بري: لا للانتهاك السياديّ في عرسال… وجنبلاط: نعم لتسويق التسوية الرئاسية فرنجية: الحريري جدّي فلا تضيّعوا الفرصة ولا تقلقوا فمشوارنا مع عون سيُكمل

كتب المحرر السياسي

في مناخ التصعيد الإعلامي الذي قدّمت عبره روسيا بلسان وزير دفاعها الصور والوثائق التي تدين الرئيس التركي رجب أردوغان وفريقه وعائلته بتجارة النفط لحساب «داعش»، وقدّم عبره أردوغان مجدّداً التعهّد بالاستقالة في حال ثبوت التهمة الروسية عليه وعلى عائلته، سيلتقي وزيرا خارجية روسيا وتركيا في بلغراد خلال الأيام القليلة المقبلة، استباقاً لوضع العقوبات الروسية قيد التنفيذ، وفي ظلّ تقادم الوضع العسكري الميداني لمصلحة المزيد من الإنجازات يحققها الجيش السوري وحلفاؤه شرق حلب وشمال اللاذقية بسيطرته على قرابة عشر قرى.

اللقاء يأتي حصيلة مساعٍ ومواقف أوروبية وأميركية لتدارك المزيد من الخسائر التركية الناتجة عن ارتكاب المزيد من الحماقات، فقد تكفّل الأوروبيون بقيام الوزير التركي بإبلاغ نظيره الروسي التخلّي عن السعي إلى حلم المنطقة الآمنة، وفقاً لما أفضت إليه صفقة الثلاثة مليارات يورو التي تلقتها تركيا لقاء وقف هجرة اللاجئين داخل تركيا وصرف النظر عن ربط ذلك بالمنطقة الآمنة، بينما تعهّد الأميركيون بأن يكون في اللقاء اتفاق على تكريس الإقفال النهائي للحدود السورية التركية، وفقاً لما بشّر به وزير الخارجية الأميركي في مؤتمر صحافي.

مناخات الانفراجات المأمولة من اللقاء ربما تتبعها تفاهمات على تولي مجلس الأمن في جلسة منتصف الشهر الحالي وفي ظلّ ترؤس واشنطن للمجلس هذا الشهر، بحسم تصنيف التنظيمات الإرهابية، تمهيداً للقاء مسار فيينا في نيويورك بدلاً من باريس لإطلاق الحوار السوري – السوري في جنيف الثالث.

في لبنان مَن يراهن على الانفراجات بالمساعدة على التسويات، وعلى إنهاء ملف الإرهاب معاً، ولذلك يشدّد رئيس المجلس النيابي نبيه بري على تلازم وتزامن مساعيه لتصليب الجبهة الداخلية في وجه الإرهاب والفتن، مسجلاً في هذا السياق رفضه المطلق لمشاهد استعراض جبهة «النصرة» في عرسال، واصفاً الأمر بالانتهاك السيادي المرفوض، ومع هذا الموقف السعي الحثيث إلى التقاط كلّ فرص للتوافق وتزخيم لغة الحوار، سواء لحلحلة ملف قانون الانتخابات النيابية أو الشأن الرئاسي، بينما ذهب النائب وليد جنبلاط إلى حصر نشاطه في الملف الرئاسي، معلناً قبيل العشاء الذي أقامه للنائب سليمان فرنجية في دارته في كليمنصو أنه سيضع جهده لتسويق التسوية الرئاسية التي تقوم على ترشيح فرنجية لرئاسة الجمهورية.

النائب فرنجية سجّل خطوة إلى الوراء، أكد فيها تمسكه بالحلف الذي ينتمي إليه قائلاً علينا أن نقنع حلفاءنا ونطمئن خصومنا ومستعدّون لفعل ما يلزم في الاتجاهين، معتبراً أنّ حلفه مع العماد ميشال عون باقٍ، معلناً أنّ المشوار المشترك سيكمل، وكما كنا معاً سنبقى معاً فلا تقلقوا، لكنه تقدّم مترسمِلاً بهذا التموضع خطوتين إلى الأمام قائلاً: إنها فرصة إذا ضاعت بعدها المجهول، ومَن لديه فرصة جدية أخرى فليقدّمها، مؤكداً جدية الحريري في مشروع التسوية نافياً أيّ تعهّدات تطال قانون الانتخابات.

ذهبت الصور البروتوكولية والاحتفالية البراقة بالإفراج عن العسكريين المحررين من جبهة النصرة الإرهابية وحل المنطق لدى المتابعين في هذا الشأن. وطرحت مصادر عليمة في حديث لـ«البناء» ملاحظات أساسية وكبيرة. الملاحظة الأولى تتصل بالشكل هل كان ضرورياً إجراء هذه المراسم الاحتفالية للأسرى؟ الملاحظة الثانية: ألا تشجع هذه المراسم الاحتفالية على تجنب القتال والاستشهاد والاتجاه إلى الوقوع في الأسر لتفوز أولاً بالنجاة وثانياً بالاحتفال؟ والملاحظة الثالثة: كيف يسمح للإعلام أن يستصرح عسكريين عائدين من الأسر قبل إخضاعهم لمقتضيات القانون بما في ذلك الفحص الطبي والاستجواب المسلكي والتحقيق القضائي؟ الملاحظة الرابعة: كيف تقبّلت الدولة اللبنانية صورة المسلحين الأمنين في عرسال وسمحت بعرضه على شاشات التلفزة، فكان هؤلاء أصحاب السيادة الفعلية على عرسال؟ أسئلة كبيرة تطرح في هذا الموضوع لكن يحرص البعض على الاحتفاظ بها لتجنب الإساءة إلى بعض المشاعر، بخاصة أن بعض ما قاله العسكريون يثبت أن أسرهم حصل من دون قتال، ومن غير استنفاد وسائل القتال ومن غير أي محاولة للفرار من الأسر؟

تسهيل تحرير القلمون

أما عن تدخل حزب الله والتسهيلات السورية، فتفسر مصادر مطلعة لـ«البناء» ذلك بالقول «أن حزب الله حرص والحكومة السورية على سلامة العسكريين وإعادتهم إلى ذويهم، بخاصة مع عجز الدولة اللبنانية عن القيام بأي فعل مؤثر في هذا الإطار، وكما أن المقاومة نشأت لسد عجز الدولة لمواجهة «إسرائيل»، فيبدو أن المقاومة ومعها الحليف السوري سلكت الطريق نفسه لسد هذا العجز». وتشير المصادر إلى «أن حرص حزب الله على سلامة العسكريين لا يُخفي المصلحة العملانية المحتمة له وللحكومة السورية في إقفال هذا الملف الذي يشكل بحد ذاته، بشكل مباشر أو غير مباشر، عائقاً أمام احتمال عملية تحرير القلمون». وذكرت المصادر بـ»الأصوات اللبنانية التي أطلقت أثناء عملية القلمون واضعة خطوطاً حمراء حول عرسال ومتذرعة بالأسرى وإقدام بعض الجهات على قطع الطرقات وإزعاج المقاومة».

ولفتت المصادر إلى «أن المشهد المقزَّز أكد حقيقة كان فريق 14 آذار يخادع فيها وهي أن عرسال محتلة، وأن الاحتلال يفرض التحرير الذي إما أن يكون عن طريق الجيش، أو أن يكون عن طريق آخر يعلمه أصحاب الشأن».

لفت مدير عام الأمن العام اللواء عباس إبراهيم إلى «أنه يحتفظ بأوراق موقّعة من القضاء اللبناني بإطلاق سجى الدليمي، وعلى هذا الأساس أضيف اسمها إلى الملف لا أكثر ولا أقل»، مشدداً على «أنه لا يمكنه أن يفرّط بدماء اللبنانيين، ولو لم يكن الملف قابلاً للحل لما حل بهذه الطريقة». وأكد أن «لا وجود لبندَيْن في الاتفاق ينصان على منح 25 مليون دولار لـ«جبهة النصرة» وإعطائها هامشاً للتحرك في عرسال». وعن ملف العسكريين المخطوفين لدى تنظيم «داعش»، أوضح «أن المشكلة تكمن في إمكان إيجاد مفاوض»، لافتاً إلى «أنه خلال الأشهر الثلاثة الأولى من خطف العسكريين تمّ التفاوض مع وسيط لدى التنظيم والتوصل إلى شبه اتفاق، ثم غاب «داعش» منقلباً على الوساطة».

وأكد قائد الجيش العماد جان قهوجي «العمل بكل السبل المتاحة لتحرير باقي العسكريين المخطوفين وعودتهم إلى كنف عائلاتهم ومؤسساتهم»، مشدداً على «أن الجيش لم ولن يساوم على أي إرهابي ثبت ضلوعه في قتل العسكريين». ولفت إلى «أن الظروف التي رافقت ما جرى بالأمس، لن تؤثر إطلاقاً على قرار الجيش الحازم في مواصلة التصدي للتنظيمات الإرهابية على الحدود الشرقية، وصولاً إلى التحرير الكامل لهذه المنطقة وعودتها إلى السيادة اللبنانية».

وبعد أن طلبت جبهة النصرة من الدولة اللبنانية إسقاط الأحكام عن الشيخ مصطفى الحجيري حكمت المحكمة العسكرية على المعروف بأبو طاقية بالسجن سنة وشهراً بتهمة الاتجار بالأسلحة. وأشارت مصادر عسكرية لـ«البناء» إلى «أن هذا الحكم لا يلغي الحكم السابق الصادر بحقه بالمؤبد لإدانته بالانتماء لـ«جبهة النصرة».

بري: ما حصل يستدعي استجواباً للحكومة

وتجنّب رئيس المجلس النيابي نبيه بري تهنئة العسكريين، مكتفياً بالقول: مبروك للأهالي»، لافتاً إلى «أنه بين الدموع والشموع حصلت فضيحة سيادية»، مشيراً بحسب ما نقل عنه زواره لـ«البناء» إلى أنه صُدم مما شهده عبر محطات التلفزة من انتهاك للسيادة اللبنانية»، ومعتبراً «أن ما حصل يستدعي استجواباً للحكومة».

فرملة نفسية لخيار ترشيح فرنجية

رئاسياً، انكمشت الاندفاعة الرئاسية، وقوة الدفع توقفت لا سيما أن الحراك المرتبط بالتسوية الرئاسية معلّق على تطورات الأيام الماضية التي أظهرت اعتراضاً مسيحياً. ويبدو هناك رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية، بخاصة أن العامل النفسي في لبنان عامل أساس في تظهير الموقف الذي لم يتكامل بعد بانتظار أن يعلن رئيس تيار المستقبل سعد الحريري ترشيح فرنجية لا سيما أننا أمام إلغاء لمؤتمرَيْن أو بيانَيْن أو إطلالتَيْن للحريري وجنبلاط لفعل ذلك.

ولفت فرنجية إلى «أن ترشيحه للرئاسة حتى اليوم غير رسمي»، وقال: «كل ما قاله الحريري هو جدّي لكن غير رسمي»، وأضاف: «8 آذار لن تذهب إلى الانتخابات إلا موحّدة ورئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون أخ وصديقح ونحن في فريق واحد ومشوارنا واحد».

وقال خلال زيارته المسائية للنائب وليد جنبلاط في كليمنصو: «زيارتي هي للقول إنه أول من طرح اسمي في لبنان، ومهما كانت النتيجة من التسوية فأنا وجنبلاط في طريق واحدة»، مضيفاً «أنني لا أريد أن أحرق المراحل وكل شيء سيأتي في وقته والوفاق الوطني أهم من كل شيء».

ورأى فرنجية «أن الجو الدولي والسعودي هو مناخ يدعو لإتمام الاستحقاق الرئاسي»، موضحاً «أنني مع أي طرح آخر، لكن العرقلة فقط للعرقلة فنحن نرفضها، فإذا ضاعت هذه الفرصة فسنصبح في مكان خطر جداً»، ومضيفاً «المسيحيون إن كان لهم عذر مسيحي لرفضي، فأنا سأمشي معهم، لكن رفضي لمجرد الرفض فأنا لن أقبل».

وأكد فرنجية «أنني لا أقوم بتسوية على حساب شيء لا أملك القدرة عليه وبالتالي أنا لم أساوم على القانون الانتخابي»، وقال: «إنني لست مع قانون انتخابي يلغي طائفة معينة»، مضيفاً «في ثوابتنا علينا الوصول إلى منتصف الطريق ووضع لبنان أمامنا حل المشكلة الحقيقية».

وقال جنبلاط: «لأننا لم نستطع على مدى سنة ونصف أن نتوصّل إلى رئيس توافقي، أتت فرصة رئيس تسوية متمثل بفرنجية»، وأضاف «سأساعد على طريقتي في تذليل العقبات ضمن الإمكانات».

فرنجية يضبط خياره الرئاسي

وكان فرنجية قدّم واجب العزاء للعماد عون برحيل شقيقه روبير عون في كاتدرائية «القيامة». وقال: «جئنا اليوم لتأدية واجب العزاء، وسوف نتحدّث بالسياسة مع الجنرال لاحقاً».

ومن المتوقع أن يزور فرنجية في الساعات المقبلة بكركي لوضع البطريرك الماروني بشارة الراعي الذي عاد من زيارته الألمانية في أجواء التسوية الرئاسية.

وفي السياق، رأت أوساط سياسية لـ«البناء» «أن كلام فرنجية عبر باب كليمنصو هو محاولة ضبط خياره ضمن منطق سياسي دفاعي أكثر ترتيباً وهدوءاً، بما يتجاوز كلامه على باب الحوار في عين التينة». ولفتت الأوساط إلى «أن الجهد الذي بذله فرنجية في تصويب موقفه من ناحية فريق 8 آذار والعماد عون لم يغيّر في التموضع السياسي للحدث الرئاسي».

بري: العقدة مارونية مارونية

وأكد الرئيس بري بحسب ما علمت «البناء» «أن ترشيح فرنجية مطروح جدياً، ويجري العمل على تذليل العقد». ولفت بري إلى «أنه تقصّد أن ينأى بجلسات الحوار عن هذا الموضوع». وأوضح بري «أنه في ما يتعلق بقانون الانتخاب، فإن فرنجية نأى بنفسه عن هذا الموضوع في لقائه مع الحريري وأبلغه أن هذا الأمر ليس بيدي». ولفت بري بحسب ما نقل عنه زواره إلى حاجته للحوار في هذه المرحلة أكثر من أي وقت مضى وأنه لا يزال عند رأيه أن مشكلة الرئاسة ليست إسلامية مسيحية وليست مسيحية مسيحية، هي مارونية مارونية». ولفت زوار بري إلى «أنه عندما قارب بري هذه المشكلة في وسائل الإعلام أزعج ذلك البطريرك الراعي، لكنه أعاد طرح هذا الأمر واليوم يعيد تكراره أيضاً».

وعلمت «البناء» أن الرئيس بري قارب الملف الرئاسي لا سيما طرح ترشيح فرنجية مع مستشار المرشد الأعلى للجمهورية الإيرانية السيد علي الخامنئي علي أكبر ولايتي، من دون أن يُفصح الرئيس بري عن فحوى النقاش».

وتعليقاً على ذكر أحد النواب ما استحوذته جلسة قانون الانتخاب من حجم النقاشات، تساءل بري «كيف كان بإمكاني أن أوافق على طلب وضع قانون الانتخاب على جدول أعمال الهيئة العامة من دون نقاش».

وكانت عين التينة شهدت أمس، لقاء جمع الرئيس بري بالسفير السعودي علي عواض عسيري الذي أكد «أن ملف رئاسة الجمهورية شأن لبناني»، وأشار إلى «أن بلاده تشجع على التوافق واللحمة ونتمنى أن يكون هناك إنجاز لأن تطورات المنطقة تتطلب أن يكون لبنان محصناً».

عسيري يتراجع عن ضرورة الإجماع المسيحي

وأشارت مصادر مطلعة لـ«البناء»أن الحدث أمس لم يكن في مضمون الكلام السعودي إنما في مكان الزيارة»، مشيرة إلى «أن عسيري تراجع عن ضرورة الإجماع والتوافق المسيحي وأهميته، وقدّم تصريحاً لا يتعدى العموميات الدبلوماسية التي لا يُبنى عليها». ولفتت المصادر إلى «أن عدم تكرار السفير السعودي ما قاله عن ضرورة الإجماع المسيحي هو موضع تساؤل».

وقال الوزير وائل أبو فاعور من عين التينة: «إن تسوية ترشيح فرنجية هي أفضل الممكن والمتاح وربما تكرّس ميزاناً جديداً من التمثيل السياسي العادل للقوى كلها في البلاد». وأشار إلى أن «منطق أنا أو الطوفان يحمل منزلقات خطيرة وجنبلاط يخشى في حال فشل هذه التسوية من الدخول في المجهول». ورأت المصادر في موقف أبو فاعور «موقفاً تحذيرياً موجّهاً إلى المسيحيين بالتحديد، خصوصاً أن جنبلاط يُعتبر أصل الفكرة ووضع نفسه في تصريح أبو فاعور في موقع يدافع فيه عن الخيار الذي تبنّاه» .

وطالما أن طبخة الحريري لم تنضج بعد، ستبقى جلسات انتخاب الرئيس مكانك راوح، ومن تأجيل إلى آخر بعدما أرجِئت أمس الجلسة 32 إلى 16 من الشهر الجاري، بعد يومين من جلسة الحوار الوطني التي تلتئم مجدداً في 14 وستكون موضع ترقب وانتظار للاتصالات التي ستتكثّف لبلورة رؤى جدية للطرح الرئاسي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى