الصحافة الأميركية بين خلع المالكي والتراجع في المنطقة
عامر نعيم الياس
أعلن الناطق باسم «داعش» أول من أمس تأسيس دولة الخلافة الإسلامية ومبايعة أبي بكر البغدادي خليفة للمسلمين. إعلان الدولة حمل في طياته تغييراً لاسمها من الدولة الإسلامية في العراق والشام إلى «الدولة الإسلامية» مع ما يحمله ذلك من إشارات حول النزعة التوسعية لعصبة الذبح والنحر بعد استتباب السيطرة على شمال شرقي سورية وشمال غربي العراق، وانصهار النصرة مع داعش في البوكمال، المدينة الحدودية السورية مع العراق، وما يعنيه ذلك من تأمين الاتصال الجغرافي بين أطراف دولة جهادستان الإسلامية.
قبيل ذلك وفي رد واضح على المساعي الأميركية لابتزاز مكونات المشهد السياسي العراقي وفرض تغيير في مضمون السياسات العراقية الحالية ونهجها عبر اللعب بورقة المالكي وتحميله مسؤولية داعش من المهد إلى دولة الخلافة، برز موقف لكتلة التحالف الوطني في البرلمان العراقي أعلنه رئيسها إبراهيم الجعفري يقوم على دخول الجلسة الأولى من البرلمان ككتلة واحدة مسؤولة ضمناً عن تسمية رئيس الوزراء باعتبارها الكتلة الأكبر برلمانياً، موقف جاء بعد دخول السيستاني بما يمثله من مرجعية دينية وسياسية في هذا العصر عند العرب العراقيين الشيعة وتأكيده ضرورة الاتفاق على أسماء الرؤساء الثلاثة في العراق.
في المقابل تسلّم الجيش العراقي خمس طائرات سوخوي من روسيا في إطار صفقة تتضمن عشراً من هذه الطائرات، وقالت وزارة الدفاع العراقية «إن دفعة المقاتلات الروسية من طراز سوخوي التي يمكنها ضرب أهداف على الأرض سوف تدخل الخدمة خلال الأيام المقبلة»، صفقة تأتي استكمالاً لموقف الكرملين المؤيد للحكومة العراقية في مواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، والذي وصّف الأمور بمسمياتها في موقف متمايز عن واشنطن وأدواتها في المنطقة التي تحاول تغيير الخيار السياسي للحكومة العراقية عبر التركيز على تنحي نوري المالكي من منصبه. هو صراع سياسات مرة أخرى تعمل التقاطعات المصلحية على الحد من اندفاعته حيناً، والضغط باتجاه اتخاذ قرار حاسم ونهائي في أحيانٍ أخرى، وفي هذا الإطار لوحظ في تغطية الصحافة الأميركية للملف العراقي وجود انقسام بين تيارين، الأول يدعو إلى ترك المالكي مصيره وعدم التدخل ضد داعش على رغم أنها تشكل خطراً على الولايات المتحدة، إذ تعقب صحيفة «وول ستريت» جورنال على استراتيجية أوباما في العراق وسورية بالقول «أطلقت إدارة أوباما استراتيجية جديدة وصفها مسؤولون أميركيون وعرب بأنها خطيرة للولايات المتحدة ولحلفائها في الشرق الأوسط… إن سياسة أوباما المعلنة في سورية تكمن في الإطاحة بالسيد الأسد، ولكن من خلال إضعاف داعش فإن السيد أوباما يخاطر بتعزيز كل من نظام الأسد والسيد المالكي»، نقطة ربط بين العراق وسورية تدعو عملياً إلى اتباع سياسة اللافعل في كلا الدولتين أو بمعنى أصح سحب الأنموذج السوري على العراق على الأقل في المدى المنظور، لكن هل العراق كسورية؟ وهل يمكن لواشنطن تركه وسط العاصفة؟
مجلة «فورين بوليسي» الأميركية رأت أن صفقة الطائرات الروسية للجيش العراقي تظهر تراجع الدور الأميركي في الصراع «وتقلص نفوذ واشنطن نتيجة تراجع الدعم الأمني والعسكري للحكومة العراقية» استنتاج إذا ما رُبط بموقف نوري المالكي وكتلة التحالف الوطني بالبرلمان ورأي المرجعية، فإنه يحمل في طياته إنذاراً ضمنياً للإدارة الأميركية بضرورة التصرف الفوري في العراق وعدم المماطلة عبر تصوير حل المشكلة الأمنية الخطيرة في بلاد الرافدين على أنه سياسي فقط.
الواضح أن إدارة أوباما لا تريد الاندفاع في خيار مواجهة «الدولة الإسلامية» مباشرةً في العراق، لإدراكها أن انعكاس ذلك على الوضع في سورية لن يكون سوى في مصلحة الدولة السورية ورئيسها، لذا تفضل التريث واللعب على الوتر المذهبي المقولب بصيغة تغيير سياسي في العراق، متناسيةً أن ما دفعها إلى الانخراط في لعبة تغيير المالكي هو سياساته التي تغيّرت عام 2011، لكن لم يحدث شيء على مستوى القاعدة الشعبية والحاضنة الإقليمية وحتى الاقتصادية للمالكي لكي يعجز عن مواصلة هذا الدور وهذه السياسات التي من دون أدنى شك تؤلم واشنطن التي تحاول عبر الفوضى الخلاقة منع قيام عالم متعدد الأقطاب.
كاتب سوري