معرض بيروت العربي الدولي للكتاب 59… كتابٌ عن الحياة والموت والإنسانية

لمى نوّام

أن تتحدّث عن الكتب المعروضة كلّها في معرض بيروت العربي الدولي للكتاب المنظّم حالياً في مدينة المعارض ـ بيال، فهذا من أكثر الأمور استحالةً، نظراً إلى الكمّ الهائل جدّاً من الكتب المعروضة. جلّ ما تستطيع فعله، الملاحظة!

نعم إنّها الملاحظة التي تؤدي بك إلى اكتشاف كتبٍ وانتقائها من هذا الكمّ الهائل. ربما يلفت نظرك عنوان، أو ربما غلاف، أو حتى اسم كاتب أو كاتبة. وهذا ما حصل عندما لفت نظرنا عنوان قصّة للأطفال، عرضت في جناح «دار أصالة». تشعر أنّ العنوان شاعريّ حيناً، فلسفيّ حيناً آخر، وقد لا يتلاءم مع العناوين التي تجذب الأطفال عادة… «مثل أوراق الشجر»!

تتصفّح الكتاب، لتجد أنّه يقدّم أحداث القصّة بسلاسة مطلقة، على لسان فتاةٍ تلاحظ أنّ برعماً نما على شجرة قبالة نافذة غرفتها، ثمّ أتت رياح وكسرت الغصن فمات البرعم. تتابع قراءة القصّة، لتجد أنّها شيئاً فشيئاً تتناول موضوعاً لطالما اعتُبر من المحاذير في أدب الأطفال… إنّه الموت.

كل هذا يدفعك إلى مطالعة الكتاب كاملاً، لتجد أنّ الطفلة تتحدّث عن مشاعرها المتبدّلة عندما تعلم أنّ عمّها الذي تحبّه جدّاً سيموت عمّا قريب، وكيف تعلّمت أن تجعل أيامه الأخيرة سعيدة ومطمئنّة. ثم تدرك أنّ الكتاب الذي ألّفته الكاتبة الأردنية لُما عازَر، ووقّعته في جناح «دار أصالة» منذ أيام، إنما هو مشروع من مشاريع جمعية تعنى بإسعاد المرضى الميؤوس من شفائهم، في أيامهم الأخيرة.

عن هذا المشروع، تحدّثت إلى «البناء» رئيسة «جمعية سند» ومؤسّستها لبنى عز الدين وتقول: نحن «جمعية سند للعناية التلطيفية» في لبنان، نقدّم رعاية طبية ونفسية واجتماعية للمرضى الذين يعانون من مرض عضال، ولا أمل لديهم ولعائلاتهم بالشفاء منه. وذلك كي يعيشوا أحسن حياة ممكنة في بيوتهم، بين أسَرهم ومُحبّيهم. يتكوّن فريق «سند» من طبيب وممرّضات، كي يتحكّموا بالأوجاع والآلام، وكي نتحدّث مع المريض وعائلته بأسلوب معيّن عن المراحل الآتية حتى اليوم الأخير في حياتهم.

وتضيف: كما أن هناك أصولاً للدخول إلى الحياة، هناك أصول للخروج منها. أكثر ما يهمنا تأمين نوعية حياة جيدة، والحفاظ على كرامة المريض، وأن يعيش ويُحارِب المرض والموت، وأن يعلم أن الأيام التي يمر بها هي أيام مُطمئنة مليئة بالسلام.

وعن مشروع كتاب «مثل أوراق الشجر» قالت عزّ الدين: دورنا كجمعية تعنى بهذا الموضوع الحسّاس والمعقّد ـ الموت ـ وهو أيضاً عن الحياة، في حياتنا اليومية لا نتناول موضوع الموت بشكل طبيعي مع أطفالنا، ونعتبره «تابو» وموضوعاً مُعقّداً. وبالنسبة إلينا كجمعية، سواء في هذا الكتاب أو في أيّ مشروع نقوم به للتوعية حول أهمية النظر لنهاية العمر لأشخاص يعانون من مرض عضال، يهمنا ونعمل على مساعدة الأهل في أن يتحدّثوا مع أطفالهم عن هذا الموضوع بشكل سلس وعلميّ مُمنهج، من دون خوف واضطراب. يجب أن يعلم الطفل أن المراحل التي يمرّ بها هي مراحل طبيعية، وأنّ ما يمُرّ به ليس بالأمر الغريب.

وأكّدت عز الدين أنّ هذا الكتاب أداة للأهل والأطفال ليبنوا عليه، ويكتشفوا من خلاله هذا العالم الذي يمرّ به الطفل، وهو غير قادر على التحدّث عمّا يشعر به، والجميل في هذه القصة أنّ الأطفال من مختلف الأعمار يستطيعون قراءتها.

وعن القول المأثور «إياكم واضّطراب الأعصاب عند اقتراب الخطر لأن الخطر كل الخطر في اضطراب الأعصاب» ومدى تقاطعه مع أهداف «جمعية سند»، تقول عزّ الدين: من السليم جداً أن نجرّب ما يُريح الإنسان. وأكثر ما يريح الإنسان أن يُجرّب ما يتوقعه. نريح الإنسان عندما لا يكون هناك مكان غامض وغير واضح الرؤية. وهذا القول يُقارب الوضع الذي تحدّثنا عنه، لأن كلّما قمنا بفكفكفة المفاهيم والتكلم عنها بأسلوب سلِس، كلما استطعنا أن نتعامل معها بشكل سليم أكثر.

ختاماً، شكرت عزّ الدين «دار أصالة» التي نشرت كتاب «مثل أوراق الشجر» مجاناً لإيمانها بهذه القضية، كما شكرت الكاتبة لُما عازَر لتبرّعها بالكتابة، والرسامة مايا مجدلاني لتبرّعها بالرسوم، ومطبعة دبوس لتبرّعها بالطباعة، مؤكّدة أن ريع هذا الكتاب يعود كاملاً لرفد الأنشطة الإنسانية التي تتنكّبها «جمعية سند».

تقول لُما عازَر لـ«البناء»: كتاب «مثل أوراق الشجر»، يتناول موضوع الموت والفقدان كجزء لا يتجزأ من الحياة، ويُقدّمه إلى الطفل بطريقة منهجية ممنهجة وإيجابية. الكتاب يُرافق بطلته وهي طفلة صغيرة، ليعيش القارئ تجربتها من اللحظة التي تعلم فيها أن عمّها الذي تحبّه كثيراً، وهو مقرّب كثيراً إليها، مُصاب بمرض خطير، والشفاء ميؤوس منه، وأنّه على مشارف الموت.

ويتطرّق الكتاب إلى مرحلة ما قبل الموت وإلى موضوع الرعاية التلطيفية التي عملنا عليها في «جمعية سند»، وكيف تجعل الفتاة أيام المريض الأخيرة في الحياة جميلة. ثم يتناول الكتاب مراحل الفقدان التي يمرّ بها كل الناس مثل النكران، الغضب، التفاوض، الحزن، وينتهي أخيراً ليمرّ في مرحلة القبول بطريقة مطمئنة.

وعن تجاوب الأطفال الذين قرأت لهم عازَر الكتاب، تقول: الأطفال الذين قرأت لهم الكتب تجاوبوا كثيراً مع فكرة الكتاب أي الموت، ولكنهم في البداية شعروا بالخوف من الموت، بيد أنهم سرعان تقبّلوا الفكرة وتعايشوا معها. ولمست وعياً عندهم.

وتضيف: في الكتب ليس هناك «تابو»، ويجب أن نُطلِع أطفالنا على كافة مواضيع الحياة، خصوصاً أن الأهل يتفادون التحدث مع أطفالهم عن فكرة الموت. وأنا لست ُ من أنصار «التابو». نحن كلّما أعطينا الطفل معلومات إضافية، كلّما تخّزنت في مخزونه الثقافي لتفيده في مراحل حياته. والطفل حاله حال الكبار، مُعرّض للفقدان.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى