جبهة جديدة على سواحل أوروبا
عامر نعيم الياس
تنظيم «داعش» الإرهابي يتقدم في سرت، يسيطر على أهم مدن الساحل الليبي، والسلسلة لا تتوقف، الموقف يتحول من مبايعات للتنظيم عبر تنظيمات محلية، إلى وجود مباشر للتنظيم في ليبيا يهدد دول الجوار من أوروبا إلى أفريقيا.
15 سنة من التدخلات الغربية في المنطقة لم تؤدّ إلى أي نتيجة، جرّب الغرب أنواع الاستراتيجيات كافة، من أفغانستان والعراق والدخول المباشر على الأرض بقوات احتلال تتجاوز في كل دولة مئة وخمسين ألف جندي على الأرض متواجدين تحت غطاء دولي أممي أو تفويض كما يحلو للدول الكبرى تسميته، والنتيجة تتضح اليوم في وضع العراق المقسّم تلقائياً والذي لا وجود لكيان دولة فيه بعد انهيار الدولة التي أرساها الرئيس الأسبق صدام حسين. أما في أفغانستان نشهد عودة «طالبان» بقوة إلى المشهد العسكري والمشهد السياسي التفاوضي مع البيت الأبيض، بينما الأخير يحاول الحفاظ على وجوده في منطقة خضراء تتغيّر حدودها وفقاً لفصول السنة وخطة طالبا العسكرية الخاصة بأفغانستان.
في ليبيا والتدخل في العام 2011 لإسقاط نظام العقيد القذافي، قُتِلَ الأخير بطريقة وحشية بشعة منافية لأبسط قواعد الإنسانية على يد من يسميهم الأطلسي «الثوار»، وقادت فرنسا الحملة الغربية هناك بينما تراجعت واشنطن وعملت من وراء الستارة، حتى إيطاليا التي استعمرت هذا البلد الأفريقي حذّرت حينذاك من «صومال كبيرة على سواحل المتوسط»، لكن قرار شطب القذافي من المعادلة وتدمير الدولة الليبية لا علاقة له بالقاعدة في المتوسط والساحل والمغرب العربي.
في سورية كان الرهان على الاستنزاف عبر تحويل البلاد إلى الوجهة رقم واحد للجهاد العالمي، احتلال غير مباشر، حيث يتوازى الاستنزاف الحاصل وتوريد الإرهابيين الإسلاميين إلى البلاد، مع ما يمكن تسميته مقولة رفض الحرب البرية الغربية في سورية، التي يصفها الغرب عموماً والولايات المتّحدة خصوصاً بأنها نتيجة من نتائج حربي أفغانستان والعراق، فالغرب تعلّم من أخطائه، فهل هذه هي حقيقة الأمور؟
لا يبدو أن الغرب تعلّم من أخطائه فالرابط الأهم بين التجارب السابقة هو الاحتلال للدول التي يريد الغرب تطويعها لغايات متعددة تختلف من بلد إلى آخر، فما حصل في سورية هو احتلال لأراضيها عبر المنافذ الحدودية من دون استثناء والرهان على أفغنة سورية عبر «تمرّد إسلامي وهابي»، وهذا لا يختلف عن الاحتلال العسكري الأميركي المباشر للعراق. يرى البعض أن الخطأ يكمن في عدم تشكيل أنظمة بديلة، لكن لعبة الأكثرية والأقلية طبّقت في العراق والتقاسم الطائفي تحت ستارة «التعددي لمناصب» حصل، فهل وصلنا إلى دولة ناجحة، أم أن الدول الفاشلة سيطرت على مشهد المنطقة بشكل شبه كلي، ماذا عن التجربة الليبية حيث لا وجود لأقليات وأكثريات دينية ومذهبية قومية؟
لم يبق من ليبيا الدولة الكبرى في أفريقيا وعلى سواحل المتوسط ما يشير إلى أي معلم من معالم الدولة، تركها الأطلسي لمصيرها، واليوم تحوّلت البلاد بعد الضربة الأطلسية إلى مرتعٍ لـ«داعش» و«القاعدة»، فالصراع القائم اليوم هو بين «داعش» و«القاعدة» في المتوسّط، بينما أوروبا باتت في مواجهة جبهة جديدة على سواحلها، لا حلّ لها سوى بإعادة استدراج تدخل دولي أوروبي مباشر سيكرر الأخطاء ذاتها.
كاتب ومترجم سوري