صحافة عبريّة
ترجمة مركز «شتات»
في «صندوق العدّة القديم»… لا ردّ مناسبٌ على الإرهاب الفرديّ!
كتب كوبي ميخائيل وأودي ديكل
اندلاع الإرهاب الفلسطيني قبل حوالى شهرين، فاجأ إلى حدّ ما الجمهور والقيادة في «إسرائيل»، بسبب تتابع الهجمات وتكرارها واختيار مناطق عمليات الطعن في معظم الأحيان. دافع اندلاع الهجمات مركّب: ديني وقومي واجتماعي. وشرارة اندلاعه المشاعر الدينية التي تركزت في الصراع على المسجد الأقصى، في الوقت ذاته، يجب عدم التنصل من إلهام أفكار الجهاد الثورية لـ«داعش»، الشباب المهاجمون تحرّكهم مشاعر من الإحباط القومي والاقتصادي والاجتماعي، وكذلك من الفهم أن جميع الطرق مغلقة في وجوههم وليس لديهم من يعتمدون عليه، ومن فقدانهم الثقة بجميع طبقات القيادة الفلسطينية، وذلك كله من في إطار الرغبة في تفكيك الواقع القائم من دون الالتزام بترتيب مستقبلي محدد.
جزءٌ من الهجمات نابع أيضاً من الشعور بأن «ليس هناك ما نخسره». القيادة، سواء قيادة السلطة أو قيادة حماس في غزّة، منشغلة بنفسها وبصراع بقائها، أضف إلى ذلك فقدان الاهتمام الإقليمي، لا سيما من قبل مصر والأردن بما يدور في قطاع غزة والضفة الغربية. والمنظومة الدولية من جانبها فقدت هي الأخرى الاهتمام بالقضية الفلسطينية وما زالت تركز على محاربة «داعش»، خصوصاً بعد الهجوم الإرهابي التي وقع في فرنسا هذا كله يعزز في أوساط الفلسطينيين الشعور بالهجر واليأس.
كثيرون من الجمهور «الإسرائيلي»، ومن بينهم سياسيون وشخصيات عامة، يجدون صعوبة في مواجهة واقع إرهاب السكاكين والدهس وإطلاق النار المستمر، في الوقت ذاته، كثيرون من هؤلاء يطلبون بفعلٍ ما هو أكثر ضد هذه الظاهرة، ويعودون إلى صندوق العدّة القديم المعروف، ذلك الذي وجدوه مجدياً وذا صلة في سنوات الانتفاضة الثانية، حيث واجهت «إسرائيل» إرهاباً منظماً، بينما اندلاع الإرهاب لا يشبه الانتفاضة الثانية، فهو فاقد للتنظيم ويحرّكه أفراد في معظم الأحداث لا يستخدمون سلاحاً نارياً، الغالبية العظمى من السكان الفلسطينيين، سواء في مناطق السلطة الفلسطينية أو في القدس الشرقية لا علاقة له بالإرهاب على رغم ان الهبة وصفت بأنها شعبية ، حتى وإن أمكن ملاحظة مقدار من التعاطف مع منفذي الهجمات، وهناك شك في ما إذا كان من الممكن اعتبار ذلك تأييداً واسعاً من الجمهور الفلسطيني للإرهاب. إضافة إلى ذلك العمليات الإرهابية والرد «الإسرائيلي» يعملان ضدّ المصالح الاساسية لغالبية السكان الفلسطينيين ويشوّشان حياتهم اليومية.
حقيقة أن غالبية المهاجمين هم أولاد وصبيان تشير إلى تفسخ البناء الاجتماعي والقيادي في المجتمع الفلسطيني وأجهزة ضبطه التقليدية العائلة والجهاز التعليمي الوجهاء والمخاتير، والقيادة السياسية ، في واقع ضعف البنى الاجتماعية والسياسية، وفي ظل الالهام الديني السلفي الجهادي، وعلى خلفية عدم وجود أفق سياسي، والتحريض المنهجي المؤسساتي للقيادة الفلسطينية تعتبر بنية تحويلية للتأثير وبث الرسائل المشجعة على تنفيذ عمليات إرهابية ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي. الصبيان الذين يعيشون الواقع الافتراضي على شبكات التواصل الاجتماعي يتغذّون بإلهام أبطال الجيل الجديد، وهم الفتيان الذي يشهرون السكاكين، والذين يعتقدون أن طعن يهودي وقتله ـ حتى وإن كلفهم ذلك حيواتهم ـ عمل بطولي.
هذا النوع من الإرهاب، لا سيما ذلك الذي ينفذه فتيان وفتيات، يتلقى في الظاهر ظلاً أرخى من إرهاب منظم يستخدم السلاح الناري، لذلك من المريح للقيادة الفلسطينية ومصممي الرأي العام تأييد إرهاب الصبيان، جهات في السلطة الفلسطينية تنظر إلى إرهاب الافراد باعتباره ميزة ليس له عنوان واضح ووسيلة لتحدي «إسرائيل» ومنعها من استخدام القوة العسكرية بكثافة عالية ضد أجهزة السلطة نفسها والجمهور الفلسطيني. حماس في غزة، ومثل فتح في الضفة الغربية، تواصل حملاتها التحريضية ـ لا سيما على مواقع التواصل الاجتماعي والمساجد ـ وبذلك تحاول ان تظهر للوعي الوطني دورهم في الأحداث الحالية، فتح تموضعت خلف العمليات التي تعتبرها موجة انتفاضة ضد الاحتلال وهي معنية باستمرارها، تعرب عن سرورها بسبب انتقال مركز الثقل إلى ساحة الخليل، وهي قاعدة قوتها في الضفة منذ سنين، ذلك بينما تحاول منع التصعيد في قطاع غزة.
ولكي نبلور ردوداً مجدية لاندلاع الإرهاب يجب ان نفهم محدودية الرد والتحرك «الإسرائيلي» بهذا الخصوص، ومن المهم التمييز بين الخطوات وأنماط العمل التي يمكن ان تساعد في تقليص الظاهرة وتوفر استجابة سريعة وفاعلة لتحييد المهاجمين، وبين الخطوات المعدة لتثبت ان «إسرائيل» تعمل بإصرار ضد الإرهاب، قدر الخطوات الخشنة البراقة هو التصعيد وارتفاع دوافع الانفراديين للقيام بتنفيذ هجمات، ناهيك عن الإرهاب الأكثر تنظيماً بما في ذلك مشاركة تنظيم حركة فتح والمساس بدوافع الأجهزة الأمنية الفلسطينية للعمل ضد الإرهاب والعنف ومواصلة التعاون من الجهات الأمنية «الإسرائيلية».
لم تفكر «إسرائيل» في السنوات الأخيرة في تجهيز صندوق عدة جديد يتناسب مع روح المرحلة، يركز على استخدام مجهودات اقتصادية وبنيوية واجتماعية وتربوية وتوعوية، من بينها استخدام الاعلام الجديد، وتطوير قيادة فلسطينية محلية مهتمة بمحن السكان، وشرعية تعتبر عنواناً للحديث مع «إسرائيل» ولجم العنف، مع عدم وجود أدوات جديدة، وحيث لا يوجد رد مناسب للمشكلة الاستراتيجية عدنا بقوة إلى استخدام صندوق العدة القديم. وفي «إسرائيل» من يدفعون إلى إعادة خطط فعالة مثل عملية السور الواقي والتي تبلورت كاستجابة لوضع مختلف في الهدف والاستخدام ومن شأنه ان يبدو كصفقة سيئة. الضغط الممارس على المستوى السياسي وعلى الأجهزة الأمنية للقيام بعمل ما بمفهوم القيام بعملية حازمة تغير أدوات اللعبة من شأنه ان يمس بحرية تصرف المستوى السياسي، وزعزعة رباطة الجأش، والرد المسؤول الذي اتخذ لغاية اللحظة وجره إلى اعتماد منطق عملي لا يتناسب مع جوهر الإرهاب الحالي.
دلالات طلائعية تشير إلى ذلك يمكن ايجادها في قرار تفتيش جميع السيارات الفلسطينية في إقليم الخليل ـ بيت لحم، وفي بعض النماذج أيضاً بالنسبة لمناطق يهودا والسامرة الضفة الغربية ، وفي قرار سحب تصاريح العمل في «إسرائيل» من أقارب منفذي الهجمات، ومنع دخول العمال الفلسطينيين إلى المستوطنات في «غوش عتصيون»، وفي فحص إمكانية فصل حركة السيارات الفلسطينية وحركة السيارات «الإسرائيلية» على طرقات يهودا والسامرة الضفة الغربية ، وفي تصاعد نمط الاعتقالات في صفوف الفلسطينيين على أساس الشبهة الخفيفة فقط، وفي دراسة خطوات أخرى مثل تطويق مساحات جغرافية وحضرية مثل الخليل خطوات من هذا النوع من شأنها ان تنقل مراكز الإرهاب إلى مناطق أخرى نابلس وجنين ودفع السكان الفلسطينيين غير المشاركين في الإرهاب إلى تأييد استخدام أشمل للإرهاب والعنف، أضف إلى هذا ان هذه الخطوات ستثقل كثيراً على الأجهزة الأمنية الفلسطينية التي تمنع الاحتكاك بين السكان الفلسطينيين مع الجيش «الإسرائيلي» وتواصل التنسيق الأمني مع الاجهزة الأمنية «الإسرائيلية».
فرصة تغيير الواقع الحاضر هي من خلال وضع أفكار جذابة خلاقة ضدّ التطرف القومي والديني الذي يحتل قلوب الفتيان في الضفة وغزة، ومن أجل ذلك يجب القيام باستخدام صحيح لشبكات التواصل الاجتماعي وتوجيه الاهتمام الكبير إلى المنظومة التعليمية الفلسطينية ومضمون الرسائل المبثوثة في وسائل الإعلام المختلفة إلى الجمهور. لا سيما الصغار، ومن خلال القيادة الفلسطينية أيضاً، بينما في وضع فيه القيادة الفلسطينية تفقد شرعيتها في نظر الجمهور الفلسطيني وتعتبر فيه غير ذات صلة فإنها ستجد صعوبة في إقناع الجمهور الفلسطيني بهجر العنف والإرهاب لا بل تنضم إلى الجوّ المؤيد للإرهاب. القيادة الفلسطينية تقف على طريق زلق، إذ ان الاحباط لدى الفتيان الفلسطينيين موجه إليها أيضاً والإرهاب يوشك ان يتوجه إليها أيضاً، وإلى ذلك فجهد «إسرائيل» في لجم الظاهرة يستلزم أولاً وقبل كل شيء تجنيد القيادة الفلسطينية على رغم ضعفها وعلى رغم الشكوك في شأن استعدادها وقدرتها على التأثير في الجمهور.
لكي نقنع قيادة السلطة بالتنصل من الإرهاب والعنف وإعادة نفوذها في الشارع ولدى الصبيان، فإننا بحاجة إلى أدوات جديدة، من ضمنها إقامة مبادرات صناعية للشبان وبرامج تدريبات مهنية وتعليم مفتوح وتمهيد درب لانضمام الفتيان في النشاطات السياسية. تستطيع «إسرائيل» أن تساعد السلطة الفلسطينية في هذه المجالات. المطلوب من «إسرائيل» أن تثبت مصداقيتها في استعدادها للعودة إلى طاولة المفاوضات والسعي إلى وضع الدولتين لشعبين، وفي المقابل تنصل السلطة الفلسطينية من الإرهاب والعنف. وفي الوقت ذاته من المهم ان تدفع «إسرائيل» بسلسلة من الخطوات يكون بإمكانها ان تحسن نسيج حياة السكان الفلسطينيين ونمائهم، خطوة أخرى كحافز للسلطة الفلسطينية للجم الإرهاب، وهي توسيع مساحة تحرك الأجهزة الأمنية الفلسطينية لا بل تعزيزها، وذلك لقاء تعزيز التنسيق الأمني.
مركز «دراسات الأمن القومي الإسرائيلي»