دردشة صباحية
يكتبها الياس عشي
تعرّفت إليه قبل عشر سنوات أو أكثر بقليل، رحّبت به، وأفسحت له مكاناً في غرفة نومي، وفي سيارتي، وفي مكتبي.
وهو حتّى اليوم يقيم معي، ويتنزّه معي، ويقاسمني أفراحي وهمومي. إنْ جلست جلس بجانبي وألهاني عن الاهتمام بجلّاسي، وإنْ نمت شاركني فراشي، بل كثيراً ما كان يستيقظ قبلي، ثمّ ينتزع النوم من عينيّ دون شفقة ولا رحمة، عارضاً عليّ أسماء الذين اتصلوا بي في أثناء نومي، أو، في ما بعد، في أثناء استحمامي الصباحي.
يراقبني ليلَ نهارَ غير عابئ «بأن يموت همّاً»، ويكشف أسراري، والأسوأ أنه لا يتردّد في إفشائها لأول عابر سبيل إنْ طلبها منه.
لا يحترم أبداً خصوصياتي، ولا يتقيّد ببروتوكولات الحديث، والزيارات! يقطع عليك الكلام متى شاء، ويزورك متى شاء. حتّى ليبدو لك أنه نشأ مع السوقة، رغم أنّه تخرّج من أكثر الأكاديميات اهتماماً بالعلوم والتكنولوجيا.
يوم تعرّفت إليه كان بسيطاً، ولائقاً، يستمع إليك برويّة واحترام ثمّ ينسى ما قلته له أو أمامه، يفرح لمشهد جميل أُخذتَ به دون أن يسرقه من ذاكرتك وينشره بين الناس. ولكنه مع الأيام صار متطفلّاً، وجاسوساً، يناديك، رافعاً الكلفة، بأصوات متعدّدة، ونغمات ناشزة، وأخبار تقحمك بمشاكل «لا ناقة لك بها ولا جمل».
وإنْ حدث وأخذ إجازة، أو أصيب بعلّة، أو أضاع الطريق للوصول إليك، فإنه يختفي، ومعه تختفي ذكرياتك، وذاكرتك، وحتّى عناوين الأصدقاء، وأرقام التواصل معهم.
وعبثاً حاولت، وما أزال أحاول، التخلص منه، حيناً باللين، وحيناً بالقسوة. تطرده من الباب فيعود إليك من النافذة. والأسوأ من كلّ ذلك أنه عندما يُصاب بالضجر منّي يرسل لي من ينوب عنه، بميزات أكثر اختصاصاً في مصادرة حتّى أحلامك.
عفواً.. نسيت أن أعرّفكم على هذا «الصديق».
إنه الهاتف النقّال… أو الهاتف المحمول… أو.. أو..
الأسماء كثيرة… والضرر واحد.