الانتفاضة… وواقعة المصافحة وفتح الممثلية

رامز مصطفى

منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة بداية تشرين الأول الماضي، ولا يخلو خطاب أو مقالة أو مقابلة مع مسؤول فلسطيني، إلاّ ويتحدّث بألم عن حالة التخلي وإدارة الظهر التي تعيشها القضية الفلسطينية وشعبها، على يد أبناء جلدتنا من العرب والمسلمين إلاّ من رحم ربِّ -، بل ويذهب ليُكيل الاتهامات واصفاً إياهم بالمتخاذلين وووو إلخ… ولا تخلو لقطة تلفزيونية لمقابلة مع أحد أبناء شعبنا المنتفضين، إلاّ ويحدثك عما يعتمر قلبه من وجع وضيّق الصدر، لأن لا معتصم في هذه الأمة يُستجار به، وكيف هم متروكون لعدو لا يرحم، لأنه لا يجيد صنعة إلاّ القتل والحرق والتدمير. هذا غيضٌ من فيض ما يتحدّث عنه الفلسطينيون في مواجهة حالة النكران والتنكّر لقضيتهم وقدسهم ومقدّساتهم، وأنهم وحدهم اليوم في مواجهة شبق الأطماع الصهيونية التي لا حدود لها، حتى والانتفاضة الثالثة قد وصلت بورصة أيامها إلى الشهر الثالث، وشهدائها حتى سطور المقالة قد تجاوزوا الـ 110 وآلاف الجرحى والمعتقلين، وإجراءات وقوانين قمعية بالجملة، وكأنّ فلسطين لم تعد قضيتهم المركزية، فهي تقع على عالم من الافتراض العربي ليس إلاّ، أو ذكريات من الماضي الجميل الذي هدروه في التغنّي بأمجاد كنا وفعلنا وفتحنا ووصلنا… إلى آخر المعزوفة التي حوّلوها إلى مشروخة… وكأني بالفلسطينيين المكلومين بأشقائهم قبل أبنائهم يقولون و ظلم ذوي القربى أشدُّ مضاضةً .

هنا يطفو إلى سطح الأسئلة الكثيرة سؤال كبير، أيٌّ من ذوي القربى هو الأشدّ مضاضة، هل الشقيق القريب، أم الشقيق البعيد، وكلاهما مؤتمن من وجهة نظرنا، ولكن قد يبادرك البعض المتصيّد، لماذا على الدوام توجهون الملامة للشقيق العربي أو المسلم؟ ومن هو الأقرب إليكم في سلوكه يُسهّل على هؤلاء ما يُقدمون عليه؟ يبدو للوهلة الأولى الكلام محقاً وذا معنى، فكيف نلوم الإمارات العربية المتحدة على خطوة فتح ممثلية إسرائيلية على أراضيها، بحسب إيمانويل ناهشون الناطق باسم خارجية الكيان الصهيوني، بينما رئيس السلطة الفلسطينية السيد محمود عباس يظهر في قمة المناخ في باريس وهو يُصافح الإرهابي بنيامين نتنياهو، الملطخة يديه بدماء الفلسطينيين على امتداد الوطن الفلسطيني.

كلا الحدثان مدان، ولا مبرّر لهما. في الحدث الأول، والمتعلق بفتح ممثلية إسرائيلية في أبو ظبي، وإنْ يحاول البعض تصويره على أنه من خارج رأي الإمارات، لأنّ الأمر يتعلق بـ وكالة الطاقة المتجدّدة ، ومقرّها أبو ظبي، والكيان الصهيوني عضو في هذه الوكالة التابعة للأمم المتحدة. وهذا الاختراق الدبلوماسي الإسرائيلي ، لا يجب أن يُنظر إليه إلاّ من زاوية أنه طعن للانتفاضة الفلسطينية التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتبريراً للجرائم الصهيونية بحق شعبنا الفلسطيني، وغطاء سياسياً للعلاقات بين الإمارات والكيان القائمة منذ سنوات، واتساعها إلى التعاون السياسي والأمني، وبالتالي تأشيرة الدخول المشرعن إلى الإمارات، التي كانت أراضيها شاهداً على نشاط الموساد «الإسرائيلي» الذي اغتال عام 2010 الشهيد محمود المبحوح. مما يعني تسهيلاً في فتح المزيد من أبواب الخليج أمام الأنشطة «الإسرائيلية»، والعلاقات معها. وبالتالي هذه الخطوة من شأنها فك العزلة عن الكيان الذي يعاني من ازدياد في عزلته الدولية.

أما في الحدث الثاني، والمتصل بواقعة المصافحة بين رئيس السلطة السيد محمود عباس ورئيس حكومة الإرهاب الصهيوني بنيامين نتنياهو، فمن المؤكد أنّ الصورة والابتسامات المتبادلة، وقعها لا يقلّ فداحة عن حدث فتح الممثلية، بل هي أشدّ وأقسى على الفلسطينيين، ففي الوقت الذي يطحن فيها الصهاينة من مستوطنين وجنود وأجهزة أمنية الشعب الفلسطيني، بفتيانه وفتياته، ويوغل عميقاً في دمائنا، تأتي المصافحة، وكأنها تبرير لتلك الجرائم، أقله من جانب نتنياهو، الذي وظفت وسائل إعلامه تلك المصافحة وروّجت لها ونشرتها على أوسع نطاق، وكأنها تقول للشعب الفلسطيني أنتم وحدكم، فليس لكم من معين أو سند أو مؤازر أو مجير.

وبين هذا وذاك، يخرج نتنياهو على أنه الفائز من فتح الممثلية على أرض الإمارات العربية، لتؤكد هذه الخطوة ما يذهب إليه نتنياهو منذ وقت ليس بالبعيد، أن «إسرائيل» قاب قوسين من ترسيم علاقات دبلوماسية مع عدد من الدول العربية. وكلامه يُذّكرني بكلام قاله شمعون بيريز وردّدته تسيبي ليفني، خلال حربهم على غزة في تموز 2014 «أننا لأول مرة نذهب إلى الحرب ومعنا العديد من الدول العربية». أيضاً، أيّ نتنياهو هو المستفيد والفائز من مصافحة أبو مازن في باريس، سواء هو سعى إليها، أو رئيس السلطة، أو هناك من تدخل ليخرج هذه المصافحة بين الإثنين. فنتنياهو ليس هناك ما يحرجه في الأمر، على الرغم من بعض الأصوات المنتقدة له بسبب المصافحة مع «رئيس لشعبٍ كله إرهابي» بحسب التوصيف الصهيوني للانتفاضة الفلسطينية وشبانها. والسؤال المتبقي، إذا كان نتنياهو غير مُحرج من واقعة المصافحة، فهل السيد أبو مازن بوصفه رئيس منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية أيضاً غير مُحرج؟

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى