تركيا تتحدّى وتطرح تقسيم مكافحة الإرهاب ضفتين مقابلتين
منذ اجتياح الناتو للاراضي التركية وفشل روسيا في تقدير نوايا الغرب في ازاحتها من المشهد هناك وبخطأها التي اعترفت فيه عبر ديبلوماسيين روس جابوا الاروقة الدولية مؤكدين انّ ما جرى لن تسمح روسيا بتكراره في سورية فبدا الخلاف على انه اقتسام للنفوذ او كعكة المصالح التي خرجت منها موسكو من دون ان تستخدم حتى حق الفيتو لكنها سرعان ما قرأت المشهد بدقته وخياراته وعرفت ان المؤامرة ممتدة نحو سورية وانّ اللاعبين كثر والطامعين اكثر.
تلحظ روسيا منذ بدء الازمة الموقف التركي المتقدّم، وتعرف انّ المشروع في سورية صلبه استراتيجية تدور حول بسط نفوذ حزب العدالة والتنمية الذي يمثل «الإخوان المسلمين» في المنطقة وهذه الجماعة مصنّفة ارهاباً لدى روسيا منذ وقت بعيد، وغير وارد ان تسمح لها بالوصول الى الحكم في سورية، كما انه غير وارد ان تتنازل روسيا ببساطة عن حليف استراتيجي لها يمثل عمق السياسة الروسية في الشرق وهو الرئيس السوري بشار الاسد.
لكن المفارقة اليوم، وبعد دخول روسيا العسكري الى سورية ان تركيا لا تزال تبالغ في تقدير امكاناتها على قلب المعادلة، ولكنها في الوقت نفسه لا تزال تسوّق مبادرات عند الاميركي الذي يتلقفها ايجاباً دائماً ويشجعها على المضيّ فيها او ربما لا يحرك ساكناً لا سلباً ولا ايجاباً رغبة منه بالمراقبة هو الاخر.
كان الطموح التركي بامتداد جدي في المنطقة ورقة واقعية تمتلكها تركيا حتى خسرتها فوراً من مصر الى تونس فوقعت المسوولية على ما يبدو على واشنطن بالتعويض على انقرة في سورية حتى الرمق الأخير، حتى استمرت العروض التركية والطموحات والمبادرات، وكلما فشلت في مكان استنبطت حلولاً من كلّ حدب وصوب في مكان آخر والاميركي يستمرّ في إضاءة الضوء الأخضر.
تركيا اليوم وبمعرض خطتها المدروسة والتي من المفترض انها حصلت ايضاً على موافقة اميركية او اقله أوصلت علماً وخبراً بإسقاط السوخوي الروسية وقتل الطيار عمداً، ولكن واشنطن وانقرة فوجئتا معاً بما ارخته من تداعيات، ولم يكن بالحسبان الردّ الروسي الحازم وقطعه الطريق على ايّ تواصل مع اردوغان، ما دلّ على خط احمر رسمته روسيا يمنع تخطيه تحت طائلة المسؤولية.
تركيا التي تريد الالتفاف على المشهد وجدت في روسيا غريماً قوياً جداً، وقد سحب الهالة والبساط من تحتها بشكل مباغت، وقدّمها للعالم على انها الوحش الذي يتعدّى على المهام الإنسانية، لكن من دون ان تتنازل تركيا عن عنجيهتها وخططها المعروضة على الغرب وآخرها ما اعلن عنه احمد داوود اوغلو في مؤتمر صحافي مع قائد حلف الناتو ان «تركيا ستبدأ عملية مع السعودية ودول أخرى لمكافحة الإرهاب في سورية»، مشدّداً على أنّ بلاده لن تقدّم أي اعتذار لروسيا على حادثة إسقاط الطائرة لأنّ حماية حدودها واجب عليها…
تريد تركيا إنشاء حلف مقابل لروسيا لمكافحة الإرهاب، وهي هنا تعلن جهاراً انها والمشروع السعودي في سورية على فرد هدف وقلب، وتحاول الالتفاف لمكافحة الإرهاب مجدداً بصورة تبعد عنها شبهة الانعزال وتحجز مكاناً قبل ان يفوت الأوان.
اوروبا التي تتوجه اليوم نحو روسيا بعد تفجيرات باريس ترى انّ التساهل لم يعد ممكناً، وعلى هذا الاساس تتوجه بريطانيا والمانيا للالتحاق بحلف روسيا ـ فرنسا الجديد، وهنا فإنّ مفهوماً آخر يطلق للعالم بدلاً من اقتسام الكعكة سياسياً يبدو ان الإرهاب اصبح ايضا كعكة تتقسم بين احلاف متنافسة وبات القضية الكبرى التي تعتبر مدخلاً للاحتفاظ بمقاعد الحلّ.
جيد جداً! اذا كان العالم قد اقتنع انّ الأسباب تعددت والارهاب واحد، وانّ تركيا تريد الانعطاف نحو مكافحة الارهاب على طريقتها والسعودية، فتكون افضل الاساليب للنزول عن الشجرة، لكن المقلق بالسلوك التركي هو ان لا تكون الخطوة المفترضة أحد اساليب حماية مجموعاتها في الداخل السوري لإطالة عمر الازمة…
الأيام القليلة المقبلة ستكشف كلّ شيء.
«توب نيوز»