ما يحصل إدارة للانقسام وليس إنهاء له

راسم عبيدات ـ القدس المحتلة

ما زلت متمسكاً برأيي ووجهة نظري بأن ما حصل حول ما يسمى «حكومة الوفاق الوطني» ليس أكثر من اتفاق إطار في طريقه الكثير من العثرات والمطبات والمعوّقات التي تجعله بلا رجلين يسير عليهما، بل تبقيه كسيحاً وأسيراً لأجندات ومصالح تضع المحاصصة فوق المصالحة، وقطار المصالحة لم ينطلق بعد، فالمصالحة تحتاج الى ترجمات عملية على الأرض يتلمّسها شعبنا بالفعل، ولا سيما شعبنا في قطاع غزة، وأهمها رفع الحصار وإعادة الإعمار والسماح بحرية الحركة والتنقل والتواصل مع الفضاء الخارجي. أما الانقسام الذي اعتبر البعض أنه ذهب الى غير رجعة فهو على ما نراه وما نشاهده يتكرس ويتعمّق، ولا أعرف كيف لعضو مكتب سياسي في حركة حماس مثل موسى أبي مرزوق، يقول لشعبنا إن الإنقسام انتهى الى غير رجعة؟! وأرجع عدم تحقيق المصالحة إلى عقليات الانقساميين وبرامج الاحتلال. وقبل الخوض في ما قاله أبو مرزوق وهو يفتقر إلى الدقة والموضوعية وتعانده الحقائق والوقائع على الأرض، ثمة تصريحات أخرى لمسؤول حركة فتح في السجون، الأسير جمال الرجوب، يطلب فيها إلى رفاق الجبهة الشعبية الذين يعيشون في أقسام مشتركة مع حركة حماس بمغادرتها كي لا تطولهم عقوبات إدارة مصلحة السجون «الإسرائيلية»، وفي حين نثمّن لرفاق الجبهة الشعبية رفضهم هذا المنطق الغريب عن عادات الحركة الأسيرة وتقاليدها. وأقل ما يقال عن هذا المنطق إنه يتساوق مع إدارة مصلحة السجون ويخدم مصالحها وأهدافها، وتمثّل أخطاراً جدية على الحركة الأسيرة الفلسطينية في السجون لناحية تفكيك وحدة أداتها التنظيمية الموحدة واستفراد مصلحه السجون في فصائلها، بما يسهل عليها كسرها وتطويعها والانقضاض على حقوقها وسحب منجزاتها ومكتسباتها. وقبل ذلك لا بد لنا من الإشارة، بعد ما سمي بعملية اختفاء الصهاينة الثلاثة واتهام «إسرائيل» لحركة حماس بأسرهم، إلى ما صدر من تصريحات وبيانات وتعليقات من قيادة السلطة في رام الله حول ذلك، وفي مقدمها تصريحات الرئيس عباس ووزير خارجيته رياض المالكي، سواء في جدة أمام مؤتمر منظمة التعاون الإسلامي قبل أقل من أسبوع أو لوسائل الإعلام أو خلال الاتصال مع الأميركيين و»الإسرائيليين»، ففي جدة كرس عباس جلّ خطابه لإدانة خطف ثلاثة مستوطنين «إسرائيليين»، وقال إن هذه العملية ـ وليس الاحتلال وجرائمه! ـ تدمر الشعب الفلسطيني ومشروعه الوطني، وامتدح التنسيق الأمني مع أجهزة الاستخبارات «الإسرائيلية»، معتبراً أنه في مصلحة الشعب الفلسطيني، وجدد التعهد بمنع حدوث انتفاضة ثالثة، ولا نعرف ما إذا كان وزراء الخارجية المسلمون صفقوا له، أو استهجنوا أقواله، وأياً يكن رد فعلهم فلا فائدة ترجى منهم ومن حكوماتهم. وقد حذا حذوه وزير خارجيته رياض المالكي إذ قال في تصريحات صحافية إنه إذا تبين أن حركة حماس تقف خلف خطف المستوطنين «الإسرائيليين» في الضفة فإن «حكومة الوفاق واتفاق المصالحة» سيكونان في خطر. وأضاف: «إذا توصلت الحكومة إلى هذه النتيجة فإن الرئيس سيتخذ قرارات صارمة». وتابع: «لن نتهاون ونقبل بحقيقة أن تستخدم حماس وتستغل هذا النوع من حكومة المصالحة لتضرب المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني».

نحن بدورنا نجد تناقضاً صارخاً في تصريحات وبيانات طرفي الانقسام حماس وفتح ، ففي حين تقول فيه حماس إن حكومة الوفاق ضد التنسيق الأمني، وإن الإتفاق لا يلغي المقاومة، نرى الرئيس عباس يمتدح في المقابل التنسيق الأمني مع «إسرائيل»! ويقول إنه لمصلحة الشعب الفلسطيني! وفي حين استباحت «إسرائيل» الضفة الغربية، بعد اختفاء المستوطنين الثلاثة، واعتقلت المئات من أبناء الشعب الفلسطيني بما فيهم الأسرى الذين تحرروا في صفقة «الوفاء للأسرى»، ومعظم المعتقلين من حركة حماس، وقتلت عدداً من المواطنين الفلسطينيين، بينهم أطفال وشيوخ، ودمرت وهدمت العديد من المنازل والممتلكات والمصانع، وأغلقت العديد من المؤسسات الاجتماعية والإغاثية بحجة تبعيتها وعلاقتها بحماس، ومنعت دخول أهل الخليل إلى القدس والداخل الفلسطيني- 48-، وقامت بعمليات دهم وتفتيش واقتحام غير مسبوقة منذ عام 2002، عام اجتياح الضفة الغربية، وشملت عمليات الاقتحام والتفتيش المؤسسات التعليمية الجامعية. وفي اختصار اختطفت شعباً كاملاً، ولم يكن رد فعل حكومة الوفاق على ما حدث بالمستوى المطلوب، ووجهت إليها الاتهامات الشعبية و»الفصائيلية» بالقصور حيال شعبها، فيما كان جل اهتمامها متركزاً على كيفية إعادة الصهاينة الثلاثة المختفين، المأسورين مجازاً. وفي ظل هذه الأجواء التي امتدحت فيها «إسرائيل» تصريحات الرئيس عباس حول قضية الصهاينة الثلاثة المختفين، وما تبعها من تراشق إعلامي حاد بين حماس والسلطة الفلسطينية، وما سبق ذلك من وضع متأزم، تمثل في ما قامت به حركة حماس من منع لموظفي السلطة الفلسطينية في غزة من قبض رواتبهم عبر البنوك التي أغلقت في قطاع غزة لمدة أسبوع، وأضحى الوضع الداخلي على حافة الانفجار، قابلته كذلك في الضفة الغربية اعتداءات أمن السلطة على الصحافيين في رام الله وعدد من المسيرات المتضامنة مع الأسرى المضربين عن الطعام، وكادت الأمور تخرج على السيطرة مثلما حدث في الخليل خلال فعالية التضامن مع الأسرى المضربين عن الطعام.

إن هذه المعطيات والوقائع التي سردت وغيرها الكثير من الحقائق تثبت أن ما يقوله أبو مرزوق وغيره من ساسة السلطة وحركة حماس وقادتهما، عن أن الانقسام ذهب إلى غير رجعة وأن قطار المصالحة أقلع، كلام تعوزه الترجمة العملية على الأرض، فالأقوال لا يقابلها فعل على أرض الواقع، بل نجد أن تلك الأقوال تدفع بالانقسام إلى خانة التكريس والشرعنة. وما يحصل ليس أكثر من إدارة لهذا الانقسام وليس إنهاء له، وما زالت هناك مسافة طويلة وطريق صعب وشاق يعترضان إنهاء الانقسام وتحقيق المصالحة، فـ»حكومة الوفا»، قد لا تصمد أمام ما يعترضها من أزمات ومطبات قد تطيحها، ففي أقل من شهر على تشكيلها واجهت بسبب الولادة المشوهة أخطار انفراط عقدها، أزمة رواتب موظفي حماس الـ40000، وأزمة ما ترتب على اختفاء المستوطنين الثلاثة أو أسرهم، والتي يرى الرئيس عباس ووزير خارجيته المالكي إنه إذا ثبت أن حماس هي التي تقف خلف أسرهم، فذاك يعني نهاية المصالحة وحكومة الوفاق الوطني!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى