المنتمي إلى حزب الصراع لا المنتسب إلى جمعية خيرية

ربيع الدبس

لم يكن ناسكاً ولا صاحب جمعية للبرّ والإحسان، ذلك الذي حاول بعض مؤبّنيه تصويره معزولاً عن عقيدةٍ بل عن قضيّةٍ نذر لها الوجود…

تجنّبوا تسمية الحزب السوري القومي الاجتماعي، وانخراطه المبكر فيه، والمواقع القيادية المديدة التي تولاها. لكن التاريخ لا تمحوه كلمة خجولة ولو ألقاها كاهن. كما أنّ المناضلين لا يخبو سابق ألقهم إذا خبا في نفس المؤبّن ألق الحاضر، ومات في وجدانه الإيمان والوجدان.

الدكتور منير خوري لم يكن نكرةً في الحرية ولا في الأسر… كان واضحاً، بل أصولياً في وضوحه… لم يساوم على الأخلاق ولم يهادن الطاغوت المذهبي الذي عصف بأمتنا ولا يزال. تمسّك بالمبادئ المنقذة ولو فاتته آلياتها العملية، خصوصاً السياسية منها.

كان الرجل نهضوياً بامتياز، شغوفاً بالمعرفة ولو عبر أقنيتها الأكاديمية. أدخله رئيس الحزب الأسبق أسد الأشقر في بوتقة الحزب وجدّيته وعضويته، فنما الداخل في حزب الأمة على وقْع الوعي ومفاعيل الصراع. وجذبته شخصية الرئيس الأسبق عبد الله سعاده فتأثّر بها على اعتبار أنّها تمثّل الكاريزما التي تروقه وتستجيب لتكوينه النفسي ونموذجه المفضّل.

من قريته جبرايل في عكار، إلى مقرّ إقامته الدائمة في رأس بيروت، تميّز الرجل بالدماثة وحسن الاستماع، فصفا في الطوية حتى الرومانسية أحياناً، مع أنّه ذاق عذابات السجن بعد المحاولة الانقلابية التي يسمّيها قاموسنا ثورة… وفي سِجن المرارات، من القبة إلى القلعة، تميّز الأمين الذي ودّعناه أمس بصفات القادة المؤمنين صموداً وشجاعةً وتوجيهاً وتجليّات… ولمّا خرج من السجن، مرفوع الرأس، كرّس وقتاً لم يتح له أن يعطيه من قبل، لعائلته وجامعته التي ازدوج فيها نشاطه التعليمي من الجامعة الأميركية في بيروت، إلى كلّية بيروت الجامعية التي صارت اليوم «الجامعة اللبنانية ـ الأميركية». كما أعطى وقتاً منتجاً لمنظّمة الأمم المتحدة بصفة مستشار للشؤون الاجتماعية والإنمائية.

أذكُر أنّنا تحاورنا طويلاً في شؤون فكرية وحزبية… اتفقنا في الكثير وتمايزنا في القليل. لكن الرجل اتصف بالمنطق والمناقبية والتواضع الجمّ. وكانت العائلتان متقاربتين سكنياً، موحّدتين روحياً، والمحبة القومية المنسوجة بينهما مقرونة بالاحترام… كما أذكر أنني راجعت له بعض كتبه بناءً على طلبه، وخصوصاً «الواقع والمصير»، و«ما علّة لبنان؟»، الذي وُضع بالإنكليزية في الأصل خلال إجازة بحثية له في الولايات المتحدة.

بالأمس شيّعه الحزب، وكرّمه الحزب، وواراه الحزب… في ثرى القلعة القومية الاجتماعية التي فيها رأى النور قبل أن تغمض عيناه في رعاية زوجةٍ نبيلةٍ، وكريماتٍ عنواهن الأمل والندى والوفاء.

منير خوري… أيّها المنتمي إلى حركة الشرف والعزّ والوحدة القومية. لك التحية من رفقائك الذين آلمهم المرض قبل الرحيل، فتردّد معظمهم في عيادتك عليلاً، بعد أن أثقلتك التسعون وأتعبتك…

تحية لك من قيادة الحزب التي تمثّلت في مأتمك بأعضاء سلطتيها التشريعية والتنفيذية، وبكوكبةٍ من المناضلين الأوفياء دوماً للمناضلين، والنابض وجدانهم أبداً بالشعلة التي أوقدها سعاده، قبل أن يجتاح نورها جميع الذين استضاؤوا وأضاؤوا.

الصورة

في ذكرى الدكتور عبد الله سعاده، أميون ـ 1989.

ويبدو من اليمين الأمناء: يوسف الشامي، ربيع الدبس، منير خوري، د. مي سعاده، عصام المحايري، ومحمود الحسن. كما يبدو النائب السابق وجيه البعريني، والوزير السابق حسن عزّ الدين، خليل أدهم، وجاك عبيد.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى