بين سطور «الجيوبولوتيكية»… تسوية وعسكرة… وحرية!

فاديا مطر

صفقة تفاوضية وتنظيمية لسورية ولبنان كان حاضنها المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم تمّت أول من أمس لتحرير ثلثي العسكريين المخطوفين لدى تنظيم «جبهة النصرة» الإرهابي في مسيرة لرياح كانت كما اشتهت تلك التسوية، التي حملت رسائل إقليمية ودولية كانت متشنّجة منذ ما يزيد عن ستة عشر شهراً. الشروط التي اكتملت تحدّث عنها اللواء إبراهيم شاكراً سيد المقاومة على الاتصالات التي أجراها وسرّعت تسليم موقوفين لدى سورية لاستكمالها بالشكل النهائي، لتكون فرحة أهالي العسكريين المخطوفين بأبنائهم كبيرة.

من ناحية أخرى كانت التسوية مواكبة لفرحة حي الوعر الحمصي في الوسط السوري المحاذي لبلدة عرسال مع وصول اتفاق التسوية مع الفصائل الإرهابية المسلحة إلى خواتيمه في إنهاء صفحة دامية من الصراع المسلح في آخر أحياء حمص.

وهذه غير بعيدة عن تسوية قدسيا في الريف الدمشقي التي اختتمت مراحلها في 1 كانون الأول الحالي بترحيل المسلحين عن البلدة إلى ريف إدلب بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة والهلال الأحمر السوري وإجلاء 119 مسلحاً من قدسيا والهامة إلى إدلب.

اتفاق حمص يأتي بعد مرور عامين ونصف العام على اتفاق أحياء حمص القديمة بعد تلاشي البيئة الحاضنة للمسلحين لتؤسس ربما لتسويات لاحقة في مناطق أخرى ما زالت تشهد إنجازات ميدانية عسكرية للجيش السوري وحلفائه امتدت من محيط حرستا إلى مزارع دوما وصولاً إلى داريا وجوبر التي تشهد تقدم جغرافي للجيش العربي السوري يرسم الخطوط العريضة للحرب على الإرهاب الدائرة في أكثر من منطقة مرتبطة.

فالتصريح الذي أدلى به اللواء إبراهيم من نقطة تسلّم العسكريين بأن التبادل تم بشروط تحفظ السيادة اللبنانية، تواكب مع تأكيدات سورية بأن المصالحات تحفظ شكلاً ومضموناً السيادة السورية. فالمكسب الذي تحقق للجيش اللبناني والمقاومة بتحرير العسكريين كان بتضحية سورية «بكنوز إرهابية» دفع مقابلها الجيش السوري وحلفاؤه الكثير من العرق والدماء والشهداء والجرحى وجهداً كبيراً من العمليات التكتيكية لتحصيل هذه «الكنوز» التي ساهمت في تحرير العسكريين اللبنانيين، ولأن مبدأ المصالحات كان ومازال العمود الفقري للحل السياسي الذي نادت به الدولة السورية منذ بدايات الحرب عليها، وهو ما أبرزته مصالحات حمص القديمة والوعر وقدسيا وغيرها، وهي تحقق النتائج المرجوة منها من فرز ما بين إرهابي رافض للتسوية وبين مَن يريد تسوية وضعه بالعودة إلى حضن الوطن، وهي تحقّق مكاسب للدولة والجيش بخلخلة تمركز الإرهابيين ونقلهم إلى مناطق ونقاط هي في الأساس تشهد حرارة اشتباك قوية. وهذا بدوره، يوفّر مساحات آمنة في مناطق استراتيجية مثل حمص وريف دمشق وغيرها وتنهي تواجداً مسلحاً أتعب المدنيين لسنوات، وهذا هو هدف الدولة السورية أولاً وأخيراً.

فدوران رحى المعارك ضد الإرهاب أدار معه عجلة المصالحات الوطنية في ظل لهاث عالٍ من دول إقليمية لحرق هذه الورقة ومحاولة فتح جبهات جديدة على أمل إيجاد توازن عسكري يعيد الخطوط الحامية إلى نقاط البداية، لكن الدولة السورية وحلفاءها يحملون استراتيجية عميقة في الفكر العسكري والتسوية الوطنية التي أتت ثمارها في خط يوازي الحرب على الإرهاب.

فالمصالحات باتت أرضاً خصبة لخرائط النصر العسكري وعتبة مرجحة للوضع الميداني عبر إنهاء البيئة الحاضنة للإرهاب وهو بدوره يفقد اليد الحاضنة ويضعها في موقع الضعيف الخالي من أي دعم خارجي فتبدّل قواعد المواجهات والسيطرة لهذه المجموعات الإرهابية ويسمح بحياة أكثر أمناً للمدن والمدنيين. وهذا أحد الأهداف الكبرى للدولة السورية، وهو ما جعل التسهيلات من الدولة السورية في ملف العسكريين اللبنانيين المخطوفين موجودة قولاً وفعلاً، رغم محاولة التنظيمات الإرهابية التنصّل مرات عدة من بنود الاتفاق، الأمر الذي أحرجهم أمام الوسيط القطري وأمام ممثليهم في أنقرة والداخل اللبناني وأدخل التبادل نقاطه النهائية حتى إتمامه برفقة جثة الشهيد محمد حمية وإخلاء 13 سجيناً من السجون اللبنانية، أبرزهم طليقة الإرهابي أبو بكر البغدادي التي أوقفت في تشرين الثاني من العام الماضي، إضافة إلى زوجة قيادي في تنظيم «داعش» يُدعى أنس جركس، أوقفت في كانون الأول من العام الماضي أيضاً، وهو ما جعل غرفة العمليات في منطقة اللبوة البقاعية ذات فاعلية في إنهاء هذا الملف إلى الحرية التي تنقص الباقين من المخطوفين لدى تنظيم «داعش» الإرهابي في لبنان وسورية.

فالمسار السياسي عموماً يسير بخطى موازية للمسار العسكري في المنطقة ليرسم جغرافية تتجه نحو الحرية والتي هي المصلحة العليا للدولة في رسم الممرات لترتيب المنطقة والحفاظ على السيادة والمكانة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى