السياسيّين من هوامش مناوراتهم والتطلع لخصوصياتهم كزعامات لديها شارع وجمهور وحق الطموح، لكن من ضمن أخلاق لم يحد عن ضوابطها أيّ من الزعيمين ميشال عون وسليمان فرنجية.
– المشكلة الثالثة في لاواقعية الطرح المتداول، هو أنه يتجاهل غياب لحظة واقعية للتسوية، فالمنطقة في أشدّ لحظات توترها وتقلباتها السريعة، والسعودية لا يمكن أن تتسامح بترك القرار الرئاسي للحريري، وهي تفقد كلّ أوراقها في المنطقة، وما تمّ يندرج بين التمهيد الجدّي والمناورة وجسّ النبض والسعي لإثارة عاصفة غبار، والتعامل الرسمي والعلني مع ما جرى يرتبط بتبلور ظروف تتيح تحوّله مشروعاً، وهو ما لم يحِن أوانه بعد، فليبق السؤال السعودي عن ردّ فعل حزب الله قائماً بلا جواب، وليبق ترشيح العماد عون قائماً وترشيح فرنجية محتملاً، وليبق الخيار أمام قوى الرابع عشر من آذار بينهما، ويصبح هذا عنوان التداول الرئاسي الوحيد، وليبق الخلاف في فريق حلفاء الحريري مصدر إرباك لصفّهم لا لصفّنا، وعلى مَن يريد مِن بينهم دعم عون رئيساً أن يفاوضه على الرئاسة والسلة المتكاملة وفي قلبها قانون النسبية، وأن يبحث عن كيفية تعويض فرنجية بعد تداول اسمه رئاسياً، وعلى مَن يريد فرنجية منهم رئيساً، أن يفاوضه على السلة ذاتها، وفي قلبها قانون النسبية، وأن يبحث عن كيفية تقديم الضمانات والالتزامات التي ترضي العماد عون وتياره بصفته المرشح الأبرز الذي لا انتخابات بدون رضاه وبدون قيامه هو بترشيح فرنجية بديلاً منه للرئاسة بصورة رسمية. وفي الأحوال كلّها فليبق واضحاً أن من يرتضي المساومة اليوم على العماد عون يساوم على النائب فرنجية غداً، وأنّ من نكّل بالتفاهم مع العماد عون أمس ليس ما يضمن أن يردعه عن النكول مع النائب فرنجية اليوم، وأنّ مَن يُرد أن يسمع معادلة القبول بالبحث عن بديل لعون اليوم فسيرغب بسماع معادلة القبول بالبحث عن بديل لفرنجية غداً، وهذا ما لم ولن يسمعَه. المعادلة الوحيدة القائمة هي عون مرشحنا الرسمي الوحيد والكلام الرئاسي معه، وفرنجية زعيم تليق به الرئاسة وعلى مَن يرتضيه حلاً رئاسياً أن يفتخر بقول ذلك علناً وتحويله مشروعاً رسمياً في التداول، بدءاً من مفاتحة العماد عون بذلك وصولاً إلى طرح الأمر ضمن مشروع سلة متكاملة على طاولة الحوار، وعندها فقط تُسمع الأجوبة التي يجب أن تُقال.
– فرنجية فعل ما يجب أن يفعل، وبكلّ أخلاقيات القادة الكبار، وقال ما يُنتظر منه أن يقول، بكلّ معايير الوفاء، وعون فعل ما يجب أن يفعل كقائد سياسي خبير، وامتنع عن الكلام منعاً لكلّ عبث وتأويل، بكلّ معايير الحنكة. يخطئ من يريد تصوير انتصار فريق سياسي كامل ينحصر الفوز الرئاسي بأحد أركانه، كأنه هزيمة له أو لبعضه، لأن لا مكان لرئيسين.