السنيورة يحاصر سلام ويتصرّف مثل رئيس ظلّ للحكومة وفريق عمل خاص من «المستقبل» يعاونه في رسم الخطوط الحمر

محمد ابراهيم

ما الذي يجعل الحكومة مربكة في انطلاقتها، رغم حرصها المفترض على تحقيق أكبر حجم من الإنجازات في الفترة القصيرة المقدّرة لها؟ وما هي المعوقات التي تؤثّر في أدائها وفي أجواء جلساتها؟


لا شك في أن ثمة أسباباً متعدّدة تتحّكم في أداء الحكومة وترسم لها ما يشبه الخطوط الحمر، ما يجعلها مكبّلة إزاء العديد من القضايا والملفات المطروحة. بل ثمة من يسعى إلى خفض عملها إلى الحدّ الأدنى من طاقتها لأهداف سياسية متعدّدة.

في اعتقاد مصدر سياسي بارز أن ما حصل في جلسة مجلس الوزراء الإثنين الفائت يعكس بوضوح محاولة الدفع في اتجاه توتير أجوائها وفرض أمر واقع يتنافى مع المناخ الوفاقي الذي أدى إلى ولادتها، بل يتعارض أيضاً مع أصول التعامل في شأن التعيينات الأمنية والإدارية. ويلفت إلى أن رئيس الجمهورية بدا متشدّداً في اقتصار التعيينات فيها على تثبيت القاضي سمير حمود مدعياً عاماً تمييزياً، واللواء بصبوص مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي، علماً أن رئيس الحكومة بدا أكثر مرونة في مناقشة هذا الشأن، ويرى المصدر عينه أن خروج الرئيس ميشال سليمان من الجلسة يشكّل ظاهرة أو ممارسة لا تلائم موقعه كرئيس للجلسة، ويؤشّر على رغبته في تغليب روح المواجهة على التوافق.

اللافت أن الرئيس سليمان استخدم الأسلوب ذاته في جلسة الحوار المبتورة التي انعقدت في قصر بعبدا، إذ أصرّ على إسماع الحاضرين شريطاً مسجّلاً حول بيان بعبدا، في حركة استفزازية لا تتفق وأداء الرئيس نبيه بري الذي حرص على الحضور انسجاماً مع تغليب الروحية الإيجابية في التعامل بين الرئاسات الثلاث. فالسياسة التي يتّبعها سليمان تؤثّر مباشرة في أجواء جلسات مجلس الوزراء وتضاعف إرباكات الحكومة.

من ناحية أخرى، يبرز دور آخر شديد التأثير في مسار الحكومة، هو دور رئيس كتلة «تيار المستقبل» فؤاد السنيورة كرئيس ظل للحكومة، وبدا ذلك جلياً في الجلسة التشريعية العامة من خلال الإكثار من التدخّل والمداخلات في مناقشة مشاريع واقتراحات القوانين، متجاهلاً أو متناسياً أنه في صفوف النواب وليس في مقعد رئاسة الحكومة. ويرى أحد النواب أن هذا الدور الذي يلعبه السنيورة بدأ قبل تشكيل الحكومة وخلال مناقشة صيغة البيان الوزاري، قبل إقراره في مجلس الوزراء، وإن القصد منه شلّ حركة رئيس الحكومة ولجمها. وبدا واضحاً في الجلسة التشريعية للمجلس أن السنيورة يستعين بفريق عمل نيابي محسوب عليه داخل الكتلة لتوزيع الأدوار، ووضع ما يشبه «الفيتو» على بعض المشاريع والاقتراحات التي سرعان ما كان سلام يطلب استردادها أو التريّث في إقرارها لمراجعتها.

كما حاول السنيورة فرض «حظر» على حرية حركة سلام، ما يطرح سؤالاً: هل يندرج هذا التصرّف ضمن سيناريو مدروس من قِبَل تيار «المستقبل»، أم هو في إطار السياسة الخاصة التي ينتهجها داخل هذا التيار؟ وبغض النظر عن صحة التفسير الأول أو الثاني، فإن الضغوط التي مارسها السنيورة ويمارسها لا تقتصر على حضور الحكومة وتعاملها في المجلس النيابي، بل تطاول أيضاً عملها وأداءها عامة من خلال التأثير على رئيسها والضغوط عليه.

المفارقة هنا أن رئيس مجلس النواب نبيه بري سعى منذ تكليف سلام إلى تسهيل مهمّته، بل ساهم مساهمة أساسية في الدفع باتجاه ولادة الحكومة وحل عقد البيان الوزاري.

ولم يكتف بذلك بل مدّ يد العون إليه منذ نيل الحكومة الثقة، فدعا إلى جلسة تشريعية حافلة بالمشاريع والاقتراحات، للمساهمة في منحها قوة دفع، ولمعالجة قضايا حيوية عالقة. وخلال الجلسة لوحظ أن الرئيس بري كان متجاوباً ومتساهلاً مع ملاحظات رئيس الحكومة، ليس انطلاقاً من مبدأ التعاون بين السلطتين الاشتراعية والتنفيذية فحسب، بل سعياً إلى تقوية موقف سلام وتشجيعه وتحفيزه على تعزيز انطلاقة الحكومة.

غير أن التجربة منذ ولادة الحكومة حتى اليوم يدل على أن سلام مكبّل بضغوط متزايدة من الفريق الذي يمثّله عامة، ومن الرئيس السنيورة خاصة، إذ يسعى الأخير منذ الآن إلى عدم التجديد له بعد انتخاب رئيس الجمهورية، آملاً في العودة إلى رئاسة الحكومة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى