انقلاب السّحر على السّاحر.. اتساع رقعة الإرهاب

محمد علي القايدي

شهدت فرنسا عمليّة إرهابية كبيرة هزّت فرنسا عامة وفاجأت المجتمع الباريسي خاصة وتعدّ الثانية بعد عمليّة «شارلي هبدو» وكانت حصيلتها ثقيلة، إذ أسفرت عن عدد كبير من القتلى والجرحى في صفوف المدنيين الأبرياء من أكثر من جنسيّة لأنّ الإرهاب لا يفرّق بين ضحاياه.

هذه العمليّة المخطّط لها بدقّة متناهية أربكت الحكومة وأحرجتها وأظهرت مدى ضعف وهشاشة أجهزة المخابرات الفرنسيّة، ممّا اضطرّها لاتخاذ إجراءات عاجلة تتمثل في مراقبة الحدود، وبالتالي تعليق العمل مؤقّتا باتفاقيّة «شنغن» وكذلك اتخاذها احتياطات أمنية مشدّدة، الغاية منها التقليص أو الحدّ من الهجمات الإرهابية مستقبلاً إلى جانب القيام بمداهمات لأوكار المشبوهين من الخلايا النائمة أو العناصر من أصول فرنسيّة أو عربيّة كانوا قد التحقوا بـ « داعش» وشاركوا في حربهم ضدّ الدولة السورية.

هذه المجموعات الإرهابية تلقت تدريبات عالية على فنون القتال ومسك الأسلحة ونصب الكمائن وصنع المتفجرات في معسكرات تدريب تشرف عليها قوّات خاصة من حلف «الناتو» بقيادة كل من فرنسا والولايات المتحدة الأميركيّة وبريطانيا و«إسرائيل» وتركيا بعد تأمين مناطق عبور رئيسيّة أهمّها الحدود التركيّة وكذلك الأردنيّة والعراقيّة واللبنانيّة لتوتير الأوضاع وزعزعة الاستقرار في كامل منطقة الشرق الأوسط، تمهيداً لتقسيمها إلى دويلات وإمارات قزمية ضعيفة، بدءاً بتدمير سورية تدميراً ممنهجاً أي شنّ حرب بالوكالة عن «إسرائيل» دون أن تطلق هذه الأخيرة رصاصة واحدة على حدودها في الجولان والذي زاد الطين بلة هي الحرب الإعلامية التي شنّها الإعلام الغربي المعادي للإسلام.

مصادر غربيّة عليمة تؤكد أن جل قيادات داعش علمانيون لا يمتّون للإسلام بصلة ولا علاقة لهم بالفكر الجهادي، مطلقاً ناهيك عن المجنّدين المرتزقة الذين ينتمون إلى بلدان مختلفة وجنسيّات عدة، فأكثر من 40 بالمئة من المجندين من الدول الأوروبيّة، ورغم ذلك فالإعلام الغربي الذي يمتلك ماكينة إعلامية جهنّميّة مضلّلة دورها قلب الحقائق وتوجيه الرأي العام بإلباس هؤلاء المرتزقة جبّة الإسلام الجهادي ومدّهم بالمال والسلاح والعتاد والدعم اللوجستي والاستخباري والتدريبي وتأمين وصولهم إلى مناطق القتال لزرع سياسة الموت والدمار والخراب، أي سياسة الأرض المحروقة لفرض واقع ميداني جديد في المنطقة العربيّة ودفعها نحو المجهول، كما هو الحال في العراق وليبيا الغارقين في فوضى عارمة، بينما أوكل الشأن اليمني للسعوديّة وقوات درع الخليج بمباركة أميركيّة لتدمير اليمن بإشعال حرب طائفيّة بين أبناء البلد الواحد بغية وضع حد لسيطرة «الحوثيين» المدعومين من إيران على حساب السنّة الذين يمسكون بزمام الحكم في اليمن البلد الفقير من دون إشراك الشيعة في حكم البلاد.

فالإرهاب صناعة غربيّة بامتياز ودعمه من قوى الشرّ الهدف الحقيقي منه خلق بؤر توتّر جديدة في مناطق عديدة من العالم، بغاية تدمير وتفتيت عديد من الدول الصغرى وإضعافها قصد السيطرة عليها ونهب ثرواتها وما يعقب ذلك من مآسٍ وما ينجم عنه من ويلات يدفع ثمنها المدنيون الأبرياء، فكل المآسي والويلات تخلق ردود أفعال مختلفة وصحوة ضمير لدى الكثيرين من الذين غرّر بهم، فتنمو في نفوسهم رغبة الانتقام ممن غرّر بهم وكانوا وراء تحويلهم وحوشاً ومخرّبين وسفّاكي دماء، فينقلبون على أسيادهم وما عمليّة باريس الأخيرة إلا عيّنة من انقلاب السّحر على السّاحر. ولنا في التاريخ عبر ودروس ليت زارعي الإرهاب ومموليه يعتبرون. فتركيا التي تورّطت في نشر الإرهاب وتغذيته قصد تدمير جارتها الحدوديّة سورية بإيعاز من أميركا و«إسرائيل» ها هي قد تلظت واكتوت بنيران ما زرعت.

فزعزعة الاستقرار في أيّ مكان من العالم رهينة مدى وعي الدول الكبرى بالالتزام بعدم التدخّل في شؤون الدول الصغرى للحفاظ على الأمن والسلم في العالم، وذلك بنشر روح التسامح والإخاء بين الشعوب حتّى لا تتّسع دائرة الإرهاب الأعمى وتدمّر وتحرق كل شيء في طريقها.

كاتب تونسي

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى