ماذا لو قال الجنرال عون؟

ناصر قنديل

– أعلن الجنرال ميشال عون عملياً نعي الحوار مع تيار المستقبل، من دون أن يعلن خروجه من السباق الرئاسي أو فتح الباب للبحث عن توافقات بديلة، فهو يعلم أنّ زمن التوافق مغلق ليس على اسمه، بل على الزمن الذي لم ينضج بعد لصناعة التسويات في المنطقة، وربما في ختامها لبنان، فاحتاج العماد عون بالمعنى السياسي إلى زمن إضافي يشحن من خلاله مشروعه الرئاسي بقوة دفع ديمقراطية، مختاراً الذهاب إلى اقتراح تعديل دستوري يقوم على دورتين واحدة لتأهيل المرشحين الأقوى بين الموارنة، والثانية لحسم اسم الرئيس.

– يعرف العماد عون التعقيدات التي تحول دون أن يبصر اقتراحه النور، وهي ذات التعقيدات التي حالت دون التوافق عليه مرشحاً يحظى بثلثي مجلس النواب، فكلّ ما يمكن أن يوصل العماد للرئاسة ليس أوانه إن لم يكن مرفوضاً بالمطلق، والمسألة ليست بمدى ديمقراطية الطرح ولا بما يظهره من ثقة بامتلاك غالبية شعبية تجعل وصول غيره إلى الرئاسة موضع طعن ديمقراطي وتعبير عن هزال ولا إنصاف المعادلات السياسية في لبنان، كما أنّ المسألة ليست بإثبات حجم الإجحاف الذي يلحق المسيحيين بتجاهل حقهم برئيس يحسب عليهم ولا يكون من أقويائهم أسوة بحال الرئاسات الأخرى وطوائف من يصلون باسمها.

– في مناخ انفلات العصبيات الطائفية والعرقية وترجمتها مشاريع تقسيم، من حركة داعش وكردستان، والترحيب الإسرائيلي بدول تتماهى بالتكوين مع مشروع الدولة اليهودية، مقاربتان متناقضتان لمبادرة الجنرال، بين من يريد وضعها في نصاب مشابه لجعل النظام اللبناني أقرب إلى فيديرالية مقوننة باعتماد انتخاب مسيحي صرف للمرشحين في دورة أولى، وبين من يراها دعوة لطمأنة المسيحيين، لتمتين صلتهم بالكيان الوطني اللبناني، منعاً لتمادي الإقصاء والتهميش الموصلان للهجرات الجماعية أو التطرف.

– السؤال المحوري لا يطاول ما ستتركه مبادرة العماد عون من أثر في السياسة، فالاستعصاء الرئاسي لن تحله مقترحات قانونية ودستورية، وهو نتاج استعصاء التسويات في كلّ المنطقة بل في العالم، والرئاسة في لبنان مكونة وفقاً لنصابها الدستوري من مشروع تسوية لا تنضج في بلد يقف على خطوط التماس الإقليمية والدولية، إلا بنضوج ما قبلها على مسرح المنطقة والعالم.

– السؤال المحوري هو في السياسة، حيث ستشغل المبادرة الوسط السياسي لأيام في قلب الفراغ والانتظار والوقت الضائع، هل كان ممكناً توقع نتيجة أفضل لو صاغ الجنرال مبادرته بطريقة لا تتقدم فيها كخيار دستوري بديل للواقع الرئاسي، يغيّر في طبيعة النظام ويستدعي تعديلاً بصلاحيات الرئيس بالتناسب مع تحوّل النظام من نظام برلماني إلى نظام رئاسي، فيتقدم بمبادرته ربطاً بحال استثنائي هو الذي دفع بالجنرال ليبادر، وهو حال العجز عن انتخاب رئيس في المدة الدستورية المنصوص عليها؟

– لو قال الجنرال إنه يقترح تعديلاً دستورياً يعالج حالة الفراغ فقط، فينص على تتمة للنص الدستوري الحالي بمادة وحيدة مضافة تقول:

«في حال عدم تمكن المجلس النيابي من انتخاب رئيس جديد للبلاد قبل نهاية الولاية الدستورية للرئيس الحالي تتولى الحكومة صلاحيات الرئيس موقتا لمدة ستين يوماً يواصل خلالها المجلس النيابي مسؤوليته كهيئة ناخبة لينعقد إذا فشل بمسؤوليته في اليوم العاشر قبل انتهاء مهلة الستين يوماً بمن حضر لتسمية مرشحين للرئاسة ينالان أعلى الأصوات من النواب الحاضرين لتتولى الحكومة خلال مهلة العشرة أيام تنظيم عملية انتخاب الرئيس من الشعب مباشرة بالتزامن مع انتخاب مجلس نيابي جديد وفقاً للقانون الانتخابي المعمول به بعد اعتبار المجلس النيابي الحالي منحلاً حكماً».

– معلوم أنّ مصير هذه المبادرة المعدلة قد لا يكون في الواقع العملي أفضل لجهة استمرار استعصاء التوافق الرئاسي، لكن ربما في السياسة كانت هذه الصيغة أكثر استجابة للواقع وتلبية للحاجة، وكانت ستلقى ربما مساحة نقاش أوسع وتشكل إحراجاً أكبر وتتحرّر من نقاط ضعف بدأ الخصم بتسجيلها.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى