الإرهاب التركي تحت المجهر
علي قاسم
رئيس تحرير «الثورة» ـ سورية
ينفتح المشهد في المنطقة على اكتشاف «مذهل» للمكتَشَف، وأحياناً تأكيد غير مسبوق «للمؤَكَّد» في تحايل سياسي ودبلوماسي وإعلامي، وأخرى في صيَغ من النفاق العملي على مراوحة أبعد من تلك التي نراها في سياقات الواقع وافتراضاته، حين يُحاكي ملامح انهيار في المنظومة السياسية الحاكمة لمفاعيل العلاقة بين الإرهاب وداعميه.
لكنه في منطوق التطورات الأخيرة يحمل ما هو أبعد، بحكم ما يسلّط من أضواء كاشفة على الدور التركي في دعم الإرهاب الذي بقيَ حبيس كلمات السياسيين الغربيين على مدى السنوات الماضية.. وصولاً إلى اللحظة التي فاضت بها التصرفات التركية الرعناء عن المهمة الوظيفية المحورية في توظيف الإرهاب ليكون على مقاس الأطماع الغربية، وجزءاً أساسياً من عناوين مشروعه، وتعويضاً عمّا فشل به أو عجز عنه بالحروب المباشرة.
عند هذه النقطة، تقاطعت المؤشرات الدامغة على أنّ الحديث الأوروبي مع تركيا تغيّرت مفرداته، وإنْ لم تصل بعد إلى حدّ يسمح بالقول إنها تحوّلت من لغة المهادنة إلى لغة الاتهام المباشر، لكنها في سياق العلاقة بدَت وكأنها تحاول أن تبيع وتشتري في الوَهْم التركي على طريقتها، وإنْ لوّحت بالعصا الأوروبية المانعة ذاتها مع إضافات بحكم الحاجة إلى تدوير الزوايا، بما يعنيه ذلك من تهالك أوروبي عاجز عن الابتعاد عن النفاق والمراوغة، حيث اليقين الأوروبي بالدور التركي في تفشّي الإرهاب بما فيه ذاك الذي يُتخم الهواجس الأوروبية ويغطي بعض ساحاتها، لم يحل دون العودة إلى المبازرة على بعض الفتات السياسي.
المفارقة أنّ أوروبا الصامتة سياسياً عن خطر التطرّف الذي يمثله أردوغان بحكم البيئات التي أنتجها، ولا يتردّد في تصديرها إلى قلب القارة العجوز، تضيف إلى ذلك الصمت ما هو أخطر عبر إغداقها رشاوى المساعدات لمواجهة مشكلة اللاجئين التي بدَت في العُرْف السياسي مكافأة على ما يقوم به، وفي رسالة خاطئة تعاكس المؤشرات التي أبرزتها بعض الأصوات الأوروبية المتعالية والمحذّرة من الدور التركي أو طالبت في الحدّ الأدنى بإجراءات تخفّف من وطأة الممارسات التركية، وإن جاء التفسير السياسي على أنها تعويض لتركيا عن موقف الأطلسي من حماقته التي ارتكبها حين أسقط الطائرة الروسية.
قد يكون من الصعب فهم دوافع وخلفيات السلوك الأوروبي ما لم يقترن ذلك بإدراك الدور الأميركي، الذي كان في أغلب الأحيان عاملاً مرجّحاً – سلباً أو إيجاباً- في الموقف الأوروبي من مسألة انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي، وجاء فتح الحديث عن الشروط والشروط المضادة بين الطرفين بمنزلة مكافأة إضافية أوروبية تعكس حجم الضغط الأميركي كتكفير عن دورها في توريط تركيا مع روسيا.
لكن ذلك لن يحول دون الأخذ بالحقائق المتدحرجة، التي بدأت تظهر تباعاً عن الدور التركي، وليكون الإرهاب الذي تمارسه حكومة أردوغان تحت مجهر المجتمع الدولي، بما فيه الأوروبي، بدءاً من دعم وحماية الإرهابيين وتسهيل عبورهم في الاتجاهين، ووصولاً إلى دورها في تسويق النفط المسروق من قبل «داعش»، وآخرها المعلومات عن رعايته قنوات إيصاله إلى «إسرائيل»، وتوفير مناخ آمن للسماسرة الإسرائيليين والأتراك للعمل بحرية، مروراً بممارساتها التي أفضت إلى ما شهدته أوروبا من أخطار الإرهاب العابر والمقيم، بخلاياه النائمة والمستيقظة، وليس انتهاءً بشحنة الأسلحة الآتية من تركيا إلى بلجيكا.
فالغرب الذي يحاجج اليوم في مكافحة الإرهاب لم يعد خارج سياق التوظيف المتعمّد للدور التركي في مناكفة روسيا، وهذا لا يعود إلى ودٍّ تكنّه تجاه تركيا، ولا رغبة في البحث عن مصالحها، بقدر ما يترجم عداوة وبغضاء تجاه روسيا ودورها المتصاعد على الساحة الدولية، وهو في كل الأحوال لا يخرج عن نطاق الرغبة الأميركية في اللعب بأوروبا وتركيا على حدّ سواء، وتوريطهما سوية في مواجهة تحاول واشنطن أن تتبرأ منها ومن تبعاتها.. واعتذار أوباما لبوتين ليس أكثر من شاهد وقرينة..!!
ربما كان مجهر أوروبا الـمُظهِر للإرهاب التركي معوجّاً كسياستها ومنافقاً كساستها، وربما كانت المشاهدات العينية هنا وهناك مجرّد فواصل مُنشّطة بين حقبتين، ويعكس عجزاً أوروبياً ورضوخاً للمشيئة الأميركية، لكنه لا يستطيع أن يتجاهل حقائق الدور التركي، ولا الإرهاب الشريك فيه وبالتفاصيل التي تدركها وتعاني منها أوروبا قبل سواها، ولن يحول دون التمعّن الدولي في تفاصيل وجزئيات الإرهاب التركي الحاضر في ملفات التطورات الإقليمية المفتوحة على بساط المجابهة الدولية.
تنشر بالتزامن مع الزميلة «الثورة» ـ سورية