قانون الإيجارات: فتنة عابرة للمناطق والطوائف

حسين ماجد

«لكلّ فرد الحق في مستوى من الحياة يضمن له ولأسرته الصحة والرخاء، وبخاصة في ما يتعلق بالمأكل والملبس والسكن والخدمات الصحية والخدمات الاجتماعية الضرورية. كما له حقّ الضمان في حالة البطالة والعجز عن العمل والترمّل والشيخوخة وفي الحالات الأخرى التي يفقد فيها وسائل كسب قوته نتيجة لظروف لا دخل لإرادته فيها». وثيقة حقوق الإنسان الدولية .

وفي بلدنا، بلد المحبة والسلام يتحالف ويتحد المال وأصحابه والحكام والنواب ويرتكبون مجزرة مقوننة بحق حوالى ٢٠١٣٨٩ أسرة من الأسر الفقيرة التي ترعى وتحتضن الأيتام والأرامل والعجزة وكبار السن والمعوقين، ويتوافقون على طردهم جميعاً من مساكنهم بمادة واحدة من دون التأثر أو الأخذ في الاعتبار أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية.

لقد نسوا بل تناسوا أنّ القوانين هي لحماية الحقوق ومحاربة الباطل والمساواة بين المواطنين جميعاّ في الحقوق والواجبات لتشجيع وتعميق ارتباط المواطن بوطنه، وتمتين علاقته بمواطنيه، كون العدالة هي الضرورة الرئيسية الأولى لوجود الوطن والمواطنين.

فلتكن قوانينكم عادلة، بل لتكن إلى جانب المستضعفين، وإلا اتركوا هذا المجلس واكتبوا على بابه «بيت للإيجار».

إنّ الأسرة والمسكن وحدة متكاملة والمسكن من أهمّ الحاجات الضرورية ويحتلّ المركز الثاني في سلم أولويات الحاجات الإنسانية الضرورية بعد الغذاء، والسكن هو الذي يؤمن للأسرة الأمن والراحة والرفاه والاستقرار والسكينة ويساعد على تعاون أفرادها وتماسكها واستمراريتها، وإنّ أي تغيير في نوعية ودرجة هذه الحماية يؤدي مباشرة إلى تغير في بنية الأسرة وموقعها ودورها في المجتمع.

فالمسكن هو الموطن الحقيقي للأسرة وبخاصة المرأة التي تقضي فيه معظم وقتها وتمارس مختلف نشاطاتها الاجتماعية.

وضمن بيئة المسكن تنسج الأسرة علاقاتها الاجتماعية مع الجيرة والمحيط الإنساني والطبيعي وتتبلور مشاركتها وتفاعلها في المناسبات والأفراح والاستراحات، وفي المسكن تستقبل الأهل والأقارب والجيران والأصدقاء.

لقد تحوّل الوطن بفضل اللامبالاة والإهمال والطمع إلى غاب من دون شريعة. تقطع الكهرباء إذا تأخر المشترك عن الدفع، أما سارقها فينعم بنورها والسيارة الملطخة نمرتها تحجز والتي دون نمرة تسرح وتمرح والأمثلة لا تعد ولا تحصى.

تدفعون التعويضات لمحتلي البيوت ومغتصبي العقارات والأراضي الخاصة والعامة وتشرعون لطرد وتهجير الشرفاء المقاومين من ذوي الدخل المحدود من بيوتهم ومساكنهم التي يشغلونها وفقاً للقانون، إنها جريمة تهجير جديدة وعملية فرز طبقي ومذهبي وتفتيت للمجتمع وتحريض للشعب للتباغض حتى الاقتتال بين فئاته مالك ومستأجر، معلم وتلميذ، بائع ومشترٍ وقد استمرأتم أموال الصناديق لتعزيز السلطة ولإذلال المستضعفين. إنها فتنة بكل ّ المعايير عابرة للمناطق والطوائف والطبقات، فتنة شرعية وذبح حلال.

