بين العقلاء والسفهاء
شهناز صبحي فاكوش
جاء التعدّي على الطائرة الروسية في السماء السورية، بكمين تركي مهيأ مسبقاً لإسقاطها، مفترقاً يفصل بين العقلاء والسفهاء، يفضح المتآمرين على سورية والأمة العربية والعالم، ويكشف الزيف عن المتملقين على أعتاب الغرب الشيطاني.
بدأ السفهاء بمحاولة التملص من مسؤولية إسقاط الطائرة، خوفاً من عقابيل فعلهم الشنيع… ناسين أنّ الأدوات الروسية استطاعت كشف مؤامرتهم، وحقيقة الكمين التركي الذي قلب ظهر المجن عليهم، ليثبت أنه «على نفسها جنت براقش».
الغرب الذي بدأ يتأهّب ليقف إلى جانب تركيا، لأنه جميعاً يناصر الإرهاب، هو ذاته الذي يخشى عودته أدراجه إلى حواري بلادهم وأزقتها وتجمّعات أبنائها، خاصة بعد ما حدث في باريس مؤخراً، ما أيقظ لدى دول الغرب هاجس امتداد الإرهاب إليها.
بعد أن بدأ أردوغان بتصدير اللاجئين من مخيماته ـ التي نصبها قبل أشهر من إشعال الساحة السورية ـ إلى دول الاتحاد الأوروبي، تسلل الكثير من الإرهابيين بينهم، لذا نجد المليارات الثلاث تخصّص له لأجل منع سفرهم، وقبول عودة البعض.
صدّر أردوغان حماقاته في أكثر من اتجاه، مما خسّره المهماز الذي أوصله من رئيس لبلدية اسطنبول، إلى رئاسة لتركيا. ذات المهماز الذي سيخرجه منها بعد أن صدر قرار العقلاء من روسيا، بالعقوبات الاقتصادية والتي سبقتها العسكرية على تركيا…
من السفاهة والتهوّر أن لا يعتذر أردوغان رسمياً، عن استهداف الطائرة الروسية رغم تودّده وتمنّيه بعدم حدوثه، لكن تسليم جثمان الطيار الروسي الشهيد من الجهة الإرهابية التي قنصته لتركيا، لأجل تسليمه إلى الروس، يثبت بالدليل القاطع الدعم التركي للإرهابيين.
العقلانية الروسية جعلت بوتين يرفض الردّ على هاتف أردوغان، تأديباً لسفاهته، التي يطلق من خلالها سذاجةً مفتعلة، بعدم معرفة هوية الطائرة، وكأنه يستخفّ بمن يسمعه، ما أدّى إلى تلاشي حلم أردوغان بمنطقة عازلة، ورميه إلى الجحيم.
العقلاء المتحالفون مع سورية تتبلور مواقفهم تباعاً، كما زيارة ولايتي التي جاءت تتويجاً لزيارات إيرانية مستمرة، وهو من قلب دائرة القرار الإيراني، وتصريحه بأنه لا حوار قبل القضاء على الإرهاب، وأنّ التمسك بجنيف يعني الفشل.
الزيارة تحمل الكثير من الرسائل، خاصة أنه المسؤول الإيراني الأكثر صلابة وحسماً، والذي يتحدّث دائماً بثقة عن انتصار سورية، على الإرهاب وداعميه، وأنّ الميدان هو الذي يضع الأمور بموازينها، مؤكداً وحدة سورية بقيادة الرئيس الأسد.
أما الرسالة الأكبر هي التي وجهها المرشد الأعلى السيد خامنئي للشباب الغربي، والتي أوضح فيها براءة الإسلام والمسلمين، من الجرائم التي يمارسها الإرهابيون، وأنّ المسلمين ضحيته، كما فرنسا والغرب اليوم، مؤكداً أنّ جذور الإرهاب سببها المعايير المزدوجة في الغرب، وأنه يأسف لدعم القوى العظمى للعنفن وأنّ أسوأ أنواع الإرهاب هو الذي تمارسه «إسرائيل» بحق الفلسطينيين، وأنّ الشباب الغربي قادر على إيجاد الحلول وتصحيح أخطاء حكوماته.
