تركيا تغلق حدودها مع سورية في ظلّ سباق دولي
د. هدى رزق
لم يأت اللقاء بين وزراء خارجية كلّ من تركيا وروسيا في بلغراد بجديد، بعد إسقاط تركيا للطائرة الروسية فلا يزال التوتر على حاله في الوقت الحاضر. فالكلمة التي ألقاها الرئيس بوتين في موسكو زادت من توتر العلاقة، وللمرة الأولى يصرح بوتين في الخطاب الذي ألقاه «إن الله قرّر معاقبة الزمرة الحاكمة في تركيا بإبعادها عن التعقل»، وحمّل القيادة في تركيا مسؤولية قتل الطيار الروسي، وقال إنها ستدفع الثمن ليس فقط اقتصادياً فيما تقف الشاحنات التركية على الحدود الأوكرانية دون أن تستطيع الدخول الى روسيا.
وفيما أثار اتهام بوتين لأردوغان وعائلته بالتعامل في تجارة النفظ مع «داعش» حفيظة الأخير، اعتبر الاتهام لا أخلاقي، لكن أوباما في قمة المناخ في باريس أصرّ على أردوغان وقف هذه التجارة وإغلاق الحدود السورية التركية.
يقول البعض في الداخل إنّ تركيا لن تخرج سالمة من هذه العقوبات، وإنْ فعلت فهذا سيكون بمثابة قوة لاقتصادها. لكن العقوبات على ما يبدو ستكون أكثر من جدية، إذ أنّ صحيفة «البرافدا» الروسية اتهمت أردوغان بدعم الإرهاب الداعشي الذي يمكنه أن يطال الأراضي الروسية، وهدّدت كلاً من السعودية وقطر وتركيا بدعم مماثل للإرهاب في أراضيها. كذلك لوّحت بدعم حزب العمال الكردستاني.
إن حصل ودعمت روسيا حزب العمال الكردستاني فسوف تتضرّر تركيا التي يزورها سنوياً 36 مليون سائح. لذلك يذهب البعض في الداخل التركي الى ضرورة إصلاح الأمر حتى ولو اقتضى الاعتذار من روسيا. أما بعض العلمانيين فهم يرون أنّ الفرصة قد سنحت اليوم للعودة الى الحضن الأوروبي بعدما ابتعد أردوغان ومؤيدوه عن الغرب لمصلحة العلاقات مع العرب وروسيا.
هذه الاتهامات الروسية أنعشت المعارضة لا سيما حزبي الشعوب الديمقراطي وحزب الشعب الجمهوري اللذين وجها النقد لسياسة حزب العدالة والتنمية تجاه سورية أكثر من مرة. أما جماعة الداعية فتح الله غولين المتهمة بأنها الدولة الموازية لا سيما بعد كشفها للأسلحة التي تهرب تحت مسمّيات إنسانية. فهي أثبتت صحة اتهاماتها لأردوغان، رغم محاولاته نفي ذلك وضرب البنية الاجتماعية والاقتصادية لهذه الجماعة.
لا يبدو الرئيس الروسي مهتماً في تخفيف حدة التوتر بالرغم من سعي داوود أوغلو الى فتح قنوات اتصال وتواصل. فالرئيس الأميركي أوصل إلى أردوغان عبر كيري ما مفاده أنّ الوقت اليوم لقتال «داعش» وليس الدخول في عداوة مع روسيا.
الضوء الأصفر الذي أعطي الى تركيا يشبه الى حدّ ما الضوء الذي أعطي للسعودية في حربها ضدّ اليمن ولصدام حسين في حربه ضدّ الكويت. لعلّ أردوغان قد فهم معناه. لقد جرت تغطية تركيا من قبل دول الحلف والولايات المتحدة. ومن أجل ذلك عززت دول حلف الأطلسي وجودها العسكري في القاعدة الجوية الاستراتيجية انجرليك. زاد إسقاط الطائرة التوتر وأدى الى تسارع التطورات حول مستقبل سورية وشطب بعض السيناريوات. أرسلت واشنطن الى روسيا رسالة مفادها أنها لن تسمح لها كلياً بالسيطرة على سورية والعودة بقوة الى منطقة الشرق الأوسط بعد 20 سنة على سقوط الاتحاد السوفياتي. ومن أجل عدم المواجهة مع الناتو وجهاً لوجه تعمد الرئيس بوتين الهجوم على أردوغان وحوّل الأمر الى صراع مع الزمرة الحاكمة.
في إثارته لمسألة تهريب النفط قام الرئيس باراك أوباما بإثبات صحة اتهامات روسيا. لكن أوباما أصرّ أيضاً على إغلاق الحدود التركية السورية عند حدود الـ98 كلم التي تريدها تركيا كمنطقة عازلة أو خالية من «داعش»، الأمر الذي أثار داوود اوغلو فردّت الولايات المتحدة بوجوب نشر الجيش التركي على الحدود لحمايتها.
يبدو أنّ فرض منطقة عازلة بعد إسقاط الطائرة الروسية صار أمراً مستحيلاً، لذلك طلب أوباما من أردوغان أن ينسى أمرها من أجل وقف كل الاتهامات حول مساعداته للإرهابيين. يبدو أنّ أحد السيناريوات التي وضعها الجيش التركي لحماية الحدود في طريقه الى التحقق ويمكن حصول ذلك من قبل الأتراك بعد التضامن الكامل الذي ظهر من حلفائهم الغربيين أن لا حلّ آخر امامهم إن حصل ذلك فهذا يعني وضع حدّ لسياسة تركيا في سورية منذ اندلاع الحرب الأهلية 2011 وهذا يعني أيضاً فتح صفحة جديدة وختلفة مع منظمة حلف شمال الأطلسي والاتحاد الأوروبي.
في خضمّ هذه الحرب الكلامية يزداد التسلح والحشد العسكري في المنطقة إذ أعلنت روسيا أنها سترسل لإيران منظومة صواريخ أس 300 ومدافع رئيسية للنظام يتبع ذلك قرار روسيا بنشر صواريخ أس 400 المتفوقة في سورية. بينما يتمركز أسطولها في البحر الأسود كذلك الطراد الصاروخي موسكوفا. وكانت ثلاث سفن حربية قد دخلت من منطقة حلف شمال الأطلسي ترافقها أعلام إسبانية وبرتغالية وكندية الى البحر الأسود في 3 تشرين الثاني الماضي ومرّت عبر المضائق التركية. فيما أعلن الأمين العام للناتو ينس ستولتنبرغ أنّ الدنمارك والمانيا سترسل سفناً حربية الى شرق البحر المتوسط لدعم تركيا وسط تركيز روسيا لقوتها في سورية، إضافة الى وجود المدمّرة الأميركية «يو أس أس دولاند كوك» التي تقوم بدوريات. تضاف الى هذه الصورة الطائرات الحربية البريطانية الفرنسية والألمانية وجميعها تقول إنها آتية لقتال «داعش».
هذه الحشود العسكرية في منطقة متوترة تطرح اسئلة وتظهر لنا انّ الأزمات والحروب يمكنها أن تبدأ بحادثة غير مقصودة، بالرغم من مسارعة القوى الكبرى الى نفي إرادة الحرب. تبدو الدبلوماسية سبّاقة اليوم بالرغم من وجود حشد الدول ما يطرح أسئلة حول تركة الرجل العربي المريض وإلا ماذا تفعل جميع هذه الأساطيل ولماذا أتت؟