استردوا قانونكم واقرأوه لأنّ معظمكم لم يطلع عليه ولم يستوعب نتائجه على من اختاروكم ممثلين عنهم وليس عليهم، أم أنكم تعتمدون في استمراريتكم على الجهل وعدم الوعي والتعصب الطائفي والمذهبي والعائلي والفقر والحرمان وندرة ومحدودية الخيارات عند الشعب، بل حتميتها تنفيذاً لقوانينكم الانتخابية التي تغذونها للحفاظ على مواقعكم وامتيازاتكم وحمايتها. أهكذا بمفهومكم تبنى الأوطان وتتوحد ويتحد المواطنون ويتعاونون لرفعة وطنهم واستقلاله، ويحترمون الأنظمة والقوانين ويقدرون ويجلون حكامهم. ويتذمّر بعضكم من التهجير والنزوح من سورية، وفي الوقت ذاته تهجّرون ثلث سكان محافظتي بيروت وجبل لبنان وهم أصلاً من مهجري ونازحي الاحتلال الإسرائيلي وحربكم الأهلية المستمرة، وهم يشكلون أكثر من ثلاثة أرباع عدد الستأجرين. لقد خربتم وما زلتم البلاد وأهلكتم العباد أيها السادة. أعلموا أنّ عدد الأسر المستأجرة يزيد على مئتي ألف أسرة، وأنّ عدد أفراد هذه الأسر يقارب تسعمئة ألف نسمة ويشكل المستأجرون نسبة 5.24 في المئة من مجموع الأسر اللبنانية ويتوزعون على المحافظات وفقاً لما يلي: بيروت 50333 بنسبة 49.49 في المئة من الأسر، جبل لبنان 105656 بنسبة 45.28 في المئة من الأسر، الشمال 22418 أسرة بنسبة 8.13 في المئة من الأسر، الجنوب 14504 بنسبة 33.16 في المئة من الأسر، البقاع 6114 أسرة بنسبة 94.5 في المئة من الأسر، والنبطية 2363 أسرة بنسبة 5.4 في المئة من الأسر. واعلموا أيضاً أنّ البرنامج الوطني لدعم الأسر الأكثر فقراً قد سجل لتاريخه 101456 طلباً للمساعدة من بينها 21241 طلباً من أسر مستأجرة وهي تشكل 21 في المئة من عدد الطلبات المقدمة و10.55 في المئة من مجموع الأسر المستأجرة، وكان الأحرى بكم دراسة هذا الملف الاجتماعي – الاقتصادي بدقة وموضوعية واتخاذ القرار الذي يضمن حقوق الجميع ويحفظ وحدة الوطن والسلام بين المواطنين والمباشرة بالعمل على وضع خطة إسكانية تساعد على حل هذه القضية الإنسانية المزمنة.

لن نقبل إلا بحصول الجميع على حقوقهم وفق الاتفاقيات والقوانين وعلى الدولة أن تقوم بواجباتها بخاصة بالتخمين والتسعير وتحديد نسبة الأرباح على السلع التجارية ووضع أسس لتحديد إيجارات المساكن وفقا لموقعها ونوعيتها ومساحتها وكلفتها وأن تعمد بخططها وبرامجها إلى تأمين السكن الملائم للأسر المحتاجة.

وأنتم أيها المستأجرون عززوا وحدتكم واصمدوا في مواقفكم ودافعوا عن حقوقكم ولا ترضخوا لهذا القانون الجائر الظالم واعلموا أنه لولا وجود من يقبل الظلم ما وجد ظلم ولا ظالم ولا مظلوم وإنّ أصحاب المساكن هم إخوانكم وأصدقاؤكم فتعاونوا وتواصلوا بمحبة واحترام معهم وحاوروهم بعلم ومعرفة وعقل وعدالة واستشيروا معاً أصحاب الاختصاص وباشروا بإجراء دراسة ميدانية تشخص لكم الواقع بدقة وموضوعية وتساعد على فهمه وتحليله وتشخيص أوضاعهم وأوضاعكم واقتراح الحلول التي تحفظ حقوق الجميع.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى