سقطت الرهانات كلها… وبقي الميدان هو المعادلة الوحيدة!

سناء أسعد

تهاوت المراهنات كلها ولم يبق للسياسة وسط ما يجري مكان كأحد المعادلات بعد حصرها في حيّز المصطلحات منذ بداية الأزمة السورية…

فعندما تكون السياسة عبارة عن مصطلحات مستندة إلى مجموعة من الأحلام والأوهام… عندها تصبح السياسة خطيئة وتفقد وجودها في كونها أحد الخيارات التي يمكن فرضها في تغيير المعادلات وتذهب إلى مرحلة الثبات والجمود بعد إثبات عجزها وضعفها في تقديم الحلول…

بعد أن وضبت السياسة أمتعتها وحقائبها الدبلوماسية وركنت واستوطنت في زاويا ميتة مهجورة…

يبقى الميدان هناك حيث تتصارع القوى التي أثبتت وجودها والقوى التي تحاول منهمكة لاهثة لفرض وجودها… فلمن تكون ورقة الوجود الأخيرة؟ بعد أن تساقطت كلّ الأوراق؟ وهل اتتصار إحدى تلك القوى في الميدان سوف ينهي تلك المعركة…؟ أم هناك معركة أخرى بعد ذلك الانتصار… كتصفية للحسابات؟ خصوصاً أنّ ذلك الميدان ليس ساحة مبارزة ينتهي بفوز ولقب وبطولة… ولا هو سباق خيل ينتهي بمباركة الخاسر للمنتصر…

فالميدان مليء وممتلئ ويطوف بالصراعات العسكرية والدولية والإقليمية… وتبقى الحدود بامتدادها هي ساحة الميدان…

فالصراعات العسكرية لا تحسم فقط بتموضع السلاح في مكان ما ونوعيته وجودته بقدر فعالية ذلك السلاح ووضعه موضع التنفيذ بسواعد لا يقهرها الموت ولا ترضخ حتى يكون النصر سبيلها…

فقد أثبتت أميركا وبجدارة فشلها الذريع بمنهجيتها وأسلوبها الرديء في فرض وجودها كقوة عظمى في ساحة الميدان…

فهي اعتقدت أنها لا زالت تحتفظ بمكانتها وبقوتها التي تضع العالم كله تحت امرتها ببعض من التصريحات وبتموضع بعض بوارجها وسط البحار لفرض الخوف والترهيب ولتحقيق مطالبها التي تخلو من الحق الذي يمنحها تلك المطالبة…

فهذا دليل على انتهاء الإبداعات الأميركية كسياسة القطب الواحد الذي مارسته في العراق وأفغانستان وليبيا… تلك السياسة الدامية التي لم تقدّم للشعوب والدول والعالم كله إلا الإرهاب والتطرف والقتل والتدمير والخراب والتعصب… نعم التعصب… حيث لا لأحد القول إنّ أميركا ودول الغرب يتمتعون بديمقراطية لامثيل لها… فعندما تتعصّب الدول لديمقراطيتها… محاولة جاهدة إغلاق أبواب الديمقراطية في وجه غيرها من الدول… فحينها لا يمكن ان تكون دولا ديمقراطية… فالديمقرطية انفتاح نبيل الأخلاق… لا انفتاحا همجيا بربريا يستخدمون فيه كل الوسائل القذرة لتحقيق مطامعهم وأهدافهم بحجة الديمقراطية التي تستحوذ على مفهومهم بديمقراطية أنانية تخدم مصالحهم الشخصية… وبذلك تكون الديمقراطية إحدى تلك الدعائم الواهمة التي ساهمت في بناء تلك الشركة العالمية الوهمية بإدارة أميركية صهونية وتمويل عرباني… بقصد تحقيق مشروع صهيوني بحت في المنطقة. لا مكان لشيء اسمه سيادة ومواقف ومقاومة وقضية في شرقهم الأوسط الجديد…

وها هي تلك الشركة العالمية تعلن إفلاسها بعد أن سحب الأسد وبوتين كلّ الأغطية عن تلك الشركة… ليتبيّن انّ السياسة كانت غطاء للتجارة والمكاسب المالية… وليتبيّن أنّ فرمانات وقرارات الخوف على الإنسانية، ليست الا عبارة عن دبلوماسية آنية كغطاء لمطامعهم الاستراتيجية…

وبذلك نجد أنّ أميركا وأعوانها واتباعها قد أصبحوا عراة ولا شيء يكسوهم بعد فقدان جميع الأغطية… لتهتز بذلك عروشهم في دولهم… كون المحرّك الأساسي الذي يحكم تلك العروش هو جنون العظمة الذي تنصهر أمامه أهمّ مقوّمات ثبات تلك العروش وهو العقلانية والحكمة والحنكة والذكاء والوعي في التصرّف وإلى ما بعد التصرّف من نتائج أو الأصحّ من عواقب…

