الأردن: وجهة بديلة للسياح الروس

إنعام خروبي

لم تقتصر تداعيات حادثتي تفجير الطائرة المدنية الروسية فوق سيناء قبل أسابيع، وإسقاط تركيا لطائرة الـ»سوخوي» الروسية مؤخراً، على الجانب السياسي فقط، بل كانت لهما تداعيات اقتصادية هامة، ولا سيما أنّ روسيا، بحسب محللين، شرعت في استثمار «سلاحها السياحي»، فضلاً عن السياسي والعسكري على الساحة الشرق أوسطية.

وبعد أن غيّرت روسيا مسارات الرحلات الجوية وأجلت سياحها من منطقة شرم الشيخ المصرية التي يؤمُّها حوالي ثلاثة ملايين سائح سنوياً، ضمن حزمة احتياطات اعتمدتها لحماية مواطنيها من تهديدات تنظيم «داعش» الإرهابي، قام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالتوقيع على مراسيم تمنع السياحة من روسيا باتجاه تركيا التي يزورها أكثر من ثلاثة ملايين روسي سنوياً، بالإضافة إلى توقيعه عريضة بمنع الطائرات السياحية كلها من الذهاب إلى تركيا، ومراسيم تقضي بفرض ضرائب عالية على البضائع التركية التي تأتي إلى روسيا.

وسط ذلك، يبدو أنّ القطاع السياحي الأردني سيكون المستفيد الأول من هذه الإجراءات، ولا سيما أنّ روسيا صنّفت المملكة الأردنية ضمن الدول الآمنة على رحلات الطيران الروسية في تقرير يتحدّث عن 47 دولة تشكل خطراً على رحلات الطيران الروسي، بحيث أشارت الخريطة المرفقة بالتقرير إلى أنّ الأردن يُعدّ آمناً بالنسبة إلى رحلات الطيران الروسية٬ بينما تشكل دول مثل مصر وسورية وتركيا خطراً على رحلات الطيران الخاصة بروسيا.

وبالفعل، بدأ السياح الروس يتوافدون إلى العقبة، وأفادت مصادر رسمية أردنية بأنّ 91 طائرة روسية ستحط في مطار الملك الحسين الدولي في العقبة حتى شهر آذار المقبل تحمل على متنها سياحاً روساً اختاروا المملكة والعقبة تحديداً وجهة سياحية لهم. وكانت حطت في مطار الملك حسين الدولي في العقبة الشهر الماضي، طائرة روسية على متنها 230 سائحاً روسياً كانت متجهة سابقاً إلى مطار شرم الشيخ، بحسب المصادر. وسط ذلك، اتخذت سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة وبالتعاون مع كافة الأجهزة والجهات المعنية التجهيزات والاستعدادات كافة لاستقبال السياح الروس، كما أنّ القطاعات السياحية والفندقية قدّمت عروضاً وأسعاراً تحفيزية، متوقعة أن يسهم ذلك في تعزيز وتيرة الاقتصاد الوطني وتحريك قطاعات أخرى خدمية مساندة للقطاع السياحي، بما في ذلك قطاعات التجارة والنقل والخدمات.

وتعتبر العقبة سوقاً تقليدية للسّياح الروس الذين يؤمّونها اعتباراً من شهر تشرين الثاني من كلّ عام وحتى شهر أيار من العام التالي.

يُذكر أنّ العقبة تحديداً، والمثلث السياحي الذهبي عموماً العقبة، وادي رم، والبتراء يشكلان ما نسبته 70 في المئة من حجم العمل في القطاع السياحي، فمدينة العقبة الساحلية التي تقع على البحر الأحمر تتمتع بمناخ مماثل لمناخ شرم الشيخ، بينما تشكل مدينة البتراء التاريخية مقصداً للسياح المهتمّين بالتاريخ والآثار، أما وادي رم أو وادي القمر، فيمكنه أن يكون أيضاً نقطة رحلات «السفاري» الصحراوية البديلة، في حين يعدُّ البحر الميت أحد أكبر المنتجعات الصحية في العالم.

ومن المتوقع أن تكون لتغيير وجهة السياح الروس نحو الأردن آثار إيجابية على القطاع السياحي الأردني الذي تشكل عائداته نحو 14 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، والذي يعاني منذ العام 2011 تداعيات ما سُمّي بالربيع العربي، حيث بدأت أعداد الزوار والعائدات بالتراجع، ثم ساءت الأوضاع بعد سيطرة تنظيم «داعش» الإرهابي على مناطق شاسعة في سورية والعراق.

في هذا الإطار، ترى مصادر رسمية أردنية أنّ سبب هذا التراجع هو عدم وضوح الرؤية لدى الزائر بوضع الأردن، كاشفة أنّ عائدات قطاع السياحة في الأردن سجلت تراجعاً بنسبة 15 في المئة في الثلث الأول من 2015 مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2014. وفي المقابل، تشير مصادر روسية إلى أنّ من أبرز المعوقات التي كانت تحدُّ من تدفق السياح الروس إلى الأردن، تلك المتعلقة بمشاكل النقل الجوي بين ارتفاع أسعار تذاكر الطيران وارتفاع أسعار الفنادق والخدمات السياحية، موضحة أنّ العمل على تخفيض الكلف على السائح الروسي سيحفزه على القدوم والتمتع بمناخ الأردن الجميل، وتمكينه من زيارة المواقع السياحية.

وبحسب تقارير اقتصادية، انخفض دخل قطاع السياحة في المملكة من 1035 مليون دينار نحو 1.4 مليار دولار في الأشهر الأربعة الأولى من العام 2014 إلى 880 مليون دينار 1.2 مليار دولار للأشهر الأربعة الأولى من العام 2015، وكما بات معلوماً، فقد زار الأردن أكثر من 7 ملايين سائح العام 2010 قبل أن يتراجع هذا الرقم إلى 5.5 ملايين العام الماضي.

يُشار إلى أنّ الأردن يخطِّط للاستفادة من الفرص التي يتيحها قرار موسكو بوقف الرحلات السياحية إلى مصر، والتي يزورها سنوياً أكثر من 3 ملايين سائح روسي، علماً أنه قدّر عدد السياح الروس في مصر يوم سقوط الطائرة المدنية الروسية بنحو 80 ألفاً. والاستفادة كذلك من إيقاف الرحلات السياحية الروسية إلى تركيا على ضوء تراجع النشاط السياحي بنسبة 15 في المئة في الربع الأول من العام الحالي، مقارنة بالفترة ذاتها من العام 2014، نتيجة للأوضاع الأمنية والسياسية المضطربة في الشرق الأوسط. وما يسترعي الانتباه في هذا الإطار، هو أنّ تنامي احتمالات تطور العلاقات الأردنية ــــ المصرية، يترافق مع حرارة سياسية مستجدة على خط موسكو ــــ عمّان في الآونة الأخيرة. فالأردن، وفق بعض التحليلات، يقرأ المتغيّرات الإقليمية والدولية المتسارعة، وهو في صدد إقرار انعكاساتها في سياسته الخارجية، كما يتبدّى من سلسلة زيارات الملك الأردني إلى موسكو في الآونة الأخيرة. مشهد التهديدات الأمنية المتزايدة، والأوضاع الاقتصادية المتردّية داخل المملكة، فضلاً عن مشكلات حلفائها السياسية والاقتصادية، كلها عوامل تبرز حاجة لدى صنّاع القرار الأردني إلى تدشين «صيغة مبتكرة للبقاء»، لا تتورّع عن اقتحام السياسة الخارجية لعمان منطقة «رمادية»، قد تحمل في معنى من المعاني انفتاحاً أكبر على موسكو، وربما أكثر.

سياسة روسيا الدولية، وأسلحتها ذات السمعة المرموقة كانا على الدوام أبرز مفاتيح علاقاتها الخارجية. واليوم، تمسك روسيا بمفتاح آخر للقوة، يتمثل بالتعاون الاقتصادي مع الدول الأخرى. فالأحداث الأخيرة بدت كتجربة حية لإعلان موسكو أنّ سُيّاحها، هم سلاحها الجديد لـ «الدمار الشامل»!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى