هل انفصل مصير لبنان عن مصير سورية؟
روزانا رمّال
قد يكون مفيداً الابتعاد قليلاً عن السجال الدائر في البلاد حول ترشيح رئيس تيار المردة النائب والوزير السابق سليمان فرنجية من قبل الرئيس سعد الحريري لرئاسة الجمهورية، حتى لو لم يكن ذلك ترشيحاً رسمياً حتى الساعة، وذلك من أجل قراءة المشهد من زاوية أخرى لعلها تفيد في الاقتراب من خيوط ما يجري.
نادراً ما يكون الحدث في لبنان مؤشراً إلى متغيّرات إقليمية كبرى، أو بكلام آخر، نادراً ما تنطلق مؤشرات التغيير المؤثرة في سياسة الإقليم منه، ما عدا حالات الحرب الاستثنائية مع «إسرائيل» التي تتخذ طابعاً آخر من البحث. لكن في الحالة العادية لا يشكل الحدث اللبناني عاملاً مؤثراً على مصير الجوار أو المنطقة، بل يحضر فيها كمتأثر بما يجري وليس العكس.
بالنظر إلى الأزمات الدائرة في لبنان من سياسية وأمنية، فإنها لا توضع إلا في خانة التأثر المباشر بالأزمة السورية التي بدأت منذ خمس سنوات، وقد بدأ تأثر لبنان بالموقف الدولي حيال دمشق العام 2005 أي بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري والقرار 1559، رغم أنّ هذا التأثر يعود إلى فترة الحرب الأهلية وما أعقبها من توقيع معاهدة لختمها نهائياً ودور القوات العربية السورية فيها والحقبة الأمنية السياسية السورية في لبنان وكلّ ذلك يشير إلى عمق ارتباط البلدين ببعضهما البعض.
الخلافات السياسية الكبرى في لبنان جراء الأزمة السورية ودخول الأطراف الرئيسية على خط الأحداث فيها، وخصوصاً الميدانية أحدث شرخاً كبيراً بين اللبنانيين، حتى جاء طرح الرئيس السابق ميشال سليمان بنأي لبنان بنفسه عمّا يجري في سورية: سياسياً في المحافل الإقليمية والعربية والدولية وأمنياً على مستوى الجيش اللبناني والتعاون مع الجيش السوري حدودياً، بمثابة طرح بعيد عن الواقع، فلا حزب الله التزم به، حيث استكمل التعاون مع الجيش السوري ميدانياً حتى الساعة، ولا تيار المستقبل الذي خاض المعركة حتى النهاية سياسياً وإعلامياً ولوجستياً، حيث طال الحديث عن تورط عدد من نوابه في مساعدة المعارضة السورية أمنياً ولوجستياً.
المتغيرات الطارئة على صعيد الأزمة الرئاسية في لبنان وما يظهر من أجواء انفراجات جدية وإيحاءات بأنّ حلولاً ما مقبلة على الملف توحي بأنّ لبنان متجه نحو حلّ أزماته بمعزل عن مصير سورية، وبمعنى آخر فإنّ انتخاب رئيس للجمهورية يأتي قبل التوصل إلى حلّ سياسي مناسب في دمشق وقبل أن تتوضّح معالم المنطقة بين ملفات متشابكة يعتبر لبنان واحداً من مناطق الحصص والنفوذ فيها بين أزمة العراق واليمن ومصير مكافحة الإرهاب، وبمعزل عن كلّ هذا يطرح اسم سليمان فرنجية من الباب العريض وبعد ترشيح الحريري له يتلقى اتصالاً من الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند مرسلاً رسالة واضحة إلى اللبنانيين بأنّ بلاده تدعم التوصل إلى حلّ وانتخاب رئيس في هذه الأوقات وهي على هذا الأساس تدعم المرشح فرنجية جدياً.
إنّ التأسيس على فكرة فصل لبنان عن المصير السوري هو مخالف لتاريخ وجغرافيا البلدين، وبالتالي لا يتطلب تفسير ما يجري إلا البناء على أنّ لبنان ليس خارجاً عن معادلة دولية أو مستبقاً لمصير الجوار، وهو ليس سابقاً للزمن، بطبيعة الحال، بل إنّ كلّ ما يجري ليس إلا ترجمة لقناعة إقليمية ودولية بصعوبة إسقاط الرئيس السوري بشار الأسد بل واستحالة ذلك بدخول روسيا التي قلبت الموازين وغيّرت الحسابات. هذا بالإضافة إلى الاتفاق على استبعاد مصير الأسد كأولوية أمام الحضور الذي شكّله «داعش» والمسؤولية التي وقعت على كلّ الأطراف، وتحديداً منذ هجمات باريس.
يقول وزير الخارجية الأميركي جون كيري في آخر تصريحاته حول سورية «من الممكن أن تتعاون السلطات السورية والمعارضة ضدّ تنظيم داعش الإرهابي دون رحيل الرئيس السوري بشار الأسد مؤقتاً»، لا يمكن أخذ هذا الكلام مؤقتاً أيضاً من دون اعتبار الأسد والجيش السوري من منظار جون كيري جزءاً أساسياً من الأطراف المشاركة في عملية مكافحة الإرهاب. يعترف كيري مباشرة بأنّ الأسد لاعب أساسي في هذه المعركة وها هي فرنسا تحضر إلى سورية لمكافحة الإرهاب أيضاً.
إنّ تحريك ملف الرئاسة في لبنان يندرج ضمن هذه المؤشرات مجتمعة ويتصدرها قرار حقيقي بمكافحة الإرهاب ويقين ببقاء الرئيس الأسد وإنّ طرح الحريري وإمكانية وصول فرنجية إلى الرئاسة واهتمام هولاند مباشرة بذلك، وهو يعي أنّ المرشح ليس إلا أحد الأطراف الموالية للرئيس الأسد في لبنان هو خطوة تؤكد أنّ قراراً ما قد اتخذ بشأن سورية والرئيس الأسد وأنّ المرحلة المقبلة بدأت بإعلان نيات من لبنان إلى المنطقة، وربما تكون إشارات إيجابية ترسل إلى الرئيس السوري من البوابة اللبنانية. وكلّ هذا بغض النظر عن نجاحه، قد وصل على شكل رسائل مباشرة إلى الرئيس الأسد، بعدما كان أي رئيس لبناني منسجم معه ومع المقاومة مكروهاً إقليمياً ودولياً، وليست تجربة الرئيس إميل لحود إلا خير دليل ومساعد في مراقبة التحوّل.
إنّ حلّ الأزمة السياسية في لبنان ليس فصلاً لمصير لبنان عن مصير سورية أو شكل الحلّ فيها، إنما هو دليل على أنّ قراراً لا رجعة عنه حول الأسد قد اتُّخذ.