أنقرة وتل أبيب توعزان لـ«النصرة» بترك مخيم اليرموك لـ«داعش»
يوسف المصري
من الأحداث اللافتة التي شهدها الميدان السوري خلال الأيام الأخيرة قيام «جبهة النصرة» بالانسحاب من مواقعها في مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين الواقع قرب العاصمة دمشق، وتسليمها لعصابات تنظيم «الدولة الإسلامية داعش».
يجدر التوقف هنا عند حقائق عدّة، وكلها تظهر أنّ «النصرة» و«داعش» وجهان لعملة إرهابية واحدة مقودان من تركيا و«إسرائيل».
وأبرز هذه الحقائق تتمثل في أن هذه ليست المرة الأولى التي تقوم فيها «النصرة» بالتواطؤ مع «داعش» من أجل إدخالها إلى المخيمات الفلسطينية في سورية.
حدث ذلك أول مرة منذ نحو عام تقريباً، عندما كانت «النصرة» تقيم تحالفاً مع بقايا «الإخوان المسلمين» و«حماس» في مخيم اليرموك، وتسيطر بالتعاضد معهم على أجزاء منه في مقابل القيادة العامة وفصائل فلسطينية أخرى تقاتل مع الجيش السوري دفاعاً عن وحدة سورية وإنقاذ القضية الفلسطينية من السقوط في متاهة الإرهاب.
.. ولكن فجأة قامت «النصرة» آنذاك في مخيم اليرموك بالانقلاب على حلفها مع عناصر «حماس» و«الإخوان»، وذلك لمصلحة التواطؤ مع «داعش» وتأمين منفذ لها إلى داخل المخيم، وأقامت حلفاً عسكرياً معها فيه بديلاً لحلفها السابق.
وما يحصل اليوم هو أنّ «جبهة النصرة» تقرّر ترك مواقعها في مخيم اليرموك لمصلحة أن يشغل «داعش» وحده هذه المواقع.
السؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا تتحالف «النصرة» وتتعاون مع «داعش» في المخيمات الفلسطينية في سورية، بينما هما يتقاتلان في باقي المناطق السورية؟
الإجابة أصبحت واضحة، ومفادها انّ «داعش» و«النصرة» يتحركان اشتباكاً أو تقارباً وفقاً للأجندتين «الإسرائيلية» والتركية داخل الحرب السورية.
.. فـ»إسرائيل» تريد أن يدخل «داعش» إلى هذه المخيمات لكي تحوّل صورة اللاجئ الفلسطيني من كونه فدائياً وصامداً ينتظر إنصافه من خلال العودة إلى فلسطين، إلى إرهابي إسلامي تكفيري مطارد دولياً ومنبوذ بالقرارات الأممية.
أما المشهد الآخر الذي يتمّ التعبير عنه من خلال وقائع الاقتتال بين «داعش» و«النصرة»، فإنّ ناصية السيناريو الخاصة به، موجودة في أنقرة التي تُمارس عبر استغلال هذين الاتجاهين التكفيريين سياسة مزدوجة فمن ناحية تساند إجرام «داعش» لتغطي سياسات نهب سورية اقتصادياً عبر النفط وغيره، ومن جهة ثانية تساند إرهاب «النصرة» لتمارس عبرها نفوذاً تركياً مباشراً أو غير مباشر في شمال سورية. وفي كلّ الأحوال فإنّ «النصرة» بأوامر تركية تنسحب الآن من مخيم اليرموك لتخدم هدفين اثنين «إسرائيلياً» وتركياً، الأول غاياته إسرائيلية ويتمثل بترك فلسطينيّي اليرموك نهباً لسيطرة داعش ولوسم صورتهم بصبغته الإرهابية وتدشين حملة إعلامية دولية تتحدّث عن فلسطينيّي «داعش».
والثاني غاياته تركية ومفاده سحب «النصرة» من المخيم كرمى لعيون المشروع الداعشي الإسرائيلي فيه، ولتكون جاهزة للتفرّغ لمعارك تركيا في شمال سورية التي تتمّ تحت عناوين تحالفات «جيش الفتح» وغيره، بينما هي في الحقيقة ليست سوى تحالفات تركيا مع «النصرة».
تركيا في هذه اللحظة تراهن على التواجد على طاولة مفاوضات الأزمة السورية من خلال تلميع عباءة «النصرة» أو تطوير صورتها. وهي عبثاً تحاول ذلك لأنّ لعبة «النصرة» الداعشية أحياناً داخل مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، والأقلّ تشدّداً من «النصرة» في شمال سورية، أصبحت مكشوفة في الداخل السوري وعلى المستويين الإقليمي والدولي.