في ذكرى سلخ لواء اسكندرون الـ76: حقوق السوريين باقية مهما طال الزمن

ستة وسبعون سنة مرت على جريمة سلخ لواء اسكندرون عن وطنه الأم سورية وضمه إلى تركيا ولا تزال إرادة السوريين المتمسكين بكل ذرة من تراب أرضهم تواصل مواجهة أطماع العثمانيين المتجددة منطلقين من القناعة الثابتة بأن اللواء أرض عربية سورية لا بد أن تعود إلى أصحابها مهما طال الزمن.

ويقع لواء اسكندرون شمال غربي سورية ويطل على البحر المتوسط ممتداً على مساحة 4800 كم مربع ويسكنه اليوم أكثر من مليون ونصف المليون نسمة ولم تكن تبلغ نسبة الأتراك فيه عام 1920 أكثر من 20 في المئة ومن أهم مدنه اسكندرون وأنطاكية والسويدية وأرسوز والريحانية وباياس.

وخضع اللواء للاحتلال الفرنسي كباقي الأراضي السورية بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، حيث أقرت الدولة التركية الحديثة التي قامت بعد إلغاء الخلافة بعروبة اللواء في معاهدة سيفر الموقعة في 10 آب عام 1920 مع قوات الحلفاء.

وواصلت فرنسا وبريطانيا بعد احتلالهما لسورية الطبيعية رسم حدوده وفق متغيرات تلك المرحلة ومن بينها الحدود الشمالية لسورية حيث سلم المحتل الفرنسي الأقاليم السورية الشمالية إلى تركيا في اتفاقية لوزان عام 1923 بينما بقي لواء اسكندرون محافظة سورية كبقية المحافظات التي شاركت في التظاهرات ضد المحتل الفرنسي عام 1936 وانتهت باتفاق بين سورية وفرنسا في 9 أيلول من العام ذاته على منح سورية الاستقلال بما فيها اللواء ودخولها عصبة الأمم.

ورفضت تركيا إبقاء اللواء ضمن الدولة السورية وطالبت بتحويله إلى دولة مستقلة ورفعت القضية إلى عصبة الأمم بالتعاون مع فرنسا التي خالفت صك الانتداب الذي يمنع الدولة المنتدبة من التنازل عن أي جزء من الأراضي المنتدبة عليها فقامت عصبة الأمم بإرسال مراقبين دوليين إلى اللواء وعادوا إلى جنيف بانطباع أن الغالبية العظمى تعارض ضمه إلى تركيا.

ومع تصاعد التهديد الألماني النازي في القارة الأوروبية اتفقت فرنسا وتركيا في 24 كانون الثاني عام 1937 على جعل اللواء منطقة مستقلة ذاتيا في نطاق الوحدة السورية فشكلت عصبة الأمم لجنة خبراء أعدت نظاماً عاماً وقانوناً أساسياً للواء وحددت يوم 29 تشرين الثاني 1937 موعداً لبدء تنفيذهما.

وأعلنت تركيا وفرنسا أمام مجلس عصبة الأمم قبولهما بالتسوية الجديدة كحل نهائي لوضع لواء اسكندرون وفي كانون الأول عام 1937 وضع قانون الانتخابات ولكن محاولات التزوير التركية أفشلت إجراءها فاحتجت اللجنة الدولية المكلفة المراقبة على ذلك وأرسلت في 13 حزيران عام 1938 برقية إلى مجلس عصبة الأمم أبلغته فيها بأعمال الضغط التي مارستها السلطة التركية وهو ما دفع فرنسا وتركيا إلى قطع علاقاتهما باللجنة والمطالبة باستدعائها.

واتفقت فرنسا وتركيا في 23 حزيران عام 1938 على إدخال 2500 جندي تركي إلى اللواء بحجة المشاركة في حفظ الأمن وفي 29 حزيران عام 1938 غادرت اللجنة الدولية اللواء إلى لبنان وأعدت تقريرها النهائي الذي أظهر تفوق العرب عددياً على الأتراك ورفعته إلى السكرتير العام لعصبة الأمم في 30 تموز 1938 وشكلت فرنسا وتركيا في 18 تموز عام 1938 لجنة مشتركة للإشراف على الانتخابات بعد طرد اللجنة الدولية ولكن العرب قاطعوها ففازت القوائم التركية بالتزكية وفي الثاني من أيلول عام 1938 عقد مجلس اللواء المزور جلسته الأولى وانتخب رئيساً وشكل وزارة من الأتراك لتبدأ مرحلة تتريك طالت كل شيء بدءاً من اسمه الذي أصبح هاتاي وإلغاء التعليم باللغة العربية وتبني الليرة التركية كعملة رسمية بما يخالف النظام الذي وضعته عصبة الأمم.

وبعد اندلاع الحرب العالمية الثانية في الأول من أيلول عام 1939 استغلت تركيا تفكك عصبة الأمم وانشغال العالم بالحرب وأعلنت ضم اللواء نهائياً إليها في خطوة لم تعترف بها عصبة الأمم ولا خليفتها منظمة الأمم المتحدة بما يعني أن اللواء من وجهة النظر الدولية منطقة مستقلة تتبع سورية في شؤونها الخارجية وترتبط معها في العملة والجمارك والبريد.

وتعرض السوريون في لواء اسكندرون بعد ذلك لحملات تضييق استمرت عشرات السنين من قبل الأنظمة التركية المتعاقبة وتسببت في تهجير الكثير منهم بالتوازي مع نقل المحتل التركي آلاف الأتراك وتوطينهم في اللواء بهدف تغيير هويته السورية.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى