من قصر الإليزيه مروراً بالرياض وطهران

روزانا رمّال

إذا كان انتخاب رئيس للجمهورية قد استعصى على اللبنانيين نظراً لارتباطه المباشر بالأزمة السورية وبمصير الرئيس السوري بشار الأسد، فهذا يعني أنّ أيّ جدية اليوم في ملف الرئاسة أو في طرح مرشحين هي بطريقة أو بأخرى إعلان عن أحد أمرين، إما نجاح اللبنانيين في فصل الملف السوري عن الملف اللبناني أو اقتراب الحلول السياسية للأزمة السورية وتكامل المعطيات الدولية وإنضاج التسويات.

إنّ الاعتماد على فكرة أن يكون لبنان قد انتقل من مرحلة التبعية إلى الاستقلالية بالمشهد يقارب الاستحالة نظراً لطبيعته المتشابكة وطبيعة اللاعبين فيه وطغيان التوافقية السياسية النابعة من توافق إقليمي على معظم استحقاقاته، وبالتالي فإنّ هذا الاحتمال يكاد يكون بعيداً عن الواقع.

انطلقت إشارة تحريك العجلة الرئاسية في البلاد بعد التفجير الأخير الذي استهدف الضاحية الجنوبية وعقبه خطاب لأمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله جدّد خلاله الدعوة إلى تسوية شاملة، لكنّ التفجير الذي استهدف الضاحية تبعه تفجير آخر في باريس وسرّ ارتباط التفجيرين ببعضهما لم يعد لغزاً، فكلّ ما يستهدفه «داعش» يتحد عند نقطة مواجهة الإرهاب، عدا عن أنّ رئيس الوزراء «الإسرائيلي» بنيامين نتنياهو أكد أنّ لدى تل أبيب أدلة على ارتباط بين تفجيري برج البراجنة وباريس وسقوط الطائرة المدنية الروسية فوق سيناء وهذا حديث آخر.

شعر سكان المنطقة منذ اللحظة الأولى بأنّ تفجيرات باريس طالتهم بشكل مباشر، فسورية دخلت مرحلة جديدة وانضمت فرنسا إلى روسيا كحليف في مواجهة الإرهاب أما لبنان فقد استفاق فجأة على تحريك الجمود السياسي فيه، ففُتح الملف الرئاسي على مصراعيه من باريس، بترشيح الرئيس سعد الحريري النائب سليمان فرنجية، من دون إعلان ذلك رسمياً حتى الساعة.

من فرنسا أيضاً أطلّ الحريري بعد لقائه الرئيس فرنسوا هولاند وقال: «إننا نعمل مع كلّ اللبنانيين لإنهاء الفراغ الرئاسي، وهناك حوار جارٍ بين الأفرقاء اللبنانيين كافة وهناك أمل كبير اليوم بإنجاز هذا الموضوع، وبإذن الله ستكون الأمور بخير قريباً». أما هولاند فأكد، من جهته، ضرورة إنهاء الفراغ الرئاسي.

لا يحمل الاجتماع بين الطرفين سوى مناقشة أمرين أساسيين لكلّ منهما، فبالنسبة إلى الرئيس الفرنسي لا شيء يعلو على أولوياته في مكافحة الإرهاب ومصير المنطقة، لأنّ ذلك يعود على فرنسا بكلّ تأثيراته بشكل مباشر، بدليل دخول باريس الحرب على الإرهاب جنباً إلى جنب مع موسكو. أما الحريري فلا يحمل لهولاند، لبنانياً، سوى ملف ترشيح فرنجية.

إنه اللقاء الأول الذي يجمع الطرفين بعد سلسلة متغيرات حاسمة في المنطقة بحيث يمكن إطلاق تسمية اللقاء الأكثر واقعية عليه، فلا هولاند شدّد على ضرورة إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد ولا الحريري، بل كان لقاءً هادئاً ناقش الأولويات، ففرنسا غير مستعدة لتحمل المزيد، ويبدو هذا الأمر جلياً منذ أن توالت تصريحات لمسؤولين فرنسيين، وعلى رأسهم هولاند، أكدت أنّ الأولوية ليست لإسقاط الرئيس بشار الأسد إنما لمحاربة «داعش»، وقد أعلن وزير الخارجية لوران فابيوس أنّ بلاده تدرس إمكانية التعاون مع مجموعات مقاتلة على الأرض السورية ومن بينها الجيش السوري.

سمع الحريري ذلك وتأكد له أنّ انتظار مصير الرئيس الأسد وربط لبنان به أو الإصرار على إسقاطه فقد جدواه عند الذين أسَّسوا لهذه المعادلة. وها هو على ما يبدو يتخطاه وربما يكون قد أرسل إشارة من الإليزيه في هذا الإطار بقوله: «لا شك في أنّ هناك تضحيات سياسية يجب أن نقوم بها، لأنّ لبنان أهم منا جميعاً، وكما كان الرئيس الشهيد رفيق الحريري يقول ما في حدا أهم من بلده».

يتحدث الحريري عن تضحيات سياسية ولا شيء يدعوه إلى التضحية إلا بما يتعلق بسورية وحلفائها عند الحديث عن حلّ الاستحقاقات في لبنان، كما أنه يعرف أنّ اختيار صديق الرئيس السوري بشار الأسد رئيساً للجمهورية ليس أمراً عادياً.

دخول فرنسا مسرح العمليات في سورية جعلها بلا شك أقرب إلى لبنان وأعاد إليها إمكانية التدخل في حسم استحقاقاته، وربما يروق دخولها لفريق الحريري أكثر من دخول روسيا التي أتت إلى المنطقة لتبقى فيها طويلاً. فلم لا تكون فرنسا راعية انتخاب الرئيس هذه المرة؟ إنّ استقرار لبنان هو جزء من استقرار المنطقة، ولبنان المتوتر لن يعكس إلا القلق فرنسياً، وبالتالي فإنّ المنهجية الجديدة للحكومة الفرنسية تركز على إغلاق منافذ الخطورة.

المحاولة الفرنسية واضحة لكنّ المؤشرات الإقليمية لا تقلّ أهمية عن تلك الدولية في الاستحقاقات اللبنانية، لهذا السبب يمكن التدقيق في بعض المؤشرات، وعلى رأسها انخفاض حدّة اللهجة السعودية ـ الإيرانية وحلّ أزمة اختفاء السفير الإيراني السابق في لبنان غضنفر ركن أبادي بعد أن أدت حادثة منى إلى توتير العلاقات بين البلدين، المتوترة أصلاً، وقد تمّ تسليم جثته بهدوء وكأنّ السعودية بذلك تقول إنها لا تريد مزيداً من تأزيم العلاقات. وعلى المقلب الإيراني، استقبل لبنان مستشار مرشد الجمهورية الإسلامية السيد علي خامنئي علي أكبر ولايتي، الذي أمل أن يجد الاستحقاق الرئاسي اللبناني طريقه إلى الحلّ في القريب العاجل.

فرنسا تدخل على خط هدوء سعودي إيراني واضح يمكن الاستثمار عليه وسط العاصفة المحيطة ويشير اليوم إلى أولوية حلّ الأزمة الرئاسية عند الأطراف كافة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى