المائدة للسيسي والوجبة الرئيسية داعش

ناصر قنديل

– تبدو السيولة التي تمرّ بها أوضاع المنطقة دليلاً على غياب مشروع قادر على التقاط تفاصيل التوازنات التي أسفرت عنها، فالقوة التي كانت تقود العالم شاخت وهي الولايات المتحدة الأميركية التي فقدت قدرة خوض الحروب بعدما فقدت قدرة تحقيق النصر في الحروب التي خاضتها، بينما سقف تطلع القوة الصاعدة التي تشكلها روسيا بالتحالف مع الصين والاستثمار على مصادر قوة حلفائها خصوصاً إيران وسورية، هو مقاسمة الأميركي صناعة التسويات وارتضاء الخروج من مواجهة القرن بمعادلة رابح رابح، التي بشر بها وزير الخارجية الأميركي جون كيري ديبلوماسييه في الشرق الأوسط في قصر المؤتمرات على البحر الميت بالأردن قبل شهور.

– على الساحة الإقليمية سقطت محاولات إنتاج قوة قائدة تملأ فراغ الضعف الأميركي وتزوده بمصادر قوة بديلة لإنتاج زعامته العالمية مجدداً، وكان أبرزها ظهور المثلث التركي القطري الإخواني في ذروة «الربيع العربي» ووصل الإخوان المسلمين للحكم في مصر وبلدان شمال أفريقيا، وبعدما ترنح المشروع على أسوار دمشق سقط مضرجاً في شوارع القاهرة، وعلى رغم حشد الإمكانات المالية والاستخبارية لتعويض الفراغ عبر إسناد دفة القيادة للسعودية التي ورثت بصيغة ما مصر ما بعد الإخوان، واستجلبت القاعدة بكل عفاريتها لحسم المعركة في سورية، فقد فشلت المحاولة بينما كانت إسرائيل قد أخرجت من السباق أصلاً منذ فشلها المتتالي في الحروب على المقاومة من لبنان إلى فلسطين، وهي على لائحة الانتظار لما ستنتجه المواجهات الحاسمة حول مستقبل سورية لتقرر الدخول في حلف حلفائها المنتصرين، الذين ما عرفوا أن ينتصروا وزادوا خيباتها خيبات.

– القوة الصاعدة الإقليمية التي تشكلها إيران والتي يتعزز وضعها أكثر فأكثر، ليست بوضع يؤهلها من دون شريك عربي من جهة وشريك سني من جهة مقابلة، لملء الفراغ العربي والإسلامي، وكانت المعادلة الإيرانية السورية التركية القطرية قبل الأزمة السورية وتموضع تركيا وقطر على الضفة المقابلة قد أعدت لهذا الغرض، بانتظار استقطاب السعودية ومصر لمشروع نظام إقليمي تحت عنوان البحار الخمسة الذي أطلقه الرئيس بشار الأسد، لملء الفراغ الإستراتيجي لما بعد الانسحاب الأميركي من العراق وأفغانستان، اليوم وفي ظل وضع سورية في قلب الحرب ووضع تركيا الخائف من فواتير الهزيمة والعاجز عن تحقيق نصر ووضع السعودية التي تلعب أوراقها كلاعب القمار اليائس والمراهن على تعويض الخسائر بضربات مغامرة، تفتقد المنطقة فرصة ترتيب الأوضاع السياسية والأمنية لصناعة الاستقرار ما بعد العاصفة، وترصيد الأرباح والخسائر وترسيم حدود التوازنات.

– لا قوة قادرة على الذهاب للنهاية في الصراعات والخروج بربح كامل، هذه هي حقيقة المشهد الإقليمي، وعلى خلفيته المشهد الدولي، وبمثل ما تبدو الإرادة الدولية جاهزة أميركياً وروسياً للاعتراف بهذه الحقيقة، يبدو أن ساحة صناعتها هي الشرق الأوسط، وساعة ولادتها هي نضج الحلفاء لتسويات إقليمية لا تبدو ناضجة ولا جاهزة.

– ينظر البعض لما يجري في العراق باعتباره الجولة الأخيرة لترسيم التوازنات التي ستبنى على أساسها التسويات، بينما الحقيقة هي أن الحلف السعودي التركي ومن ورائه الأميركي لا يستطيع أن يسجل انتصار داعش في العراق في رصيد حساب انتصاراته، فالتتمة لمثل هذا الانتصار ستكون وبالاً على تركيا والسعودية والغرب بالتتابع، لذلك يجب النظر إلى المشهد العراقي من زاوية مثلثة، من جهة إنتاج توازن القلق بين الحلفين المتحاربين بعدما كانت الانتصارات السورية قد نجحت في جعل القلق على الضفة المقابلة وحدها، وتوازن القلق هو توازن قوى في نهاية المطاف وتوازن مخاطر مماثل، يريده الحلف السعودي التركي للحلف السوري الإيراني، لتجهيز مائدة تفاوض متوازنة، ومن زاوية ثانية فإن ما جرى ليس تدبيراً سعودياً تركياً صافياً بل هو استثمار منفرد لداعش على سيولة المشهد وعجز المتصارعين عن صناعة نصر وصناعة تسوية، فيقتطع اللاعبون الصغار حصصهم من ساحات الاشتباك كما في كل الحروب الكبرى يملأ الخاصرة الرخوة مولود جديد، ومن زاوية ثالثة يمثل ما يجري في العراق بعد التعبير عن التحدي والاستثمار فرصة، فهو ساحة مشتركة للاعبين الدوليين والإقليميين، وهو ساحة تسمح فيها تجربة داعش بتظهير فريق وتكبير حجمه ليصير النصر عليه حاجة اضطرارية للجميع، ونصراً مشتركاً للجميع يضيع مناخات الهزائم والانتصارات التي سبقته، وتوزيع أرصدة النصر على الجبهتين، ويسمح بالتالي بالخروج في معادلة المنطقة وفقاً لمعادلة رابح رابح أيضاً.

– رأس داعش سيشكل المائدة، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي المنهمك أفريقياً ومصرياً والمبتعد عن ساحات المواجهات، يبدو المرشح للعب دور صاحب الدعوة للبدء بالتشبيك بين جبهتي الحرب، وهو الواقف بلا موقف يتورط مع إحدى الجبهتين، على رغم قربه اللصيق بإحداهما عبر علاقته المميزة سعودياً وأميركياً، بينما لا يزال يملك الكثير من الهوامش الروسية والسورية معاً، ما يجعله جاهزاً مع تقدم المسار العراقي في المواجهة العسكرية وصناعة السياسة، مؤهلاً للبدء بالخطوات الأولى نحو موائد الحوار.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى