الاهتمام الغربي بـ«السياحة الانغماسية» في لبنان يضع الرئاسة على نار حامية البقاع الغربي أولاً ثم صيدا أو طرابلس «موصل» لبنان؟
كتب المحرر السياسي
لبنان التائه على إيقاع التقارير الدولية المتضاربة بين دعوات انتظار التفاهمات الخارجية الكبرى، التي ستفرج عن اسم الرئيس العتيد أو لائحة قصيرة للمرشحين تسبق التشاور حول حظوظهم، وبين تقارير معاكسة تتسارع وتتواتر في اليومين الأخيرين تنبئ بخطورة الانتظار الطويل، والعجز عن تحمّل تبعاته وتدعو لتخفيض السقوف المتبادلة لإنتاج التفاهم على رئيس حلّ بدلاً من رئيس يملك مفاتيح الحلّ، يستهلك لبنان في قلب هذا الانتظار القاتل فرص الحوار الداخلي، كما يستهلك الحلول المفترضة لأزمات ضاغطة من سلسلة الرتب والرواتب، وصولاً إلى تفرّغ أساتذة الجامعة اللبنانية، وحسم تصحيح الامتحانات وارتباط مستقبل العام الدراسي بها، فالصيف الحار يمضي بسرعة تحت تأثير العطل من جهة وحرارة التحديات الأمنية المتلاحقة من جهة أخرى، بينما الذي يستهلك ما هو أهم دستورياً، وهو الوقت المتبقي من عمر الولاية الممدّدة للمجلس النيابي، والتي لم يعد ممكناً تجاهل تناقصها وشحّ زيت عمرها، فتشرين وراء الباب كما يُقال.
قفز مستقبل التمديد المقترب من نهاية مدّته لولاية المجلس النيابي إلى الواجهة مجدّداً، فانتظارات الرئاسة تحتاج مجلساً نيابياً شرعياً ودستورياً منتخباً أو مجدّداً لتمديد ولايته، وربما تكون الدعوة إلى رئيس تسوية قبل نهاية الولاية الممدّدة، التعبير الأدق عن تقاذف كرة المسؤولية هذه المرة بشدّة أكبر تجاه من سيتحمّل عبء القرار المخجل مرة ثانية، لذلك يقفز فوراً الحديث عن قانون جديد للانتخابات يعلم الجميع أنه غير متاح صوغه اليوم بمثل ما كان غير متاح بالأمس، فالنقاش بقانون الانتخاب ليس نقاشاً للأفضل ديمقراطياً والأصوب تمثيلياً، بل وفقاً لما تقوله الآلة الحاسبة التي يخفيها كلّ طرف في جيبه لمعرفة أي أكثرية تنتج، وما سيرغبه فريق سيتكفل برفضه الفريق المقابل، لتصير العودة إلى أحد خيارين متاحين، التفاهم الرئاسي قبل نهاية الولاية الممدّدة أو الذهاب إلى تمديد جديد، وعند الاقتراب من حسم الخيار يتضح المناخ الإقليمي الحقيقي أمام تدفق مصطلحات أنتجها الخطر الأمني مثل «السياحة الانغماسية» في لبنان، والمقصود هنا زوار خليجيون يتخفّون بصفة سياح لتنفيذ عمليات انتحارية يسمّونها «عمليات انغماسية».
لبنان في مرحلة «داعش» ومشروعه يحاول استكشاف حدود المخطط، والاستعداد لملاقاته بالتحضيرات التي تتناسب مع ضرورات تعطيله، خصوصاً مع بدء شهر رمضان الذي يمثل فرصة إضافية للمجموعات المشابهة في توظيفه لشحذ همم الانتحاريين.
أن تكون حدود الاستخدام للبنان هي الإرباك والإشغال والإنجاز الإعلامي هو الحدّ الأدنى الذي لا يجوز الركون إليه، كما قال مصدر أمني رفيع على صلة مباشرة بالحرب الدائرة مع داعش لـ«البناء»، والسقف الأعلى أن يكون ضمن الخطة قفزة نوعية بالسيطرة على جزء من الجغرافيا اللبنانية ذات الطبيعة الطائفية التي تأمل خطة داعش بتحويلها بيئة حاضنة.
التفتيش جار عن «الموصل اللبنانية» فهل هي صيدا أم طرابلس أم إقليم الخروب؟
صيدا بسبب بقايا الحالة الأسيرية وموقعها المثير على الجنوب وصلتها بمخيم عين الحلوة تتقدم كلّ المناطق المرشحة لتكون بنظر «داعش» قواعد ارتكاز، لذلك تحظى بالعناية الأمنية والمتابعة والرصد والتتبع، لكن الانتباه ذهب نحو منطقة لم تكن في الحسبان هي البقاع الغربي، الذي يرى المتابعون عن كثب أنه الأكثر تلبية لمتطلبات خطط «داعش» لوقوعه على خط حدودي فاصل يربط الجغرافيا السورية بالجغرافيا اللبنانية من جهة، لكنه يربط هاتين الجغرافيتين في مناطق يمكن لـ«داعش» بدعم إسرائيلي بدا أنه جاهز، أن تحظى بربطهما بالجغرافيا التي وقعت بيد «داعش» في العراق وسورية وصولاً إلى حدود الأردن. فالبقاع الغربي لجهة الحدود السورية يتصل بمساحة من محافظ القنيطرة وصولاً إلى الحدود السورية مع الأردن في منطقة الشجرة واليرموك، ومن هناك امتداد يمكن أن يتواصل عبر الأردن الذي يبدو أنّ جزءاً من جغرافيته يقع ضمن مخطط «داعش» للوصل بجغرافيا «داعش» العراقية.
مواجهة الإرهاب يضع الملفات الأخرى «على الرّفّ»
إذاً، فعلى وقع إعلان تنظيم «داعش» الإرهابي دولته تحت عنوان الخلافة وفي ظل المعلومات الأخيرة حول تدريبات يجريها هذا التنظيم لانتحاريين لإرسالهم إلى لبنان. بقي الوضع الأمني في وتيرة متصاعدة، الأمر الذي جعل القضايا والملفات الأخرى موضوعة جانباً حتى إشعار آخر، واللافت أيضاً إعلان «داعش» أميراً تابعاً لها للبنان ما يؤكد الاستهداف الإرهابي القائم ضد لبنان واللبنانيين. وقد علمت «البناء» من مراجع بارزة أنه جرى يوم السبت أول من أمس رفد المزيد من تحرك الخلايا الإرهابية، في الوقت الذي واصلت مخابرات الجيش والأجهزة الأمنية تعقب هذه الخلايا في إطار الخطة الموضوعة لمواجهة الخطر الإرهابي.
وقد استمرت التحقيقات في انفجار فندق «دو روي» في الروشة، مع اعتراف الانتحاري الموقوف عبد الرحمن الشنيفي أنّ الخطة التي رسمها المنذر الحسن للهجوم على مطعم الساحة تقضي بأن يدخل أحد الانتحاريين السعوديين إلى المطعم ويكون مزوّداً برشاش إضافة إلى حزام ناسف، ويطلق النار على رواد هذا المطعم قبل أن يفجر نفسه. وعندما تتجمّع فرق الإسعاف وباقي المواطنين من أجل أعمال الإنقاذ يقوم الانتحاري الثاني بتفجير نفسه.
كما تبيّن في التحقيقات أنّ الانتحاريين كانا مزوّدين بـ3 أحزمة ناسفة، حزام يزن 3 كيلوغرامات، وحزامان يزن كّل منهما 10 كلغ من المواد الشديدة الانفجار.
وتشير المعلومات إلى أنّ عبد الرحمن الشنيفي هو الذي لاحظ وصول قوى الأمن العام إلى الفندق، وعندما وصل عناصر الأمن العام الـ3 إلى باب الغرفة قام الانتحاري المدعو عبد الرحمن الحمقي بإعداد الحزام الناسف الذي يزن 3 كلغ وألقاه باتجاه الباب وانفجر ما أدى إلى مقتله وإلى إصابة عناصر الأمن العام، كما أصيب زميله الانتحاري الشنيفي بحروق وجروح.
وأفادت مصادر أمنية «البناء» أنّ الأجهزة الامنية المختصة نفذت في الأيام الماضية 12 مداهمة في بيروت والشمال والقلمون، أسفرت عن توقيف 6 أشخاص، إضافة إلى ضبط مخازن أسلحة وتصنيع عبوات في جوار الفنيدق.
وأعلنت قيادة الجيش أنّ مديرية المخابرات داهمت مغارة في منطقة جرود فنيدق كانت تستخدم لإعداد وتصنيع العبوات لتنفيذ عمليات إرهابية حيث عثرت فيها على عبوات جاهزة للتفجير وأسلحة وأقراص مدمجة وشرائح خطوط وأجهزة خلوية عدة، إضافة إلى وثائق وكتب تتضمّن دروساً في تصنيع المتفجرات. ونفذت قوة من الجيش عمليات دهم من بلدة فنيدق ومحيطها. وأشارت المعلومات إلى أنّ التحقيقات مع الموقوفين في فنيدق كشفت أنّ هؤلاء كانوا يزوّدون انتحاريين بأحزمة وعبوات ناسفة كان آخرها لانتحاريي فندق «دو روي».
وأكدت المصادر أنّ هناك مخططاً إرهابياً لاستهداف التجمّعات البشرية في بيروت الغربية خلال شهر رمضان، وأنّ تسريبات تحدثت عن أن بعض المناطق كان ضمن بنك الأهداف للخلايا الإرهابية التي تمّ توقيفها.
وفيما قلص حزب الله لدواعٍ أمنية من موائد الإفطار التي يقيمها خلال هذا الشهر، وألغت كلّ من حركة أمل وجبهة العمل الإسلامي الإفطارات حفاظاً على أمن المواطنين. أشار مصدر مقرب من حزب الله لـ»البناء» إلى تنسيق أمني كبير بين «الحزب» وبين الأجهزة الأمنية في الضاحية، واستنفار شعبي مترافق مع إعادة التحصينات التي أزيلت منذ فترة، لحماية المنطقة من المجموعات الإرهابية.
وأكد مصدر أمني لـ»البناء» أنّ جهود القوى الأمنية التي أسفرت عن توقيف العديد من الشبكات الإرهابية نجحت في الحدّ من مخططات التفجير إلا أنها لن تتمكن من القضاء عليها في ظلّ الدعم الخليجي لهذه المنظمات التكفيرية ودعمها بالأموال، مشيرة إلى أنّ لبنان المكشوف أمنياً على غرار دول المنطقة سيبقى عرضة للأعمال الارهابية لا سيما أن هناك مجموعات تنتمي إلى تنظيمات إرهابية تتنقل في المناطق اللبنانية على رغم الإجراءات الأمنية.
وفي الإطار ذاته، أظهرت التحقيقات أن «داعش» عيّنت المدعو عبد السلام الأردني أميراً على لبنان الذي قام بتشغيل المنذر الحسن مزوّد الانتحاريين في فندق «دو روي» بالمتفجرات.
بري يشيد بالأجهزة وينتقد تعطيل المؤسسات
وقد أكد رئيس المجلس النيابي نبيه بري أمام زواره أمس استمرار خطر الإرهاب، مشدداً مرة أخرى على وجوب استثمار كل الأمن، ومنوهاً بما قام ويقوم به الجيش والقوى الأمنية التي تعتبر مصدر ثقة البلد في ظل هذا الفراغ السياسي الناجم عن عدم انتخاب رئيس الجمهورية وتعطيل المجلس وشلل الحكومة، وجدّد بري انتقاده للذين يعطلون المجلس، رافضاً كل التبريرات والحجج التي يطلقونها لهذه الغاية.
انتشار القوة الفلسطينية في عين الحلوة بعد الأربعاء
في هذا السياق، تواصل القوى الفلسطينية في مخيم عين الحلوة عبر لجنة الارتباط مساعيها لإنجاز الإجراءات اللوجستية لنشر القوة الفلسطينية المشتركة في المخيم بهدف ضبط الأمن فيه، ومنع المجموعات المتطرفة التي تحاول استخدامه لتنفيذ اعتداءات ضد مناطق لبنانية من خلال تجهيز الإرهابيين، وكشف قيادي فلسطيني في لجنة الارتباط لـ»البناء» إنه اعتباراً من بعد غد الأربعاء سيبدأ العد العكسي لتحديد ساعة الصفر لانتشار القوة الأمنية في المخيم وإقامة الحواجز في داخله وعلى مداخله.
وقال: «إن الأمور تسير بشكل مرضٍ، على رغم بعض العقبات التي أدت إلى تأخير نشر القوة». وأضاف: «أنه كانت هناك بعض الإشكالات مع التنظيمات السلفية، خصوصاً في حي الطوارئ، وأوضحت أنه بعد سلسلة اتصالات جرى الاتفاق مع هذه التنظيمات على نشر عناصر على مداخل الطوارئ لا تشكل استفزازاً لها، وهذه العناصر ستكون من عصبة الأنصار وآخرين.
وأشار إلى أن التأخير يعود أيضاً إلى معوّقات مالية منها تحويل الأموال من السلطة الفلسطينية لتجهيز القوة وتأمين المسائل اللوجستية لها، من كاميرات وغير ذلك.
وقال القيادي الفلسطيني: «إن القوى ستدخل إلى كل أنحاء المخيم، مؤكداً أن أبناء عين الحلوة يضغطون لنشرها في أسرع وقت ممكن لأنهم مع الفصائل حريصون على أحسن العلاقات مع الدولة اللبنانية وأجهزتها الأمنية».
اتصالات لإحداث خرق في الملف الرئاسي
في موازاة ذلك، تنشط الاتصالات الدولية والاقليمية لا سيما الفرنسية والأميركية والبريطانية والسعودية لإحداث خرق في الملف الرئاسي وإنهاء حالة الشغور. ويلتقي رئيس جبهة النضال الوطني النائب وليد جنبلاط في الساعات المقبلة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند للبحث في الاستحقاق الرئاسي، في ظل إصرار النائب جنبلاط على ترشيح النائب هنري حلو للرئاسة الذي يعتبره رئيس التقدمي الحل الوحيد للخروج من الشغور الرئاسي، مع تشبث كل من رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون ورئيس حزب القوات سمير جعجع بموقفهما.
إنهاء الشغور أواخر تموز
وعلمت «البناء» أنّ معلومات تتردّد أنّ الحراك الرئاسي الدائر سيؤول إلى إنهاء الشغور الرئاسي في الأسبوع الذي يلي قسم الرئيس السوري بشار الأسد في 17 تموز المقبل.
رئيس المجلس يرفض التمديد للمجلس
وعلى صعيد الاستحقاق الرئاسي، فإن شيئاً جديداً لم يطرأ على هذا الملف، الأمر الذي يؤكد أن جلسة 2 تموز سيكون مصيرها كسابقاتها في ظل مسلسل الانتظار المستمر، واللافت بدء الكلام عن الانتخابات النيابية أو التمديد مرة أخرى للمجلس ما جعل الرئيس بري يؤكد أمام زواره رفضه للتمديد ووجوب إجراء الانتخابات في موعدها. داعياً إلى عدم إدخال هذا الموضوع في المزايدات السياسية.
تصوّر عوني لانتخابات نيابية على مرحلتين
ويعقد رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون مؤتمراً صحافياً اليوم سيخصصه لملفي الاستحقاق الرئاسي والانتخابات النيابية، معلناً عن تصور لإخراج لبنان من مأزق الفراغ الرئاسي.
وأكد مصدر مطلع في التيار الوطني الحر لـ«البناء» أن الجنرال عون لن يغير في مبادئه القائمة على ضرورة الحوار بين القوى السياسية لحماية السلم الأهلي، وسيشدد على الحوار مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري وأن العلاقة بين التيار الوطني الحر وتيار المستقبل لا تقتصرعلى ملف الرئاسي.
واعتبر المصدر أن رئيس تكتل التغيير والاصلاح سيعلن عن طرحه للانتخابات النيابية القائم على إقرار قانون انتخابي جديد تجري الانتخابات النيابي على أساسه، وعلى المرحلتين، بمعنى أن ينتخب المسيحيون النواب المسيحيين والمسلمون النواب المسلمين وفق مشروع اللقاء الأرثوذكسي، لتجري المرحلة الثانية من الانتخابات على مستوى الوطن بحيث ينتخب المسيحيون والمسلمون سوياً النواب الذين تأهلوا من المرحلة الأولى بالانتخابات.
ويشير مصدر نيابي لـ»البناء» إلى أن المجلس النيابي الذي سينتخب وفق هذا القانون من شأنه أن يوصل العماد عون إلى رئاسة الجمهورية، مع تعذر انتخابه رئيساً للجمهورية في ظل المجلس الحالي الذي لا ترجح فيه الكفة لأي من الفريقين في 8 و14 آخر.
ودعا بطريرك انطاكيا وسائر المشرق للروم الأرثوذكس يوحنا العاشر اليازجي السياسيين في لبنان لكي يكونوا على قدر المسؤولية التي ائتمنهم الشعب عليها، وأكد أن الحوار والتلاقي هو الكفيل لحفظ الاستقرار، مشدداً على أن الفراغ الرئاسي في لبنان يعطل المؤسسات المؤتمنة على خدمة المواطن.
وأعلن البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي أن نواب الأمة ومن وراءهم ما زالوا يقدمون خيبة الأمل للبنانيين ولأصدقاء لبنان ومحبيه ويكررونها في كل مرة يدعون إلى المجلس النيابي لانتخاب رئيس للجمهورية، وكأنّ عدم الانتخاب أمر عادي للغاية.
وبحسب المعلومات فإنّ الاتصالات القائمة مسيحياً بخصوص الانتخابات الرئاسية تراوح مكانها وأنّ الاتصالات التي حصلت في الأسبوعين الماضيين لم تُفضِ إلى أي مقاربات جدية بهذا الخصوص.