حلفاء الحريري يقولون له: المعركة «معركة أخلاق»
روزانا رمّال
يتوجه نائب رئيس حزب الكتائب الوزير سجعان قزي إلى العماد ميشال عون قائلاً: «هنيئاً لك بحليف سياسي كحزب الله». كلام يحمل الكثير من الأبعاد التي تستهدف الحريري، حليف الكتائب بطريقة أو بأخرى، وهو ليس الموقف الوحيد الذي عبّر فيه حلفاء الحريري عن صدمتهم بترشيح رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية إلى رئاسة الجمهورية، ولو أنّ الطرح لم يصبح علنياً بعد، لكن المنطلق الذي سلكه الحريري كان كافياً ليؤكد لحلفائه الكثير مما قد اعتبروه يوماً ثوابت.
خاض حلفاء الحريري إلى جانبه معركة إخراج سورية من لبنان وأسّسوا خيار 14 آذار والحركة المعارضة للنظام السوري آنذاك، والتي امتدّت حتى الساعة. لقد وعدهم الحريري أنّ الانتقام آتٍ لا محالة من النظام وأعوانه في البلاد، وبأنه سيقتصّ من الجميع ومن أجل الوقوف بالخندق ذاته معه انتقل حلفاؤه من الضفة المقابلة ومن ضفة العلاقة الجيّدة مع حزب الله وسورية إلى ضفة الخصومة المطلقة مع أحدهما أو كليهما.
رئيس حزب القوات اللبنانية لديه موقف من الملف يكاد يكون الأقصى بعد أن طرح احتمال أن يعبّر عن رفضه لترشيح فرنجية بإعلانه ترشيح عون والتصويت له، هكذا شرح نوابه أيضاً ملابسات القضية، حيث قال أحدهم إذا كان الخيار قد وقع على واحد من الاثنين أيّ عون أو فرنجية، فإنّ الأولوية تكون لعون.
يريد جعجع التعبير عن رفض أمرين، الأول أنه من غير المقبول المطالبة بالاتفاق مسيحياً على رئيس ومن ثمّ يقدِم غير المسيحي على فرض رئيس أو مرشح على المسيحيين، والثاني يريد جعجع أن يقول إنّ المسألة هي مسألة مبدأ، فإذا كنا فعلاً حلفاء للحريري فلماذا لم يتشاور معنا على الأقلّ؟
منذ اليوم الأول قدّم الحريري جعجع كمرشح رسمي لـ14 آذار، ومن ثم ما لبث أن خلعه من دون التمسك به لحلّ الملف، وكأنه لا يبالي إلا بملء الكرسي من دون اعتبارات الموقف المسيحي، أما نواب كتلة المستقبل فكانوا يبرّرون ذلك بأنّ هذا السلوك يصبّ في خانة المرونة التي يتمتع بها موقف المستقبل الذي لن يتمسّك باسم مقابل ترك المؤسسات الدستورية فارغة، كما يتمسّك حزب الله بحلفائه.
ومجدّداً يتجاهل الحريري حلفاءه المسيحيين، وعند أول فرصة يرشح فرنجية من دون مشاورتهم ولا حتى مشاركتهم، بما هو مقبل على الحلف مستقبلاً، حتى كادت، أيّ الشخصيات المسيحية، لا تعرف بماذا تجيب في تحليل المشهد خلال المجالس الداخلية، ما اضطر البعض للسفر إلى باريس للقاء الحريري لاستطلاع ما يجري، كما فعل النائب سامي الجميّل والوزير بطرس حرب.
لم يهتمّ الحريري كثيراً بترتيب البيت المسيحي في 14 آذار، ولا بوضع حلفائه بصورة الذي سيجري، وربما يعود ذلك كله وبنية مقصودة من الحريري تفيده في تبرير نفسه أمامهم أنه لم يعلن رسمياً بعد عن أيّ ترشيح.
تصرّف الحريري هذا رفع شعبية حزب الله عند المسيحيين عموماً، وليس فقط عند حلفائه، بل امتدّ الأمر أيضاً إلى حلفاء الحريري.
خلق الحريري إرباكاً واضحاً في صفوف حلفائه بتأخّره في إعلان الترشيح رسمياً، فهو من جهة فتح ملفّ ترشيح فرنجية على مصراعيه موحياً بجدية الترشيح، ومن جهة أخرى يخشى إعلانه رسمياً لجهله طبيعة ردّ حلفائه فيخسر… وعلى هذا هل يعلن الحريري ترشيح فرنجية رسمياً قريباً أم لا يزال متردّداً؟
في المقابل يبدو حزب الله مرتاحاً جداً، وهو ينتظر من دون استعجال إطلاق المواقف أو التصريحات، ومن دون أن يأبه للضخّ الإعلامي الذي لم يشكل لديه حتى الساعة عامل ضغط أو أزمة، فكلّ أجوائه تتحدّث عن أننا ننتظر أيّ شيء رسمي من دون قلق أو عجلة، فالوقت لا يزال مبكراً.
يقدّم حزب الله ارتياحاً واضحاً وهدوءاً كبيراً في التعاطي مع القضية، على عكس ما توالى من تصريحات لحلفاء الحريري المسيحيّين، فهو يعتبر أنه إذا حصل وأكمل جعجع رفضه واختار عون، فإنّ حزب الله يصفق حتماً ويقبل فرنجية الصيغة فوراً ويخسر الحريري فريقه المسيحي، أما إذا قبل جعجع مقترح الحريري ومضى واقتصر تعبيره فقط على الامتعاض الإعلامي لأنه لن يجرؤ على إعلان كهذا بوجه الحريري يكون كلٌ من فرنجية وعون أصبحا زعيمين وحيدين في عيون المسيحيين، فالأول معه حزب الله حتى النهاية والآخر رشحه الحريري ضارباً بمصالح حلفائه عرض الحائط، وعلى هذا الأساس يخسر الحريري المسيحيين ويربحهم حزب الله…
يشعر حلفاء الحريري بأنّ المعركة هنا هي «معركة أخلاق»، وإذا كانت الدواعي إقليمية أو بإيعاز دولي فإنّ هذا يرتب عليه مبادلتهم بشيء من الوفاء الذي قدّموه له طيلة فترة التحالف، خصوصاً في قضية تعنيهم بالمباشر، وخصوصاً أيضاً أنّ فيهم مَن هو مرشح دائم ولم يسحب ترشيحه يوماً كالرئيس الأسبق أمين الجميّل. يقول حلفاء الحريري له إنّ الوفاء للشريك في الوطن هو أهمّ ما يمكن أن يراهن عليه، والحليف ليس للاستعمال أو «تابعاً» يُباع عند أول مفترق.