لقد فاقت مطامع أولئك الحكام قدراتهم وطاقاتهم وأوهامهم، فتجاوزوا كلّ الحدود وجميع الخطوط الحمراء… فوقعوا دون دراية بفخّ مطامعهم المنقطعة النظير… وأصبحوا يتخبّطون في بوتقة عجزهم الذي صار مفضوحاً أمام العالم كله… فلم يعد هناك أغطية تستر المكشوف… فقد أصبحت اللعبة كلها علناً وجهراً من فوق الطاولة، وذلك بعد فشلهم الذريع ومحاولاتهم الخائبة بالنصر الذي كانوا يرغبون به من تحت الطاولة…

فأوباما أسقط عن دولته لقب العظمة الذي تمتعت به لزمن طويل… بسياسته ودبلوماسيته الهزيلة… وبمطامعه الحاقدة وتصريحاته المتردّدة العاجزة والتي كانت تثير السخرية والاستهزاء….

وهولاند قدّم بغبائه الإرهاب لبلده على طبق من فضة…

أما أردوغان فهو نهفة عصره وزمانه… فها هو يخلق في بلاده أجواء مليئة بالتوتر والاهتزاز والحيرة في انتظار المصير المجهول الذي قادهم اليه تصرّف أحمق غبي… معتقداً انّ العمل البطولي الذي قام به عندما أسقط الطائرة الروسية يستحق أن يشعل الحلف الأطلسي الحرب في العالم كله إذا مرّ الكحل الروسي فوق جفون أردوغان…

يضحكني ذلك الأبله. فكلما أقرأ تصريحاته أتخيّله كيف يقضي الوقت وهو يتكلم مع أسياده وأعوانه لينقذوه من ذلك المأزق الذي لا يحسد عليه… فكلّ يملي عليه برأي ويبدأ أردوغان يلهث بينهم، فهذا يريد له الاستمرار في دعم الدواعش والآخر يريد منه أن يحاول نيل رضا الروس والاعتذار منهم… وآخرون ينصحونه بالمحافظة على دعم امتداد مشروعه الإخواني الجاحد…

أما فئران الأنابيب فلم أر يوماً عروشهم… إلا وهي مهزوزة الوجود والكيان… ولم أرهم يوماً الا شياطيناً وعبيداً يملأون جيوبهم ليفرغوها في خدمة المشروع الصهيوني… وها هي الآن تغرق في اليمن نادمة آسفة ناحبة باكية…

وبذلك يكون الروس قد أثبتوا تفوّقهم على نظيرهم الأميركي بما يملكون من مواقف ثابتة وقضايا إنسانية سامية صادقة… فهي لم تكن أبداً عبارة عن مجرد تصريحات بل أصبحت تلك المواقف قيد التنفيذ… وكان ذلك بوضع منظوماتهم وأسلحتهم القتالية في مواجهة الإرهاب يداً بيد مع حزب الله وإيران… وذلك الجيش العقائدي الباسل الذي أثبت للعالم كله أنه أقوى جيوش العالم بصموده وجبروته وعنفوانه وتضحياته…

هناك على الأرض السورية مركز الصراع الاساسي الذي كاد ينهك قوى العالم كلها في كيفية هزيمته… بعد أن سقطت كلّ الرهانات الواهمة في إسقاط ذلك الكوكب الذي يدور حول تلك الأرض ويحميها، وهو الرجل الذي أثبت للعالم كله مصداقية وجوده وثباته الذي لم يمنح له هبة او واسطة من أحد، وإنما استمدّه من إيمان كلّ من يؤمن بأنّ وجوده ليس ارتباطاً بوجود الأشخاص بالدول بقدر ما هو ارتباط سيادة المواقف بصمود تلك الدول…؟ هو الرئيس بشار الأسد الذي لا بمائة ولا بألف رجل ولا حتى بمليون رجل… بل هو من تهاوت الرجولة كلها أمام رجولته وعظمته المنبثقة من إيمانه بثبات القضية وثبات المواقف التي يدافع عنها حقاً وشرفاً وكرامة…

وبعد كلّ هذا، ولا أعتقد أنني مخطئة، فهناك خارطة جديدة سوف ترسم حدود أخرى للوجود… حكامه وأسياده من دافع عن قضايا الشرف والكرامة والمبادئ… أسياده من قدّموا الدم حبراً لتحيا الإنسانية بعيدة عن النعرات الطائفية والتعصب الديني والمذهبي… فهذه الخارطة سوف ترسم الوجود دون وجود للمشروع الصهيوني ولا الوهابي السلفي ولا الإخواني ولا العرباني.

سوريا… روسيا… إيران… حزب الله… قوى عظمى فرضت وجودها بسيادتها وبأسيادها الذين سيرضخ لهم كلّ من كانوا يدّعون واهمين انهم أصل الوجود… فهم من بيدهم ورقة الوجود الأخيرة… والميدان سوف يشهد…

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى