روسيا تربك تركيا بوثائقها عن «نفط داعش»

ميرنا قرعوني

فصل جديد من التوتر تدخله العلاقات التركية الروسية بعد إسقاط تركيا للطائرة الحربية الروسية الشهر الماضي فوق سورية، ويبدو أن العلاقات بين البلدين ذاهبة الى مزيد من التأزم بعدما اتهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنقرة بإسقاط الطائرة لحماية خطوط تهريب النفط المسروق إليها، وقد نشرت وزارة الدفاع الروسية صوراً تثبت تهريب النفط بكميات هائلة من مناطق سيطرة «داعش» في سورية إلى تركيا، مقابل توريدات الأسلحة والذخيرة كما اتهمت وزارة الدفاع الروسية عائلة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالضلوع بشكل مباشر في تجارة النفط مع «داعش». وهكذا نجحت موسكو في تحويل السجال السياسي والدبلوماسي مع تركيا إلى مجال لكشف خيوط التورط التركي في دعم الإرهاب بعدما قيل الكثير إعلامياً عن معاقل آمنة للإرهابيين وقادتهم على الأراضي التركية وعن معسكرات التدريب ومخازن السلاح والتسهيلات الحدودية لعبور عشرات آلاف المقاتلين الجانب الذي انضم معظمهم إلى داعش وقال المرصد السوري المعارض إن عدداً من قتل منهم في سورية يتجاوز الثلاثين ألفاً وسبق أن نشرت صحف عديدة معلومات عن التسهيلات اللوجستية والمساعدات بما فيها فتح المعابر الحدودية التي قدمتها السلطات التركية لداعش ولجبهة النصرة وفصائل إرهابية أخرى.

عندما أطلقت داعش عملياتها العسكرية في العراق وسورية كان الصدى التركي أكبر من الترحيب السياسي وثمة كثير من المحللين الأميركيين الذين استنتجوا أن أنقرة استعانت بداعش في الحد من انتشار الوحدات التركية على الحدود وردوا إلى ذلك تعنت أردوغان في التعامل مع الطلبات الأميركية الملحة للانضمام إلى الحلف الدولي الذي أعلنه الرئيس أوباما لضبط انفلاش داعش.

وقد كان مسؤولون أميركيون قد أكدوا سابقاً أن لديهم معلومات تشير إلى أن «وسطاء أتراكاً» ضالعون في تجارة النفط غير الشرعية مع تنظيم داعش بينما اعتبرت التقارير الأميركية والأممية أن العائدات من الاتجار بالنفط هي من أهم مصادر تمويل داعش في سورية، وقدرت العائدات بحوالى مليار دولار سنوياً، ويعتبر التنظيم الأغنى في العالم بالرغم من حداثة تأسيسه.

وبحسب وكيل وزير الخزانة الأميركي ديفيد كوهين ـ يجني داعش عشرات ملايين الدولارات شهرياً في العراق وسورية من خلال مصادر تشمل مبيعات النفط والفديات وعمليات الابتزاز وغيرها من الأنشطة الإجرامية إلى جانب الدعم الذي يحصل عليه من مانحين أثرياء.

كما تحفل الصحف الأميركية والبريطانية والتركية وغيرها بتقارير تتحدث عن حجم الأموال الهائلة التي يجنيها تنظيم داعش يومياً من تجارته في السوق السوداء بالنفط والغاز والأعضاء البشرية وعمليات الاختطاف وغيرها ، فقد جنى التنظيم ما يفوق عن 20 مليون دولار على الأقل من الفديات عام 2014.

أما في ما يتعلق بتجارة الآثار المسروقة فقد ذكرت اليونسكو أن الإرهابيين استفادوا من بيع الآثار في المناطق التي سيطروا عليها في سورية والعراق، وتفيد التقارير أن شبكات التسويق لمصلحة داعش تتم مع شركاء تجاريين في تركيا والعراق والأردن ولبنان، وبحسب صحيفة «نيويورك تايمز» الأميركية أن «مصدر الدخل الأفضل للتنظيم الإرهابي هو تهريب النفط ونهب خزائن البنوك وبيع الآثار المنهوبة من سورية والعراق، فضلاً عن الحصول على الفدى جراء خطف الأجانب، ما يجعل داعش التنظيم الإرهابي الأغنى في العالم».

ونقلت الصحيفة عن «مسؤولين أوروبيين أن شركات الصرافة والتحويلات النقدية جنوب تركيا تشكل مصدراً آخر للقلق، بشكل خاص، إذ أن هناك اعتقاداً أنهم يساعدون المسلحين في غسل الأموال «، والمقصود هو بالذات تسييل عائدات بيع النفط والآثار على الأراضي التركية وتأمين مشتريات داعش وجبهة النصرة وسواهما من المواد التموينية والتجهيزات من الأسواق التركية.

وتؤكد معظم المصادر الغربية أن بيع النفط المنهوب في العراق وسورية لمصلحة داعش يتم عبر تركيا وتتولاه شركات وشبكة من تجار تهريب النفط تضم أتراكاً وأكراداً وعراقيين، ولكن الميدان الرئيسي لهذه العملية هو تركيا بالذات التي ينقل اليها النفط براً بواسطة الصهاريج التي أظهرتها الوثائق الروسية .

السؤال الذي تثيره الوثائق الروسية والمعطيات الإعلامية في الصحف العالمية وتصريحات المسؤولين الغربيين هو كيف يمكن لقوافل ضخمة من مئات الصهاريج التي تنقل النفط أن تعبر الحدود التركية الى وجهة داخل الاراضي التركية من دون علم السلطات أو موافقتها في دولة معروفة بقوة أجهزتها الأمنية والعسكرية؟!، وكيف تستطيع داعش تأمين عبور تلك القوافل وتحركها داخل تركيا من غير شركاء أتراك يستطيعون تأمين الحماية السياسية والقانونية والأمنية لعمل ضخم بهذا الحجم ويجري على مدار الساعة؟! والسؤال الأكبر عن شبكة التسويق التركية الشريكة لداعش والتي تنقل لها الأموال من تركيا أو الأسلحة والذخائر مقابل شحنات النفط التي قالت بعض الروايات الصحافية إن جزءاً أساسياً منها يباع من خلال شركة تركية عبر ميناء جيهان التركي.

ركز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في رده على الوثائق الروسية على ما يطاله وعائلته من تورط، ولكنه لم يقدم ما ينفي هوية الصهاريج ووجهتها التركية أو كونها تنقل نفطاً من مناطق سيطرة داعش إلى تركيا ولم يقدم أي توضيح بخصوص ذلك، وبالتالي فهو حاول صرف الانتباه عن الجوهري في الوقائع التي كشفتها روسيا بعدما قدمت نموذجاً ناجحاً في ضرب موارد الإرهاب من خلال قصفها لمئات الصهاريج التي تنقل النفط المسروق نحو تركيا، الارتباك التركي واضح والتصميم الروسي أوضح وليس بعيداً أن يتصدر هذا الملف النقاش الدولي بسرعة، خصوصاً إذا كانت لدى روسيا معلومات ووثائق إضافية تتضمن المزيد من الوقائع والأدلة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى