ولايتي عند نصرالله «هوية لبنان حُسِمَتْ»
روزانا رمال
لا تزال تداعيات قمة بوتين خامنئي تُرخي بظلالها على المنطقة، فهذه الزيارة استراتيجية بكلّ ما للكلمة من معنى، وقد تمّ فيها حسم الكثير مما بدا ملفات عالقة، وفيها الكثير مما لا يحمل التأويلات، وما يكفي لشرح العلاقة الثنائية المتينة، ومن الانسجام اللافت بين طهران وموسكو، وقد حازت الزيارة منذ اللحظة الأولى على اهتمام دولي وإقليمي غير مسبوق.
حسم اللقاء مسألة الخلاف الروسي الإيراني الذي يُحكى عنه من زاوية إثبات وجود وتنازع لتقاسم سلطة أو نفوذ في الملف السوري تحديداً، وقطع الطريق على محاولة تصوير العلاقة ظرفية قابلة للاهتزاز عندما يتعلق الأمر بمصلحة احد الطرفين، وكان كافياً كلام بوتين عن أننا لا نخون حلفاءنا، فليس وارداً عند موسكو التخلي عن بشار الأسد رئيساً لسورية، ولا بطبيعة الحال التخلي عن تحالف استراتيجي بهذا الحجم مع إيران بدءاً من الاتفاق حول سورية وصولاً إلى مشاريع الغاز المشتركة والانفتاح الاقتصادي المرتقب مع إيران التي استطاعت الخروج من أزمتها النووية رغم العاصفة السورية.
إنّ انتظار توقيع الملف النووي الإيراني لسنوات طويلة والنجاح فيه بشروط مرضية لإيران بلا شك غيّر الكثير من نياته الغرب وتطلعاته تجاه طهران وحلفائها بطبيعة الحال.
لم يعُد ممكناً الحديث عن أيّ تقدّم اقتصادي نحو إيران من دون الأخذ بعين الاعتبار مصالحها السياسية والأمنية إقليمياً، ولا يمكن أيضاً اعتبار مسألة الفصل بين إيران ومصالحها الاقتصادية مع الغرب وارداً عند أيّ اتفاق لا يشمل تأمين أمنها الحيوي والقومي قبل أيّ شيء.
إنّ النجاح في بناء علاقة جدية مع إيران الجديدة أمر يتطلب شروطاً بدأ الغرب، خصوصا ًالأوروبيين، بالتآلف معها، وعلى هذا الأساس تتداخل المعطيات في سورية أمنياً وسياسياً بشكل كثيف، فحليفا دمشق القويّان روسيا وإيران، قدّما للمنطقة والعالم أقصى ما يمكن التحدّي فيه والرسملة عليه، وهما ملفان حبس العالم أنفاسه قبل بلوغهما الواقع، وهما دخول روسيا الحرب السورية وقبلها وهو ثانياً النصر الإيراني النووي.
استحالة تخطي هذين المعطيين بات مؤكداً ولو حاولت بعض الأطراف التشويش بصناعة أحداث من أجل فرض تغيير على الرسم البياني التصاعدي الذي يعيشه حلف الأسد، وإثبات وجود مثل اختلاق معارك جانبية كالأزمة التركية الروسية القائمة على خلفية إسقاط أنقرة لطائرة حربية روسية، ففي نهاية المطاف تدرك تركيا ضرورة فضّ الخلاف والعودة إلى الطاولة وخطورة الاشتباك مع قوة كبيرة كروسيا.
كلّ هذا انعكس على ملف «بقاء الأسد» الذي خفت الحديث عنه وتلاشى في الآونة الأخيرة، حتى ظهرت تراجعات فرنسية وأميركية لناحية تحديد مصيره، فوزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس يرى اليوم إمكانية استمرار الرئيس الأسد في الحكم حتى تشكيل حكومة انتقالية، مؤكداً أنّ هذا لا يعني أنّ على الأسد الرحيل قبل مجيء هذه الحكومة، وكان فابيوس قد تحدّث أيضاً في وقت سابق عن إمكانية تعاون بين الجيش السوري وفرنسا في الجهود الدولية لمحاربة الإرهاب.
أما وزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري من جهته، فقد قال: «إنّ تعاون الحكومة السورية والمعارضة في قتال الإرهاب في ظلّ بقاء الأسد هو أمر ممكن ومفيد».
الزيارة التاريخية واللقاء الاستراتيجي بين بوتين خامنئي كان عنوان زيارة علي أكبر ولايتي المستشار السياسي للمرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية الإيرانية إلى أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله والرئيس السوري بشار الأسد، حيث أطلعهما على الموضوعات التي بحثها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في إيران، لافتاً إلى أننا سنشهد التحاق بعض الدول وربما على مستوى القوى الكبرى بجبهة المقاومة.
كلام ولايتي يشير إلى إدراك إيراني لنصر سياسي معنوي هامّ، فالالتحاق بجبهة المقاومة يعني تبنّي خيارها في قتال الإرهاب واستراتيجيتها بطبيعة الحال، والمقصود هنا بشكل أساسي الانعطافة الفرنسية الواضحة منذ أحداث باريس التي يمكن التأسيس عليها للمرحلة المقبلة بشكل مباشر، وإذا كانت فرنسا وبريطانيا توجّهتا لقتال الإرهاب في سورية، فإنّ هذا يحتّم عليهما انتهاج سياسة مغايرة نحو الأسد تنسجم مع هذا الالتحاق الميداني، فيصبح سياسياً بطبيعة الحال، وربما هذا يشرح موقف فابيوس غير المستعجل على رحيل الأسد بعد تعنّت فرنسي كبير حول هذه المسألة بشكل واضح.
زيارة ولايتي إلى بيروت حسمت محلياً هوية لبنان الإقليمية والدولية، والتي تصبّ مباشرة في خانة حزب الله. وهذا هو معنى ترشيح العماد ميشال عون أو رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، والخياران بطبيعة الحال، وبعيداً عن التفاصيل في ما قد يفيد أو لا يفيد داخلياً، فإنّ الاسمين هما من أبرز رموز هذه الجبهة التي يلتحق بها الغرب اليوم، وإذا كان العماد عون قد خطّ بيده توقيع التحالف مع حزب الله في لبنان، فإنّ النائب سليمان فرنجية يمثل أقوى الصداقات اللبنانية مع الرئيس السوري بشار الأسد، وإذا كان السجال الداخلي اليوم يتمحور حول أولوية التمسك بترشيح عون نظراً لأحقيته كأكبر تمثيل مسيحي، أو حول أهمية إتاحة الفرصة أمام فرنجية، فإنّ ما يهمّ حلف روسيا – إيران – سورية – المقاومة قد تمّ وهو حسم الهوية اللبنانية نهائياً لمصلحته.