وبيّن السيد خامنئي أنّ قلة من الشباب الغربي يعرفون دور واشنطن، في إنشاء وتسليح «القاعدة» و»طالبان»، الذي أنتج الأحداث الإرهابية، التي وصلت اليوم إلى باريس، لذا فإنّ ما حدث في فرنسا يوفر اليوم فرصة وأرضية للحوار، للتخلص من هذه الظاهرة.
ما قبل السوخوي ليس كما بعده، فما قاله بوتين في قمة العشرين أنّ دولاً بيننا تموّل الإرهاب، أكده بتوقيع عقوبات عسكرية واقتصادية على تركيا، لأنها المموّل والحاضن الأكبر للإرهابيين، معلناً أن لا حلّ سياسياً قبل القضاء على الإرهاب.
أما ولايتي، فها هو يتبنّى بشكل مباشر الخطاب السوري، مصرّحاً باستيائه الكبير لإسقاط الطائرة الروسية، بعد فيينا وقبل تقديم اللوائح التي تصنّف المجاميع الإرهابية، ما يجعل القضاء على الإرهاب أولوية مطلقة.
سفاهة أردوغان وحماقته أخذته إلى طلب اجتماع للحلف الأطلسي، بدل الاعتذار لروسيا وتطويق الأمر. رغم أربعة أيام اعتبرتها روسيا مهلة لم تستفد منها تركيا، كما أنّ سفاهة أردوغان أدّت إلى شرخ في القيادة العسكرية التركية.
اجتماع قمة القادة الأوروبيين، الذي دُعيت إليه تركيا، ألزمها بضمانات طلبتها فرنسا منها بالتوقف عن دعم الإرهابيين لحلّ الأزمة السورية، كما ألزمها بمنع تدفق اللاجئين إلى أوروبا، وضرورة إغلاق كامل الحدود معها، مع إحياء طلب الدخول معهم.
أكد هولاند في بروكسل أنّ بعض الأسلحة ذهبت من تركيا إلى الإرهابيين في سورية، وعليهم إيقاف توريدها لإيقاف الحرب وإيقاف إطلاق النار في سورية، لمنع توريط الاتحاد الأوروبي بعمليات إرهابية من الخلايا النائمة المتواجدة في بلدانه.
سفاهة الفعل الذي تورّطت به تركيا بإسقاط الطائرة الروسية، حرم رعاياها من الحصول على تأشيرات دخول إلى روسيا، وكذلك منع دخول الأتراك حاملي تأشيرات الدخول، مع منع دخول البضائع التركية عبر الجمارك الروسية.
الشعوب الغربية أكثر عقلانية من حكامها، بضغطها عليهم للانخراط بالتحالف الروسي ضدّ الإرهاب لأنه الأكثر جدّية في محاربته، ما جعل فابيوس يصرّح بضرورة التعاون مع الجيش العربي السوري.
ظلّ الغرب يستثمر في الإرهاب إلى أن ضربه في عقر داره، ما يهدّد الحكومات وشعوبها، وما يجري اليوم في الساحات الأوربية هو قلق على مصيرها واقتصادها. لذلك هي تطالب تركيا لإقفال حدودها مع سورية. وتقديم لوائح الإرهابيين.
بين العقلاء والسفهاء. يبرز الفعل وردّ الفعل، بين باريس وطهران، فموقف طهران الثابت يوضح أن لا تفريط بأي حق من حقوق الشعب السوري. أما دعوة هولاند تُرى هل يمكن أن تلقى صدى بحيث هل يمكن أن تكون باريس واحد بدل فيينا 3.
سفاهة أردوغان وحماقة تمرّده على الحليف الأميركي، أدّت إلى توبيخه لما حدث في الشمال السوري. علماً أنها التزمت بالهدوء لامتصاص ردّ الفعل الروسي، ما جعل الثقل الأميركي في اتخاذ الحلّ للأزمة السورية زمنياً، يرحّل إلى الرئيس الجديد.
أما عقلانية الموقف السوري الثابتة، تتجدّد في ترحيب المعلم بموقف فابيوس، بالتعاطي والتنسيق مع الحكومة السورية، مع شروط للتعامل مع الملف الإرهابي.
سورية كانت ولا تزال تدعو الجادّين في محاربة الإرهاب للانضمام إلى حلفها، إلى جانب القوات المسلحة العربية السورية، وحلفائها الروس والإيرانيين والمقاومين…