الشهيد الفتى أبو خضير يحرق نفسه…
راسم عبيدات
مما لا شك فيه أنّ القضاء «الإسرائيلي» والمحاكم المتفرعة عنه أدوات موظفة في خدمة الأمن ودولة الاحتلال، وهي جزء مهم لتبرير جرائم الاحتلال وسن تشريعاته وقوانينه المتعارضة مع القوانين والحقوق الإنسانية، كما هي حال قوانين محاكمة واعتقال الأطفال وتشريعات الإعدامات الميدانية والعقوبات الجماعية… ولذلك سيناريو محاكمة قتلة الفتى الشهيد أبو خضير معروفة سلفاً في ظل قضاء عنصري يحاكم من منطلقات الأصل القومي لا الجرائم المرتكبة، من حرقوا عائلة الدوابشة لم يعتقلوا أو يحاكموا ويفاخر وزير جيش الاحتلال «يعلون» بأنهم معروفون لدى أجهزة الأمن «الإسرائيلية»، ولكن هناك موانع «أمنية» تحول دون اعتقالهم، وحتى لو جرى اعتقالهم فأقصى عقوبة لهم هي الاعتقال الاداري.
كان من المفترض أن تكون جلسة الاثنين للنطق بالحكم على هؤلاء المجرمين والقتلة، لكن الادّعاء استمر في مسلسل المماطلة والتسويف، لكي يفرغ قرار المحكمة من مضمونه، وبما يؤكد عنصرية القضاء «الإسرائيلي»، حيث قدم الادعاء تقارير بأنه لا يمكن الحكم على المتهم الرئيسي، فهو يعاني من اضطرابات نفسية وعقلية، وتقديم التقرير النفسي للمتهم من قبل طبيب أجنبي عاينه واطلع على حالته في الدقيقة التسعين، نرى أنه جزء من مسلسل ومسرحية المحاكمة الصورية ولا يمكن الوثوق فيه بالمطلق، كما لا يمكن الوثوق بالقضاة هؤلاء أنفسهم، وفقط بالدليل القاطع والموثوق هؤلاء القضاة أنفسهم، يعقوب تسابن، رافي كرمل ورفقة فريدمان، هم من حكموا على الشاب المريض النفسي عمرو على صبري من جبل المكبر، والمثبت مرضه بتقارير صادره عن مستشفيات «إسرائيلية» بأربعة أعوام ونصف في قضية الزعم بالتخطيط لتفجير قاعة أفراح «إسرائيلية» مع كل من باسل عبيدات وانس عويسات وخالد سرور، ولذلك لا غرابة حين نسمع بأنّ المجرم والقاتل الرئيس يوسف ديفيد بن حاييم مضطرب نفسياً ومختل عقلياً، وهو من اختطف وعذب وحرق الشهيد الفتى ابو خضير حياً وفق الأدلة الدامغة التي بحوزة القضاة والمحكمة؟ أما القاتلون الآخرون القاصرون رغم قرار الإدانة لهم بإرتكاب جرم القتل العمد، لكن لم يتم النطق بالحكم عليهما، وحدّدت لهم جلسة في 20/12/2015، من أجل النظر في تقرير ما يسمى بضابط السلوك، والأرجح أن يحكم عليهما بأحكام مخففة.
في وقت حكم فيها على عشرات الأطفال الفلسطينيين والفتيان بإحكام جائرة وصلت حد السجن لمدة خمسة عشر عاماً فما فوق في قضايا لم يكن فيها قتل بهذه الطريقة البشعة والهمجية، بل مجرد إصابات، ومع فارق المقارنة والتشبيه طبعاً، ناهيك عن العديد من بيوت الشهداء التي جرى هدمها أو الأسرى المتهمين بعمليات طعن أو دهس، في حين ليس بالوارد هدم بيوت هؤلاء القتلة أو حتى مجرد التلويح أو التهديد بذلك، ولا نجد أن حكومة الاحتلال وقادتها الأمنيين والعسكريين الذين يسارعون الى إصدار قراراتهم من خلال تشريعات وقوانين عنصرية مخالفة لكل الأعراف والقوانين والمواثيق والاتفاقيات الدولية منها جنيف ولاهاي لعام 1907 التي تحرم العقوبات الجماعية كهدم بيوت الشهداء أو الأسرى أو نقل السكان خارج مناطق سكنهم أو سحب إقاماتهم، ينطقون بحرف عندما يتعلق الأمر بقتلة ومجرمين من أمثال قتلة الشهيد أبو خضير أو عائلة الدوابشة.
نحن كنا نتوقع سيناريو محاكمة هؤلاء القتلة والمجرمين، قبل الوصول الى القول بقضايا الاختلال العقلي والاضطراب النفسي، فمن حرق المسجد الأقصى المجرم الصهيوني الأسترالي روهان في آب 69 مختلاً عقلياً ومن أحرقوا عائلة دوابشة مختلون عقلياً… والمنظمات الإرهابية «لهافا» وتدفيع الثمن وغيرهم ما دامت جرائمهم بحق العرب فهم مختلون ومضطربون نفسياً وعلقلياً… وفقط يكونن أصحاء إذا ما مسوا يهودياً أو ممتلكات يهودية… اليوم القضاء «الإسرائيلي» يقول بالفم الملآن الفتى أبو خضير حرق نفسه ويجب دفع تعويضات للقتلة والمجرمين للضرر النفسي والمادي والاجتماعي الذي لحق بهم!
كيف لا؟ ما دامت وزيرة ما يسمى بالعدل الصهيوني اياليت شاكيد، هي من أشد غلاة الصهاينة المتطرفين عنصرية، وهدفها فقط سن القوانين والتشريعات التي لا تعترف بحق الفلسطينيين بالوجود، تصادر وتحتل أرضهم وتجيز اعتقال أطفالهم من سن 12 سنة فما فوق، وفرض أحكام قاسية عليهم، حيث صادقت اللجنة الوزارية «الإسرائيلية» لشؤون التشريع على مشروع قانون جديد يقترح سجن الأطفال منذ جيل الثانية عشرة في حالة إدانتهم بارتكاب جرائم «ذات دوافع قومية»، وقد صادق الكنيست «الإسرائيلية» بالقراءة الأولى على مشروع القانون في 25 تشرين الثاني بغالبية 64 صوتاً ومعارضة 22.
ويأتي مشروع القانون في أعقاب توجيه النيابة العامة «الإسرائيلية» تهماً للطفل أحمد المناصرة 13 سنة شملت الشروع بالقتل من خلال تنفيذ عملية طعن في القدس الشرقية في الثاني عشر من تشرين أول، رغم أن القانون الجنائي «الإسرائيلي» بنسخته الحالية يحظر عقوبات بالسجن على الأطفال دون سن 14 سنة، وبدلاً من ذلك وضعهم في مؤسسات أحداث للتاهيل وإعادة الإدماج. ومما تجدر الإشارة اليه أن الكنيست أقرّ سلسلة من التعديلات على قانون العقوبات وقانون الأحداث «الإسرائيلي» بفرض عقوبة السجن لمدة عشر سنوات واحتمالية تعريض الركاب للخطر أو التسبب بأضرار، في حين أن هذه العقوبة تتضاعف لتصل لعشرين سنة في حال إدانة الشخص بإلقاء الحجارة بغرض إيذاء الآخرين، كما خفضت التعديلات من مستوى سلطة القاضي التقديرية.
كما أقرت الكنيست تعديل قانون التامين الوطني لحرمان الأطفال من مخصصات الضمان الاجتماعي في حال إدانتهم بارتكاب جرائم «بدوافع قومية» و»أنشطة إرهابية» خلال فترة أسرهم، والسماح لمحاكم الأحداث «الإسرائيلية» بفرض غرامات على عائلاتهم تصل الى مئة ألف شيقل.
نعم هي محاكم عنصرية وصورية بامتياز وقوانين «قراقوشية» هدفها كسر إرادة شعبنا الفلسطيني وإذلاله وتطويعه، فبأي عرف أو قانون يكون شرب فنجان القهوة في باب العامود يغرم شاربه بـ470 شيكلاً، أو وجود منفضة سجائر في محل تجاري يغرم صاحبه بـ5000 آلالاف شيكل، أو تدخين سيجارة في الشارع العام 1000 شيكل.
لا غرابة حينما يبرأ القاتل الرئيسي في جريمة الفتى الشهيد أبو خضير، أو يحكم بالسجن ثلاثة أعوام ودون على القاتلين الآخرين، ولكن في هذه الجريمة وجريمة حرق عائلة الدوابشة يجب التوجه بالملف لمحكمة الجنايات الدولية، وكذلك القوانين العنصرية الخاصة بمحاكمة الأطفال وسجنهم.
Quds.45 gmail.com